هل الصرف المؤجل جائز أم لا؟
منذ 2008-09-10
السؤال: هل الصرف المؤجل جائز أم لا؟
الإجابة: إن الله سبحانه وتعالى جعل المال قسمين: أثماناً وسلعاً، فالسلع هي ما
يحقق مصلحة من مصالح الإنسان، وأصول المصالح والمنافع أربعة تعهد الله
بها لآدم في الجنة فقال: {إن لك أن لا
تجوع فيها ولا تعرى * وأنك لا تظمؤ فيها ولا تضحى}، هذه أصول
المنافع، {إن لك أن لا تجوع فيها}
هذا يشمل جميع المآكل، {ولا تعرى}
هذا يشمل جميع الملابس، {وأنك لا
تظمأ} فيها هذا يشمل جميع المشارب، {ولا تضحى} أي لا تبرز للشمس وهذا يشمل
المساكن والفرش ونحو ذلك والمركوبات والدواب ونحو ذلك، هذه إذا هي
أصول المنافع، فما حقق واحدة من هذه المنافع تأصيلاً أو زيادة
وتحسيناً فهو داخل في السلع.
والقسم الثاني هو الأثمان وهي وسائط في التبادل لا تؤكل ولا تشرب ولا تلبس ولا تسكن ولكنها وسيط في التبادل فقط، وقد جعلها الله لهذه الحكمة للتبادل بين الناس، لأن الله تعالى آتى كثيراً من الناس ما لا يحتاج إليه ويحتاج إليه غيره، فلو لم يكن هذا الوسيط موجوداً لاحتال الضعيف إلى حاجته عن طريق السرقة، ولأخذها القوي عن طريق الغصب، فشرع الله للناس التبادل وهو العقود وهذه العقود الأصل فيها المقايضة، أنا أملك هذا ولا أحتاج إليه وأنت تملك هذا ولا تحتاج إليه، فأنا محتاج لما عندك وأنت محتاج لما عندي فنتبادل، فهذا هو الأصل لكن هذه المقايضة لا يمكن أن تقضي كل حوائج الناس لأن الإنسان الذي يملك داراً، والذي يملك قلماً، وهذا يحتاج إلى دار هذا وهذا يحتاج إلى قلم هذا لا يمكن أن يقع التبادل بينهما للاختلاف الكبير بين ثمن القلم وثمن الدار، فجعل اللهُ وسيطاً في التبادل، وهو هذه العملات التي جعل الله عليها القبول والرواج، أصلها الذهب والفضة، وما سوى ذلك من العملات ملحق بهما كما قال مالك: "لو اتخذ قوم سكة من جلود أي عملة من الجلود لكرهت أن يتعاملوا بها نسيئة" أي لكانت مثل الذهب والفضة في الأحكام.
وعلى هذا فإن الشارع وسع الربح في السلع لأنها إنتاج ينتجه الإنسان فيثري خيرات أهل الأرض وينفعهم، فكل إنتاج ينتجه الإنسان زراعة أو صناعة أو نحو ذلك يجوز له الربح منه، طلب الربح منه.
أما الأثمان فإن الشارع ضيق فيها الربح الأثمان التي لا تؤكل ولا تشرب ولا تلبس إنما هي وسيط في التعامل ضيق الشارع فيها حيز الربح، فالربح فيها إنما يتم في صورة واحدة وهي إذا اختلفت الأجناس وكانت يداً بيد، اختلفت الأجناس وكانت يداً بيد، أنا أملك العملة الموريتانية وأنت تملك العملة الأوروبية فنتبادل بين الأوقية والأورو فيجوز الربح بينهما لأنهما متفاضلان في الثمن، إذا كان ذلك يداً بيد، إذن هذه صورة واحدة يجوز فيها طلب الربح من النقود، أما ما سوى ذلك من الصور فلا يجوز فيه طلب الربح من النقود لذاتها.
كيف يقع إذا نقلها من مكان إلى مكان وهو التحويل؟ هذا فيه ثلاث صور:
- الصورة الأولى: حرام وهي الصرف المؤجل، أن تدفع إليّ نقداً هنا لأعطيك نقداً يقابله في تايوان أو في هونغ كونغ أو في الصين، هذا ربا لأنه ربا النسيئة وهي التأخر، حيث أخذت أنا منك نقودك هنا وأعطيتك نقودي هنالك في المكان الذي لا أصل إليه إلا في وقت متأخر.
