حكم صرف جزء من الزكاة على أهل الكتاب
عبد الله بن عبد العزيز العقيل
- التصنيفات: فقه الزكاة -
هل يجوز للمسلم صرف شيء من زكاته إلى فقراء المسيحيين؟
الزكاة تنقسم إلى قسمين: زكاة واجبة، وصدقة تطوع مستحبة.
أما الزكاة الواجبة فقد تولى الله تعالى قسمتها، ولم يكلها إلى ملك مقرب ولا إلى نبي مرسل، فضلاً عن غيرهما. فقال تعالى في سورة التوبة: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ الله وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ الله وَالله عَلِيمٌ حَكِيمٌ} (1).
ونص العلماء على أن لا حظ فيها لغير المسلمين إلا أن يكونوا من المؤلفة قلوبهم.
قال الموفق بن قدامة في (المغني) (2): لا نعلم بين أهل العلم خلافًا في أن زكاة الأموال لا تعطى لكافر. قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم أن الذمي لا يعطى من زكاة الأموال شيئًا؛ ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ: " " (متفق عليه) (3)، فخصهم بصرفها إلى فقرائهم كما خصهم بوجوبها على أغنيائهم.أ.هـ.
وأما صدقة التطوع فلا تختص بالمسلمين، بل يجوز صرفها إلى غير المسلمين، إذا كان هناك مصلحة راجحة، مع أن المسلمين أولى بها. ومما استدل به على هذا، ما ذكره المفسرون في تفسير قوله تعالى: {لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ الله يَهْدِي مَن يَشَاءُ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنفُسِكُمْ وَمَا تُنفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ الله وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ} (4).
قال ابن عباس: كانوا يكرهون أن يرضخوا لأنسابهم من المشركين. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر بأن لا يُتصدق إلا على أهل الإسلام، حتى نزلت هذه الآية: {لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ} (5). فأمر بالصدقة على كل من سألك من كل ذي دِينٍ.
وعن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: قدمت علي أمي وهي مشركة في عهد قريش إذ عاهدوا، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم: هل أصلها؟ فقال صلى الله عليه وسلم: " " (6)، ونزل قول الله تعالى: {لَا يَنْهَاكُمُ الله عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ الله يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} (7).
.. والخلاصة: أن الزكاة الواجبة لا تعطى الكفار، ولا تجزئ لو دفعت لهم.
وأما صدقة التطوع، فإن كان في دفعها لغير المسلمين مصلحة راجحة ومنفعة متحققة جاز أن يَصْرِفَ لهم شيئًا منها، وإلا فالمسلمون أولى بها، والله أعلم.
___________________________________________
1 - سورة التوبة: الآية (60).
2 - راجع (المغني) (4/ 106، 107).
3 - سبق تخريجه. انظر الفتوى رقم (169).
4 - سورة البقرة: الآية (272).
5 - رواه النسائي في (تفسيره) (6/ 305، 306)، والبزار (2193)، (كشف الأستار)، و(تفسير) الطبري، (6202)، والطبراني (12453)، والحاكم (2/ 285).
6 - البخاري (5978) (5979)، ومسلم (1003) واللفظ للبخاري.
7 - سورة الممتحنة: الآية (8).