- أما الصورة الثانية: وهي مباحة فهي القرض، والقرض معناه طلب وجه الله تعالى بإعانة إنسان بتقديم مال له ليرده على هيئته دون زيادة ولا نقص، وهو مما يبتغى به وجه الله، وقد قال بعض أهل العلم إنه أفضل من الصدقة من وجهين، لأن القرض لا يطلبه إلا محتاج إليه بخلاف الصدقة فيطلبها من هو غني عنها، وأيضاً الوجه الثاني أن القرض قليل المنة والمنة أمر عظيم لأن الإنسان إذا أعطيته مالاً بدون مقابل فلك منة عليه تستطيع بها الضغط عليه وتغيير قراراته وإرادته، بخلاف ما لو أقرضته ورد إليك القرض فمنتك عليه محدودة، وهذا القرض له صورتان إحداهما حسن قضاء والأخرى حسن اقتضاء، وكلتاهما مرغب فيها شرعاً، فإذا كان صاحب العملة العائمة أو الضعيفة السهلة هو البادئ فأخذه للعملة الأخرى وهي العملة الصعبة حسن قضاء، وإذا كان البادئ صاحب العملة الصعبة هو الذي دفع أولاً فقضاه الآخر بعملة سهلة أو عائمة فهذا حسن اقتضاء وكلاهما مرغب فيه شرعاً.
- أما الصورة الثالثة: وهي مباحة أيضاً فهي التي تسمى بالسَّفْتَجَة أوالسُّفْتُجَة، وهي في الأصل كلمة تركية، ومعناها نقل المال إذا عم الخوف، نقل المال من مكان إلى آخر إذا عم الخوف، وهي من عقود التبرعات لأنها وديعة في الأصل ولكنها يجوز المعاوضة عليها، إذا عم الخوف فكنت أنت تخاف أن تحمل مالك معك من هنا فتمر به مثلاً بمطار شارل دكول وتفتش فيه، وتذهب به إلى بكين وأنت عرضة في كل وقت للصوص والمخاطر الكبيرة جداً، فتريد أن تودعه إنساناً هنا ليعطيك نظيره هناك في بكين، إنما يتم ذلك عن طريق السفتجة وهي أن تسلم إليه المال هنا فيكتب لك إلى وكيله ومثله المصرف الذي له حساب فيه فهو وكيل عنه، أن يدفع إليك مقابل ذلك المال وستختلف العملة بالطبع لأن العملات لها حدود محددة فيكتب لك دفعت إليه بالأوقية هنا، وأخذت بالمقابل الين الياباني إذا كنت تتجه إلى طوكيو أو اليورو إذا كنت تتجه إلى باريس أو الباوند الجنيه الإسترليني إذا كنت تتجه إلى لندن مثلا، وهكذا يكتب لك بالمبلغ المقابل للمبلغ الذي أخذ منك.
وهذه العملية فيها عقدان، العقد الأول عقد وديعة حين دفعت إليه مالك لينقله لك إلى ذلك المكان، ويجوز أخذ الأجرة عليه كما إذا أودعته صندوق كتب فحمله من هذا المكان إلى طوكيو أليس يستحق عليه أجرة الشحن، كذلك نقله للمال يستحق عليه أجرة الشحن، والعقد الثاني هو صرفه لأنه سيبدل هذه النقود بغيرها من العملة الصارفة في المكان الذي تتجه إليه، وهذا الصرف لا يحل فيه الربح، فالربح إنما يكون في العملية الأولى فقط وهي عملية النقل، فهو يقول لك أنا آخذ منك هنا مثلاً أنت تريد مليون يورو ادفع إلي هنا ثلاثمائة وخمسين مليون أوقية وسأدفع إليك مليون يورو في باريس مثلا، فتدفع إليه هذه النقود هنا وهي ثلاثمائة وخمسين مليون أوقية فيقول: أنا أوصلها إلى باريس بنسبة 10% منها أو نسبة 5% أو نسبة 2% أو بمبلغ مقطوع، وهو أوصل لك هذه الأمانة بكاملها إلى باريس بعشرين ألف يورو، هذا يجوز التعامل به ولا حرج فيه شرعاً.
وبذلك يعلم أن التحويل له صورتان جائزتان وتحققان كل مقاصد العقلاء التجارية.
والصورة الثالثة هي الصرف وهي ممنوعة وما يريده الناس منها مكفول بالصورتين السابقتين فلا يحتاج إلى تلك الصورة.
. ومن هنا يعلم أن الصرف الآجل ممنوع لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " "، وفي حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه في صحيح مسلم والموطأ وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نقلاً عن موقع فضيلة الشيخ حفظه الله.
والقسم الثاني هو الأثمان وهي وسائط في التبادل لا تؤكل ولا تشرب ولا تلبس ولا تسكن ولكنها وسيط في التبادل فقط، وقد جعلها الله لهذه الحكمة للتبادل بين الناس، لأن الله تعالى آتى كثيراً من الناس ما لا يحتاج إليه ويحتاج إليه غيره، فلو لم يكن هذا الوسيط موجوداً لاحتال الضعيف إلى حاجته عن طريق السرقة، ولأخذها القوي عن طريق الغصب، فشرع الله للناس التبادل وهو العقود وهذه العقود الأصل فيها المقايضة، أنا أملك هذا ولا أحتاج إليه وأنت تملك هذا ولا تحتاج إليه، فأنا محتاج لما عندك وأنت محتاج لما عندي فنتبادل، فهذا هو الأصل لكن هذه المقايضة لا يمكن أن تقضي كل حوائج الناس لأن الإنسان الذي يملك داراً، والذي يملك قلماً، وهذا يحتاج إلى دار هذا وهذا يحتاج إلى قلم هذا لا يمكن أن يقع التبادل بينهما للاختلاف الكبير بين ثمن القلم وثمن الدار، فجعل اللهُ وسيطاً في التبادل، وهو هذه العملات التي جعل الله عليها القبول والرواج، أصلها الذهب والفضة، وما سوى ذلك من العملات ملحق بهما كما قال مالك: "لو اتخذ قوم سكة من جلود أي عملة من الجلود لكرهت أن يتعاملوا بها نسيئة" أي لكانت مثل الذهب والفضة في الأحكام.
وعلى هذا فإن الشارع وسع الربح في السلع لأنها إنتاج ينتجه الإنسان فيثري خيرات أهل الأرض وينفعهم، فكل إنتاج ينتجه الإنسان زراعة أو صناعة أو نحو ذلك يجوز له الربح منه، طلب الربح منه.
أما الأثمان فإن الشارع ضيق فيها الربح الأثمان التي لا تؤكل ولا تشرب ولا تلبس إنما هي وسيط في التعامل ضيق الشارع فيها حيز الربح، فالربح فيها إنما يتم في صورة واحدة وهي إذا اختلفت الأجناس وكانت يداً بيد، اختلفت الأجناس وكانت يداً بيد، أنا أملك العملة الموريتانية وأنت تملك العملة الأوروبية فنتبادل بين الأوقية والأورو فيجوز الربح بينهما لأنهما متفاضلان في الثمن، إذا كان ذلك يداً بيد، إذن هذه صورة واحدة يجوز فيها طلب الربح من النقود، أما ما سوى ذلك من الصور فلا يجوز فيه طلب الربح من النقود لذاتها.
كيف يقع إذا نقلها من مكان إلى مكان وهو التحويل؟ هذا فيه ثلاث صور:
- الصورة الأولى: حرام وهي الصرف المؤجل، أن تدفع إليّ نقداً هنا لأعطيك نقداً يقابله في تايوان أو في هونغ كونغ أو في الصين، هذا ربا لأنه ربا النسيئة وهي التأخر، حيث أخذت أنا منك نقودك هنا وأعطيتك نقودي هنالك في المكان الذي لا أصل إليه إلا في وقت متأخر.
- أما الصورة الثانية: وهي مباحة فهي القرض، والقرض معناه طلب وجه الله تعالى بإعانة إنسان بتقديم مال له ليرده على هيئته دون زيادة ولا نقص، وهو مما يبتغى به وجه الله، وقد قال بعض أهل العلم إنه أفضل من الصدقة من وجهين، لأن القرض لا يطلبه إلا محتاج إليه بخلاف الصدقة فيطلبها من هو غني عنها، وأيضاً الوجه الثاني أن القرض قليل المنة والمنة أمر عظيم لأن الإنسان إذا أعطيته مالاً بدون مقابل فلك منة عليه تستطيع بها الضغط عليه وتغيير قراراته وإرادته، بخلاف ما لو أقرضته ورد إليك القرض فمنتك عليه محدودة، وهذا القرض له صورتان إحداهما حسن قضاء والأخرى حسن اقتضاء، وكلتاهما مرغب فيها شرعاً، فإذا كان صاحب العملة العائمة أو الضعيفة السهلة هو البادئ فأخذه للعملة الأخرى وهي العملة الصعبة حسن قضاء، وإذا كان البادئ صاحب العملة الصعبة هو الذي دفع أولاً فقضاه الآخر بعملة سهلة أو عائمة فهذا حسن اقتضاء وكلاهما مرغب فيه شرعاً.
- أما الصورة الثالثة: وهي مباحة أيضاً فهي التي تسمى بالسَّفْتَجَة أوالسُّفْتُجَة، وهي في الأصل كلمة تركية، ومعناها نقل المال إذا عم الخوف، نقل المال من مكان إلى آخر إذا عم الخوف، وهي من عقود التبرعات لأنها وديعة في الأصل ولكنها يجوز المعاوضة عليها، إذا عم الخوف فكنت أنت تخاف أن تحمل مالك معك من هنا فتمر به مثلاً بمطار شارل دكول وتفتش فيه، وتذهب به إلى بكين وأنت عرضة في كل وقت للصوص والمخاطر الكبيرة جداً، فتريد أن تودعه إنساناً هنا ليعطيك نظيره هناك في بكين، إنما يتم ذلك عن طريق السفتجة وهي أن تسلم إليه المال هنا فيكتب لك إلى وكيله ومثله المصرف الذي له حساب فيه فهو وكيل عنه، أن يدفع إليك مقابل ذلك المال وستختلف العملة بالطبع لأن العملات لها حدود محددة فيكتب لك دفعت إليه بالأوقية هنا، وأخذت بالمقابل الين الياباني إذا كنت تتجه إلى طوكيو أو اليورو إذا كنت تتجه إلى باريس أو الباوند الجنيه الإسترليني إذا كنت تتجه إلى لندن مثلا، وهكذا يكتب لك بالمبلغ المقابل للمبلغ الذي أخذ منك.
وهذه العملية فيها عقدان، العقد الأول عقد وديعة حين دفعت إليه مالك لينقله لك إلى ذلك المكان، ويجوز أخذ الأجرة عليه كما إذا أودعته صندوق كتب فحمله من هذا المكان إلى طوكيو أليس يستحق عليه أجرة الشحن، كذلك نقله للمال يستحق عليه أجرة الشحن، والعقد الثاني هو صرفه لأنه سيبدل هذه النقود بغيرها من العملة الصارفة في المكان الذي تتجه إليه، وهذا الصرف لا يحل فيه الربح، فالربح إنما يكون في العملية الأولى فقط وهي عملية النقل، فهو يقول لك أنا آخذ منك هنا مثلاً أنت تريد مليون يورو ادفع إلي هنا ثلاثمائة وخمسين مليون أوقية وسأدفع إليك مليون يورو في باريس مثلا، فتدفع إليه هذه النقود هنا وهي ثلاثمائة وخمسين مليون أوقية فيقول: أنا أوصلها إلى باريس بنسبة 10% منها أو نسبة 5% أو نسبة 2% أو بمبلغ مقطوع، وهو أوصل لك هذه الأمانة بكاملها إلى باريس بعشرين ألف يورو، هذا يجوز التعامل به ولا حرج فيه شرعاً.
وبذلك يعلم أن التحويل له صورتان جائزتان وتحققان كل مقاصد العقلاء التجارية.
والصورة الثالثة هي الصرف وهي ممنوعة وما يريده الناس منها مكفول بالصورتين السابقتين فلا يحتاج إلى تلك الصورة.
. ومن هنا يعلم أن الصرف الآجل ممنوع لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " "، وفي حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه في صحيح مسلم والموطأ وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نقلاً عن موقع فضيلة الشيخ حفظه الله.
محمد الحسن الددو الشنقيطي
أحد الوجوه البارزة للتيار الإسلامي وأحد أبرز العلماء الشبان في موريتانيا و مدير المركز العلمي في نواكشوط.
- التصنيف: