ما هي وسائل زيادة الإيمان؟
محمد الحسن الددو الشنقيطي
- التصنيفات: تزكية النفس -
السؤال: ما هي وسائل زيادة الإيمان؟
الإجابة: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على من
بعث رحمة للعالمين، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى
يوم الدين، أما بعد:
فإن هذا الإيمان هو الذي يميز أهل السعادة عن أهل الشقاء، وهو الذي يختار الله له من يميزهم ويهيئهم لمرضاته ولدخول جناته، والإنسان محتاج إلى تعاهده دائما لأنه يبلى ويجد في النفوس.
فهو الذي يحمل على الطاعات ويحمل على ترك المعاصي، ونحن محتاجون إليه حاجة شديدة لا تعدلها حاجة إلى أي شيء آخر، فلذلك لابد من تذاكر زيادته ونقصه وأسباب ذلك دائماً، فالإيمان: "نطق باللسان واعتقاد بالجنان وعمل بالأركان، يزيد بالطاعات وينقص بالعصيان"، فهو اعتقاد بالجنان أي بالقلب، ونطق باللسان بتصديق ذلك، وعمل بالأركان أي بالجوارح بالامتثال والاجتناب، يزيد بالطاعات فيزداد أهل الإيمان إيماناً، بما قدموا لأنفسهم من الطاعات، وينقص بالعصيان فينقص إيمان الإنسان بقدر ما اقترف من السيئات، ولذلك يحتاج الإنسان إلى مراجعته دائماً، لأنه ليس على درجة واحدة ثابتة، بل هو يتغير بحسب طاعة الإنسان وعصيانه، وزيادة الإيمان من أهم أسبابها زيادة المعرفة بالله جل جلاله، فالإنسان كلما ازداد معرفة بالله بمعرفة أسمائه الحسنى وصفاته العلى، وبمعرفة آياته في هذا الكون، وبمعرفة آياته المسطورة كذلك في كتابه، وبتعرفه إليه في الرخاء، كل ما ازداد إيماناً ويقيناً بذلك، وكلما ازداد محبة لله جل جلاله ولرسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولطاعته، وكلما نقصت معرفة الإنسان بالله فلم يعرف صفاته ولم يعرف أسماءه ولم يعرف آياته ولم يتعرف على عجائب خلقه في الكون كل ما كان إيمانه ناقصاً وكلما كان ابتعاده عنه عظيماً، وهذا السبب قابل للزيادة دائماً، فالإنسان شرفه الله بالعلم، ولذلك عقد مسابقة بين الملائكة وآدم عليه السلام وحكم في نهايتها لصالح آدم، فقال: {وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين * قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم * قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم فلما أنبأهم بأسمائهم قال ألم أقل لكم إني أعلم غيب السماوات والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون}.
وهذا الشرف لابد أن يحافظ عليه الإنسان، فلابد أن يجعل من أولوياته التعلم دائماً، والإنسان المعرض عن التعلم لا يمكن أن يزداد إيماناً أبداً، لأن هذا الإيمان تابع لمعرفة الإنسان، ومعرفته لا تتم إلا بحرصه على التعلم، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " "، والإنسان الذي لا يزداد علماً مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من عند الله هو بمثابة البهيمة، كما قال الله تعالى: {والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام والنار مثوى لهم}، ولهذا يحتاج المؤمن إلى الازدياد كل يوم من علم ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ليزداد إيماناً، فقد قال الله تعالى: {وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول أيكم زادته هذه إيماناً، فأما الذين آمنوا فزادتهم إيماناً وهم يستبشرون}.
كذلك من أسباب زيادة الإيمان زيادة الطاعة لله سبحانه وتعالى، فالإنسان الذي يحافظ على فرائض الله، ويجتنب المحرمات ويحافظ ما استطاع على المندوبات وعلى ترك المكروهات يترقى في درجات الإيمان، فيثبت قلبه وتنزل فيه السكينة ولا يشك ولا يعرض عليه الأوهام التي تعرض على الناس، والإنسان الذي لا يحافظ على الطاعات، فلا يحافظ على الصلاة في أوقاتها ولا يحافظ على أداء الزكاة ولا على أداء الصوم ولا على أداء الحج إن استطاع إليه سبيلاً، ولا يحافظ كذلك على السنن والمندوبات تكثر فيروسات الإيمان في قلبه، وبذلك تعرض عليه العوارض والأوهام والوساوس، ويبقى دائماً في تردد وشك لا يجزم بشيء، فيكون إيمانه ناقصاً نقصاً مضطرداً مستمراً نسأل الله السلامة والعافية.
ولذلك لابد أن نحرص جميعاً كلما تقدم بنا العمر على الازدياد من الطاعة والقرب من الله سبحانه وتعالى، فمن المؤسف أن يكون الإنسان كان في مثل هذه الليلة من العام الماضي على هذا المستوى ويأتي هذا الوقت من هذا العام وهو على نفس المستوى الذي كان عليه في العام الماضي، لم يزدد من الله قرباً، ولم يزدد عبادة لم يكن يفعلها، فهذا دليل على أنه مخذول، لأن الإنسان في هذه الحياة هو بمثابة الدارس، والدارس إذا كان نفس اليوم من هذا العام في نفس الكرسي الذي كان يجلس عليه وفي نفس القاعة التي كان فيها في العام الماضي دليل على أنه راسب، فلذلك يحتاج الإنسان دائماً إلى تطوير نفسه بزيادة الطاعات كلما تقدم به العمر، وهذه الزيادة لابد من مراقبتها وبرمجتها حتى تكون مناسبة لحياة الإنسان وما أنعم الله به عليه من النعم، فالإنسان الذي هو أكثر عقلاً أو أكثر ثقافة أو أكثر صحة قامت عليه حجة لله أكثر من غيره، فقد قال الله تعالى: {ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج}، فكلما نقصت النعمة ينقص في مقابلها التكليف، لأن التكليف على قدره يكون التشريف، ولذلك قال ابن الجوزي رحمه الله: "إن من الصفوة أقواماً منذ استيقظوا ما ناموا ومنذ قاموا ما وقفوا، فهم في صعود وترق كلما قطعوا شوطاً نظروا فرأوا قصور ما كانوا فيه فاستغفروا"، هؤلاء أقوام منذ استيقظوا أي انتبهوا لأنفسهم وأنهم كانوا في غفلة عن الله ولم يكن أمر الآخرة يدور في خلد أي إنسان منهم، وكانوا في غفلة عن الموت، وكانوا في غفلة عن التكاليف وعن الملائكة الذين يكتبون هذا يكتب الحسنات وهذا يكتب السيئات وكانوا في غفلة عن رقابة الله جل جلاله وهو يراقب خطرات النفوس، {ما يلفظ من قوله إلا لديه رقيب عتيد}، {ونحن أقرب إليه من حبل الوريد} فاستيقظوا، هذه اليقظة هي بداية انتعاش الإنسان الإيماني، يشعر بأنه فعلاً مكلف ويشعر بنعمة الله عليه، ويشعر بتكليفه له واختياره له، ومن هنا يبدأ عهداً جديداً في علاقته بالله سبحانه وتعالى، يبحث عن ما أوجب عليه وما حرم عليه، فيمتثل الأوامر ويجتنب النواهي ويترقى في درجات القرب من الله سبحانه وتعالى حتى يكون من أوليائه، فتكون جوارحه تابعة لما جاء من عند الله، لا يرى إلا ما أذن له في رؤيته، ولا يسمع إلا ما أذن له في سماعه، ولا يتصرف في أي شيء إلا حسب ما أذن له فيه، كما قال الله تعالى في ما روى عنه رسوله صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي الصحيح: " "، أي كان سمعه موافقاً لما شرعت، " "، أي كان بصره موافقاً لما شرعت، " "، هذا الترقي بعد هذه اليقظة أيضاً ليس ضامناً للإنسان لحسن الخاتمة، ولا ضامناً له لنجاته من النار، فكثير هم أولئك الذين التزموا في وقت من الأوقات ثم انتكسوا فكانوا شراً من حالهم، لأن الحجة قد قامت عليهم فزادت بمعرفتهم، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم للرجل الذي سأله: قال: " "، والله تعالى يقول: {فاستقم كما أمرت ومن تاب معك}، فمن تاب لابد أن يستقيم على توبته، لأنه يعلم أنه بالإمكان أن يزحزح، وذلك أننا الآن في هذه الحياة الدنيا نعيش على صراط هو الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من عند الله، وهو المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك.
لكن هذا الصراط الدنيوي هو تمثيل للصراط الأخروي، فالصراط الأخروي جسر منصوب على متن جهنم أرق من الشعر وأحد من السيف، وعليه كلاليب كشوك السعدان، يسقط بالكلوب الواحد في قعر جهنم سبعون ألفاً، يتفاوت الناس عليه بحسب أعمالهم، فمنهم من يمر كالبرق الخاطف، ومنهم من يمر كالريح المرسلة، ومنهم من يمر كأجاويد الخيل والإبل، ومنهم من يمر كالرجل يشتد عدوا، ومنهم من يزحف على مقعدته، فناج مسلم ومخدوش مرسل، ومكردس على وجهه في نار جهنم، الناجي المسلم الذي لم يجرح منه شيء، ولم يعلق به شيء لم يتأثر أي تأثر ونجا بالكلية، ومخدوش مرسل أي مجروح أخذ شدقه أو أخذ أنفه أو عينه أو أذنه أو يده أو رجله أو بقر بطنه بكلاليب الصراط ولكنه مع ذلك نجا، وإذا انغمس في النهر الذي سيجده أهل الجنة على بابها يعود إليه ما نقص من جسمه، كأحوال أهل العاهات والآفات في الحيات الدنيا والأمراض من أراد الله منهم أن يجعله من أهل الجنة إذا انغمس في ذلك النهر زال عنه ما فيه من العاهات والأمراض والآفات، وعاد جسمه إلى أكمل هيئات البشر.
والقسم الثالث نسأل الله السلامة والعافية مكردس على وجهه في نار جهنم، مكردس أي مرمي على وجهه في نار جهنم، لكن بقدر استقامة الإنسان على الصراط الدنيوي تكون استقامته على الصراط الأخروي فالذي لا يميل يميناً ولا شمالاً مع بنيات الطريق، لا يضل مع الضالين في أي منهج من مناهجهم، إذا جاءت أية معصية من المعاصي وجد نفسه مستطيعاً أن يملك نفسه عنها، إذا جاء أي وقت من أوقات الطاعات وجد نفسه منقادة إليها، هذا الآن ينجو على الصراط لا محالة لأنه نجا على الصراط الدنيوي، والذي لا ينجو من المهالك في هذا الصراط الدنيوي فإذا عرضت أية معصية وجد نفسه مسارعة إليها، وإذا عرضت أية طاعة لم يجد نفسه مسارعة إليها بل جاء الكسل والوهن والضعف هذا يخشى عليه أن يسقط عن الصراط يوم القيامة، فلذلك يحتاج من هدي إلى طريق الله إلى مراجعة نفسه دائماً، وأن يحذر الفتنة، لأن الشيطان له حبائل وشراك وهو عدو للإنسان وقد أقسم ليضلن أكثر البشر، قال: {فبعزتك لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين}، وقد أخبر الله أن يمينه تحققت على أكثر الناس: {ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إلا فريقاً من المؤمنين}.
وهو يحاول مع الإنسان أولاً الوقوع في الشك أو الشرك أن يشك في وجود الله أو أسمائه وصفاته أو قدرته أو تشريعه، أو صدق الرسول صلى الله عليه وسلم الذي جاء من عنده أو في القرآن الذي أرسله به يحاول تشكيكه في ذلك لينكر شيئاً منه فيكفر، فإن عجز عن كفره حاول معه الوقوع في فاحشة من الفواحش وكبائر الإثم، فإن عجز عن ذلك حاول معه ترك واجب من الواجبات، التقصير في الصلاة التقصير في الصوم التقصير في الطهارة في أي واجب من الواجبات، فإن عجز عن ذلك حاول معه الانشغال ببعض الواجبات عن بعض، وتعرفون أن كثيراً من الناس الآن يظنون أنهم يعتذرون بانشغالهم ببعض الواجبات عن بعض، فيظنون أن دراستهم حتى للعلم الشرعي يمكن أن تكون عذراً في سقوط الدعوة عنهم، وهما واجبان أو يظنون أن انشغالهم بشؤونهم الخاصة ونفقاتهم الواجبة يمكن أن يسقط ما يجب عليهم من نصرة الله ورسوله فيعتذرون ببعض الواجبات عن بعض، والواقع أن الصلاة لا تغني عن الزكاة وأن الزكاة لا تغني عن الصلاة، كلها واجبات ولابد من أدائها والحرص عليها جميعاً وليس شيء منها معارضاً لشيء، فإذا عجز الشيطان عن ذلك حاول مع الإنسان أن يشغله بالمندوبات عن الواجبات، فإذا عجز عن ذلك حاول أيضاً أن يعجب بنفسه و يظن أنه قد فات الشيطان وأنه نجا كأنه دخل الجنة، فيصاب بالغرور وأمن مكر الله، فإذا عجز عن ذلك حاول معه تحقير نفسه لديه حتى ييأس من روح الله ويقنط من رحمته، ويظن أنه قد أوجب وأنه لا يمكن أن يغفر الله له ليستمر على ضلالته، وهذا يدلنا على عداوة الشيطان الكبيرة، لأنه يأتي من كل هذه الأبواب، فلذلك يحتاج الإنسان إلى عدم الإعجاب بنفسه وعدم الإعجاب بعمله مهما قدم لا يساوي شيئاً من نعمة الله عليه، لو عشت عمر نوح وكان جميعاً في طاعة الله منذ التكليف أو من قبل التكليف وأنت مشتغل بالطاعة إلى الممات فإنك لا يمكن أن تقابل أي نعمة من نعم الله بهذا العمل كله، هل هذا يساوي نعمة خلقك نعمة هدايتك للإيمان نعمة توفيقك نعمة عقلك نعمة جوارحك، لا يساوي شيئاً من نعمة الله.
ثم بعد هذا مما يزيد الإيمان كذلك صحبة أهل الإيمان والصلاح، فإن صحبتهم ترشد الإنسان إلى فعل الخيرات وترك المنكرات، والإنسان ضعيف بنفسه يحتاج إلى المقارنة مع غيره، ولذلك تجدون الإنسان الذي هو في جماعة إذا أقبلوا على طاعة كان من المسارعين إليها والمنافسين فيها، فإذا انفرد وحده جاءه الكسل والنعاس والنوم ولم يستطع أن يفعل ما كان يفعله في جماعة، إلا بتدريب شاق على النفس وجهاد، ولذلك أمر الله بصحبة الأخيار، فقال: {واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه، ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا}، وقال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين}، ولذلك فهذه الحياة الدنيا التي نحن فيها هي مجرد سفر، ومحطات والناس فيها في محطة اترانزيت ينتظرون طائراتهم، فهذا طائرته بعد ساعة وهذا بعد ساعتين، وهذا بعد أربع ساعات وهذا بعد خمس وأطولهم مدة بعد أربع وعشرين ساعة، كل إنسان منهم منتبه لوقت النداء على طائرته يأتي البوابة التي سيخرج منها، وهذه الطائرات التي تقلع في كل لحظة هي طائرات الموت، والانتقال من هذه الدار إلى الدار الآخرة كل ساعة فيها إقلاع طائرة تذهب بوفد لا يعود إلا عند الحشر، وهذه المحطة التي يمر بها الإنسان لابد إذا كان غريباً أن يبحث عن الزاد والراحلة وعن الرفقاء، فالإنسان الذي يغشى المجاهل ويذهب إلى الأراضي الشاسعة يحتاج إلى رفيق على الأقل إن كان أضعف منه يؤنسه، الرفيق قد يكون أضعف منك لكن مع ذلك أنت محتاج إليه في تأنيسه وصحبته، فلذلك نحتاج في هذه المحطة التي هي محطة الحياة الدنيا إلى رفقاء صالحين يذكرون الإنسان إذا غفل ويعلمونه إذا جهل ويرشدونه وينصحونه فالإنسان يعتريه كثير من الأمور يعتريه الضعف أمام شهوته، والضعف أمام الضغوط والضعف أمام النوم والحاجة إليه، ضعيف أمام كثير من الأمور، فإذا وجد من يساعده على أوقات ضعفه يتغلب به على تلك النوازع كلها، كذلك من وسائل زيادة الإيمان إخلاص الإنسان في الطاعة لله سبحانه وتعالى، فالإنسان إذا أخلص في عبادة ولو كانت صغيرة وفقه الله لعبادة أكبر منها فيكون كالذي يرتقي في الدرج، كلما ارتقى درجة كلما ارتفع وعلت منزلته، فإذا أخلص في الوضوء وفق للخشوع في الصلاة، وإذا أخلص في الصلاة وفق للحج، وهكذا، إذا أخلص في الحج يوفق للمشاركة في الجهاد في سبيل الله ذروة سنام الإيمان، وهكذا فيكون دائما في زيادة وترق من الخير وزيادة في الأعمال الصالحة.
وهذا الإخلاص يقتضي من الإنسان أن لا يزن للمخلوقين أي اعتبار، وأن يعلم أنهم لا يملكون له نفعاً ولا ضراً ولا موتاً ولا حياة ولا نشوراً، وأن الله جل جلاله وحده هو الذي يستحق العبادة، ولا يمكن أن يصرف شيء من العبادة لمن سواه لأنه لا يستحق ذلك، فإذا استطاع الإنسان أن يخلص في عبادته لله فهو دائماً في زيادة وترق في الخيرات وفي ترك المنكرات وهذه زيادة الإيمان.
كذلك من وسائل زيادة الإيمان دراسة الإنسان لسير السابقين، فالقصص فيه فوائد عظيمة جداً في تثبيت الإيمان وتثبيت القلوب، ولذلك قال الله تعالى: {وكلاً نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك وجاءك في هذه الحق وموعظة وذكرى للمؤمنين}، فإذا قرأ الإنسان قصة نوح أو قصة إبراهيم أو قصة آدم أو سيرة محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه، أو سير الصالحين من هذه الأمة أو من الأمم السابقة، فإن ذلك من المرققات التي ترقق القلب وتزيد الإنسان إيماناً.
كذلك من وسائل زيادة الإيمان الاتصاف بخلق الرحمة، فالرحمة صفة اتصف الله جل وعز بها، فهو الرحمن الرحيم، وأمر بها عباده، فقد كتبها على نفسه، {كتب ربكم على نفسه الرحمة}، وقد أمرنا أن نتراحم في ما بيننا، ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " "، وقال: " "، فإذا كان الإنسان رحيماً فإن تلك الرحمة ستزيده إيماناً، فالذي يرحم الناس فيخاف عليهم من عذاب الله ويسعى لهدايتهم خوفاً عليهم من عذاب الله فأثر تلك الرحمة سيظهر عليه هو لابد أن يخاف أولاً على نفسه، وهذه الرحمة تشمل كل مبتلى بأي نوع من أنواع البلاء وشر البلية البلاء في الدين.
ولذلك أخرج مالك في الموطأ أنه بلغه أن عيسى بن مريم كان يقول: "لا تكثروا الكلام في غير ذكر الله فتقسو قلوبكم، فإن القلب القاسي بعيد من الله ولكن لا تعلمون، ولا تنظروا في ذنوب الناس كأنكم أرباب وانظروا في ذنوبكم كأنكم عبيد، وإنما الناس مبتلى ومعافى فارحموا أهل البلاء واحمدوا الله على العافية"، فارحموا أهل البلاء، إذا رأيت أي مبتلى فاسع لرحمته، واحمدوا الله على العافية إذ نجاكم مما ابتلاهم به.
وإذا كان الإنسان صاحب رحمة فإنه سيحرص على نفع الآخرين وهم عيال الله وأحبهم إليه أنفعهم لعياله، سيسعى لهدايتهم والحيلولة بينهم وبين النار، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: " ".
هذه وسائل لزيادة الإيمان، ومنها أيضاً تدبر القرآن، فقد قال الله تعالى: {كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب}، وقال تعالى: {أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها}، وهذا التدبر مرتبتان، المرتبة الأولى تدبر المعاني، أي أن يتفهم الإنسان معاني القرآن ويسعى للازدياد منه، لأنه كلام الله وهو موجه إليك فلك نصيب منه، ويمكن أن ترزق فيه رزقاً لم يرزقه أحد قبلك، فتفهم منه ما لم يفهمه أحد قبلك، والنوع الثاني من أنواع التدبر هو تدبر المحبة، فالإنسان المحبوب تحب كلامه، فكيف بالرب جل جلاله، {والذين آمنوا أشد حباً لله}، فإذا كنت تحبه فستحب كلامه ولو لم تفهمه، كل محبوب تحب كلامه وكل ما صدر منه، وأشد محبة هي محبتك لربك الذي خلقك وسواك، فلابد أن تحب كلامه حباً شديداً إذا هذه بعض وسائل زيادة الإيمان.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نقلاً عن موقع فضيلة الشيخ حفظه الله.
فإن هذا الإيمان هو الذي يميز أهل السعادة عن أهل الشقاء، وهو الذي يختار الله له من يميزهم ويهيئهم لمرضاته ولدخول جناته، والإنسان محتاج إلى تعاهده دائما لأنه يبلى ويجد في النفوس.
فهو الذي يحمل على الطاعات ويحمل على ترك المعاصي، ونحن محتاجون إليه حاجة شديدة لا تعدلها حاجة إلى أي شيء آخر، فلذلك لابد من تذاكر زيادته ونقصه وأسباب ذلك دائماً، فالإيمان: "نطق باللسان واعتقاد بالجنان وعمل بالأركان، يزيد بالطاعات وينقص بالعصيان"، فهو اعتقاد بالجنان أي بالقلب، ونطق باللسان بتصديق ذلك، وعمل بالأركان أي بالجوارح بالامتثال والاجتناب، يزيد بالطاعات فيزداد أهل الإيمان إيماناً، بما قدموا لأنفسهم من الطاعات، وينقص بالعصيان فينقص إيمان الإنسان بقدر ما اقترف من السيئات، ولذلك يحتاج الإنسان إلى مراجعته دائماً، لأنه ليس على درجة واحدة ثابتة، بل هو يتغير بحسب طاعة الإنسان وعصيانه، وزيادة الإيمان من أهم أسبابها زيادة المعرفة بالله جل جلاله، فالإنسان كلما ازداد معرفة بالله بمعرفة أسمائه الحسنى وصفاته العلى، وبمعرفة آياته في هذا الكون، وبمعرفة آياته المسطورة كذلك في كتابه، وبتعرفه إليه في الرخاء، كل ما ازداد إيماناً ويقيناً بذلك، وكلما ازداد محبة لله جل جلاله ولرسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولطاعته، وكلما نقصت معرفة الإنسان بالله فلم يعرف صفاته ولم يعرف أسماءه ولم يعرف آياته ولم يتعرف على عجائب خلقه في الكون كل ما كان إيمانه ناقصاً وكلما كان ابتعاده عنه عظيماً، وهذا السبب قابل للزيادة دائماً، فالإنسان شرفه الله بالعلم، ولذلك عقد مسابقة بين الملائكة وآدم عليه السلام وحكم في نهايتها لصالح آدم، فقال: {وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين * قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم * قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم فلما أنبأهم بأسمائهم قال ألم أقل لكم إني أعلم غيب السماوات والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون}.
وهذا الشرف لابد أن يحافظ عليه الإنسان، فلابد أن يجعل من أولوياته التعلم دائماً، والإنسان المعرض عن التعلم لا يمكن أن يزداد إيماناً أبداً، لأن هذا الإيمان تابع لمعرفة الإنسان، ومعرفته لا تتم إلا بحرصه على التعلم، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " "، والإنسان الذي لا يزداد علماً مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من عند الله هو بمثابة البهيمة، كما قال الله تعالى: {والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام والنار مثوى لهم}، ولهذا يحتاج المؤمن إلى الازدياد كل يوم من علم ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ليزداد إيماناً، فقد قال الله تعالى: {وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول أيكم زادته هذه إيماناً، فأما الذين آمنوا فزادتهم إيماناً وهم يستبشرون}.
كذلك من أسباب زيادة الإيمان زيادة الطاعة لله سبحانه وتعالى، فالإنسان الذي يحافظ على فرائض الله، ويجتنب المحرمات ويحافظ ما استطاع على المندوبات وعلى ترك المكروهات يترقى في درجات الإيمان، فيثبت قلبه وتنزل فيه السكينة ولا يشك ولا يعرض عليه الأوهام التي تعرض على الناس، والإنسان الذي لا يحافظ على الطاعات، فلا يحافظ على الصلاة في أوقاتها ولا يحافظ على أداء الزكاة ولا على أداء الصوم ولا على أداء الحج إن استطاع إليه سبيلاً، ولا يحافظ كذلك على السنن والمندوبات تكثر فيروسات الإيمان في قلبه، وبذلك تعرض عليه العوارض والأوهام والوساوس، ويبقى دائماً في تردد وشك لا يجزم بشيء، فيكون إيمانه ناقصاً نقصاً مضطرداً مستمراً نسأل الله السلامة والعافية.
ولذلك لابد أن نحرص جميعاً كلما تقدم بنا العمر على الازدياد من الطاعة والقرب من الله سبحانه وتعالى، فمن المؤسف أن يكون الإنسان كان في مثل هذه الليلة من العام الماضي على هذا المستوى ويأتي هذا الوقت من هذا العام وهو على نفس المستوى الذي كان عليه في العام الماضي، لم يزدد من الله قرباً، ولم يزدد عبادة لم يكن يفعلها، فهذا دليل على أنه مخذول، لأن الإنسان في هذه الحياة هو بمثابة الدارس، والدارس إذا كان نفس اليوم من هذا العام في نفس الكرسي الذي كان يجلس عليه وفي نفس القاعة التي كان فيها في العام الماضي دليل على أنه راسب، فلذلك يحتاج الإنسان دائماً إلى تطوير نفسه بزيادة الطاعات كلما تقدم به العمر، وهذه الزيادة لابد من مراقبتها وبرمجتها حتى تكون مناسبة لحياة الإنسان وما أنعم الله به عليه من النعم، فالإنسان الذي هو أكثر عقلاً أو أكثر ثقافة أو أكثر صحة قامت عليه حجة لله أكثر من غيره، فقد قال الله تعالى: {ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج}، فكلما نقصت النعمة ينقص في مقابلها التكليف، لأن التكليف على قدره يكون التشريف، ولذلك قال ابن الجوزي رحمه الله: "إن من الصفوة أقواماً منذ استيقظوا ما ناموا ومنذ قاموا ما وقفوا، فهم في صعود وترق كلما قطعوا شوطاً نظروا فرأوا قصور ما كانوا فيه فاستغفروا"، هؤلاء أقوام منذ استيقظوا أي انتبهوا لأنفسهم وأنهم كانوا في غفلة عن الله ولم يكن أمر الآخرة يدور في خلد أي إنسان منهم، وكانوا في غفلة عن الموت، وكانوا في غفلة عن التكاليف وعن الملائكة الذين يكتبون هذا يكتب الحسنات وهذا يكتب السيئات وكانوا في غفلة عن رقابة الله جل جلاله وهو يراقب خطرات النفوس، {ما يلفظ من قوله إلا لديه رقيب عتيد}، {ونحن أقرب إليه من حبل الوريد} فاستيقظوا، هذه اليقظة هي بداية انتعاش الإنسان الإيماني، يشعر بأنه فعلاً مكلف ويشعر بنعمة الله عليه، ويشعر بتكليفه له واختياره له، ومن هنا يبدأ عهداً جديداً في علاقته بالله سبحانه وتعالى، يبحث عن ما أوجب عليه وما حرم عليه، فيمتثل الأوامر ويجتنب النواهي ويترقى في درجات القرب من الله سبحانه وتعالى حتى يكون من أوليائه، فتكون جوارحه تابعة لما جاء من عند الله، لا يرى إلا ما أذن له في رؤيته، ولا يسمع إلا ما أذن له في سماعه، ولا يتصرف في أي شيء إلا حسب ما أذن له فيه، كما قال الله تعالى في ما روى عنه رسوله صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي الصحيح: " "، أي كان سمعه موافقاً لما شرعت، " "، أي كان بصره موافقاً لما شرعت، " "، هذا الترقي بعد هذه اليقظة أيضاً ليس ضامناً للإنسان لحسن الخاتمة، ولا ضامناً له لنجاته من النار، فكثير هم أولئك الذين التزموا في وقت من الأوقات ثم انتكسوا فكانوا شراً من حالهم، لأن الحجة قد قامت عليهم فزادت بمعرفتهم، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم للرجل الذي سأله: قال: " "، والله تعالى يقول: {فاستقم كما أمرت ومن تاب معك}، فمن تاب لابد أن يستقيم على توبته، لأنه يعلم أنه بالإمكان أن يزحزح، وذلك أننا الآن في هذه الحياة الدنيا نعيش على صراط هو الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من عند الله، وهو المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك.
لكن هذا الصراط الدنيوي هو تمثيل للصراط الأخروي، فالصراط الأخروي جسر منصوب على متن جهنم أرق من الشعر وأحد من السيف، وعليه كلاليب كشوك السعدان، يسقط بالكلوب الواحد في قعر جهنم سبعون ألفاً، يتفاوت الناس عليه بحسب أعمالهم، فمنهم من يمر كالبرق الخاطف، ومنهم من يمر كالريح المرسلة، ومنهم من يمر كأجاويد الخيل والإبل، ومنهم من يمر كالرجل يشتد عدوا، ومنهم من يزحف على مقعدته، فناج مسلم ومخدوش مرسل، ومكردس على وجهه في نار جهنم، الناجي المسلم الذي لم يجرح منه شيء، ولم يعلق به شيء لم يتأثر أي تأثر ونجا بالكلية، ومخدوش مرسل أي مجروح أخذ شدقه أو أخذ أنفه أو عينه أو أذنه أو يده أو رجله أو بقر بطنه بكلاليب الصراط ولكنه مع ذلك نجا، وإذا انغمس في النهر الذي سيجده أهل الجنة على بابها يعود إليه ما نقص من جسمه، كأحوال أهل العاهات والآفات في الحيات الدنيا والأمراض من أراد الله منهم أن يجعله من أهل الجنة إذا انغمس في ذلك النهر زال عنه ما فيه من العاهات والأمراض والآفات، وعاد جسمه إلى أكمل هيئات البشر.
والقسم الثالث نسأل الله السلامة والعافية مكردس على وجهه في نار جهنم، مكردس أي مرمي على وجهه في نار جهنم، لكن بقدر استقامة الإنسان على الصراط الدنيوي تكون استقامته على الصراط الأخروي فالذي لا يميل يميناً ولا شمالاً مع بنيات الطريق، لا يضل مع الضالين في أي منهج من مناهجهم، إذا جاءت أية معصية من المعاصي وجد نفسه مستطيعاً أن يملك نفسه عنها، إذا جاء أي وقت من أوقات الطاعات وجد نفسه منقادة إليها، هذا الآن ينجو على الصراط لا محالة لأنه نجا على الصراط الدنيوي، والذي لا ينجو من المهالك في هذا الصراط الدنيوي فإذا عرضت أية معصية وجد نفسه مسارعة إليها، وإذا عرضت أية طاعة لم يجد نفسه مسارعة إليها بل جاء الكسل والوهن والضعف هذا يخشى عليه أن يسقط عن الصراط يوم القيامة، فلذلك يحتاج من هدي إلى طريق الله إلى مراجعة نفسه دائماً، وأن يحذر الفتنة، لأن الشيطان له حبائل وشراك وهو عدو للإنسان وقد أقسم ليضلن أكثر البشر، قال: {فبعزتك لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين}، وقد أخبر الله أن يمينه تحققت على أكثر الناس: {ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إلا فريقاً من المؤمنين}.
وهو يحاول مع الإنسان أولاً الوقوع في الشك أو الشرك أن يشك في وجود الله أو أسمائه وصفاته أو قدرته أو تشريعه، أو صدق الرسول صلى الله عليه وسلم الذي جاء من عنده أو في القرآن الذي أرسله به يحاول تشكيكه في ذلك لينكر شيئاً منه فيكفر، فإن عجز عن كفره حاول معه الوقوع في فاحشة من الفواحش وكبائر الإثم، فإن عجز عن ذلك حاول معه ترك واجب من الواجبات، التقصير في الصلاة التقصير في الصوم التقصير في الطهارة في أي واجب من الواجبات، فإن عجز عن ذلك حاول معه الانشغال ببعض الواجبات عن بعض، وتعرفون أن كثيراً من الناس الآن يظنون أنهم يعتذرون بانشغالهم ببعض الواجبات عن بعض، فيظنون أن دراستهم حتى للعلم الشرعي يمكن أن تكون عذراً في سقوط الدعوة عنهم، وهما واجبان أو يظنون أن انشغالهم بشؤونهم الخاصة ونفقاتهم الواجبة يمكن أن يسقط ما يجب عليهم من نصرة الله ورسوله فيعتذرون ببعض الواجبات عن بعض، والواقع أن الصلاة لا تغني عن الزكاة وأن الزكاة لا تغني عن الصلاة، كلها واجبات ولابد من أدائها والحرص عليها جميعاً وليس شيء منها معارضاً لشيء، فإذا عجز الشيطان عن ذلك حاول مع الإنسان أن يشغله بالمندوبات عن الواجبات، فإذا عجز عن ذلك حاول أيضاً أن يعجب بنفسه و يظن أنه قد فات الشيطان وأنه نجا كأنه دخل الجنة، فيصاب بالغرور وأمن مكر الله، فإذا عجز عن ذلك حاول معه تحقير نفسه لديه حتى ييأس من روح الله ويقنط من رحمته، ويظن أنه قد أوجب وأنه لا يمكن أن يغفر الله له ليستمر على ضلالته، وهذا يدلنا على عداوة الشيطان الكبيرة، لأنه يأتي من كل هذه الأبواب، فلذلك يحتاج الإنسان إلى عدم الإعجاب بنفسه وعدم الإعجاب بعمله مهما قدم لا يساوي شيئاً من نعمة الله عليه، لو عشت عمر نوح وكان جميعاً في طاعة الله منذ التكليف أو من قبل التكليف وأنت مشتغل بالطاعة إلى الممات فإنك لا يمكن أن تقابل أي نعمة من نعم الله بهذا العمل كله، هل هذا يساوي نعمة خلقك نعمة هدايتك للإيمان نعمة توفيقك نعمة عقلك نعمة جوارحك، لا يساوي شيئاً من نعمة الله.
ثم بعد هذا مما يزيد الإيمان كذلك صحبة أهل الإيمان والصلاح، فإن صحبتهم ترشد الإنسان إلى فعل الخيرات وترك المنكرات، والإنسان ضعيف بنفسه يحتاج إلى المقارنة مع غيره، ولذلك تجدون الإنسان الذي هو في جماعة إذا أقبلوا على طاعة كان من المسارعين إليها والمنافسين فيها، فإذا انفرد وحده جاءه الكسل والنعاس والنوم ولم يستطع أن يفعل ما كان يفعله في جماعة، إلا بتدريب شاق على النفس وجهاد، ولذلك أمر الله بصحبة الأخيار، فقال: {واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه، ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا}، وقال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين}، ولذلك فهذه الحياة الدنيا التي نحن فيها هي مجرد سفر، ومحطات والناس فيها في محطة اترانزيت ينتظرون طائراتهم، فهذا طائرته بعد ساعة وهذا بعد ساعتين، وهذا بعد أربع ساعات وهذا بعد خمس وأطولهم مدة بعد أربع وعشرين ساعة، كل إنسان منهم منتبه لوقت النداء على طائرته يأتي البوابة التي سيخرج منها، وهذه الطائرات التي تقلع في كل لحظة هي طائرات الموت، والانتقال من هذه الدار إلى الدار الآخرة كل ساعة فيها إقلاع طائرة تذهب بوفد لا يعود إلا عند الحشر، وهذه المحطة التي يمر بها الإنسان لابد إذا كان غريباً أن يبحث عن الزاد والراحلة وعن الرفقاء، فالإنسان الذي يغشى المجاهل ويذهب إلى الأراضي الشاسعة يحتاج إلى رفيق على الأقل إن كان أضعف منه يؤنسه، الرفيق قد يكون أضعف منك لكن مع ذلك أنت محتاج إليه في تأنيسه وصحبته، فلذلك نحتاج في هذه المحطة التي هي محطة الحياة الدنيا إلى رفقاء صالحين يذكرون الإنسان إذا غفل ويعلمونه إذا جهل ويرشدونه وينصحونه فالإنسان يعتريه كثير من الأمور يعتريه الضعف أمام شهوته، والضعف أمام الضغوط والضعف أمام النوم والحاجة إليه، ضعيف أمام كثير من الأمور، فإذا وجد من يساعده على أوقات ضعفه يتغلب به على تلك النوازع كلها، كذلك من وسائل زيادة الإيمان إخلاص الإنسان في الطاعة لله سبحانه وتعالى، فالإنسان إذا أخلص في عبادة ولو كانت صغيرة وفقه الله لعبادة أكبر منها فيكون كالذي يرتقي في الدرج، كلما ارتقى درجة كلما ارتفع وعلت منزلته، فإذا أخلص في الوضوء وفق للخشوع في الصلاة، وإذا أخلص في الصلاة وفق للحج، وهكذا، إذا أخلص في الحج يوفق للمشاركة في الجهاد في سبيل الله ذروة سنام الإيمان، وهكذا فيكون دائما في زيادة وترق من الخير وزيادة في الأعمال الصالحة.
وهذا الإخلاص يقتضي من الإنسان أن لا يزن للمخلوقين أي اعتبار، وأن يعلم أنهم لا يملكون له نفعاً ولا ضراً ولا موتاً ولا حياة ولا نشوراً، وأن الله جل جلاله وحده هو الذي يستحق العبادة، ولا يمكن أن يصرف شيء من العبادة لمن سواه لأنه لا يستحق ذلك، فإذا استطاع الإنسان أن يخلص في عبادته لله فهو دائماً في زيادة وترق في الخيرات وفي ترك المنكرات وهذه زيادة الإيمان.
كذلك من وسائل زيادة الإيمان دراسة الإنسان لسير السابقين، فالقصص فيه فوائد عظيمة جداً في تثبيت الإيمان وتثبيت القلوب، ولذلك قال الله تعالى: {وكلاً نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك وجاءك في هذه الحق وموعظة وذكرى للمؤمنين}، فإذا قرأ الإنسان قصة نوح أو قصة إبراهيم أو قصة آدم أو سيرة محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه، أو سير الصالحين من هذه الأمة أو من الأمم السابقة، فإن ذلك من المرققات التي ترقق القلب وتزيد الإنسان إيماناً.
كذلك من وسائل زيادة الإيمان الاتصاف بخلق الرحمة، فالرحمة صفة اتصف الله جل وعز بها، فهو الرحمن الرحيم، وأمر بها عباده، فقد كتبها على نفسه، {كتب ربكم على نفسه الرحمة}، وقد أمرنا أن نتراحم في ما بيننا، ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " "، وقال: " "، فإذا كان الإنسان رحيماً فإن تلك الرحمة ستزيده إيماناً، فالذي يرحم الناس فيخاف عليهم من عذاب الله ويسعى لهدايتهم خوفاً عليهم من عذاب الله فأثر تلك الرحمة سيظهر عليه هو لابد أن يخاف أولاً على نفسه، وهذه الرحمة تشمل كل مبتلى بأي نوع من أنواع البلاء وشر البلية البلاء في الدين.
ولذلك أخرج مالك في الموطأ أنه بلغه أن عيسى بن مريم كان يقول: "لا تكثروا الكلام في غير ذكر الله فتقسو قلوبكم، فإن القلب القاسي بعيد من الله ولكن لا تعلمون، ولا تنظروا في ذنوب الناس كأنكم أرباب وانظروا في ذنوبكم كأنكم عبيد، وإنما الناس مبتلى ومعافى فارحموا أهل البلاء واحمدوا الله على العافية"، فارحموا أهل البلاء، إذا رأيت أي مبتلى فاسع لرحمته، واحمدوا الله على العافية إذ نجاكم مما ابتلاهم به.
وإذا كان الإنسان صاحب رحمة فإنه سيحرص على نفع الآخرين وهم عيال الله وأحبهم إليه أنفعهم لعياله، سيسعى لهدايتهم والحيلولة بينهم وبين النار، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: " ".
هذه وسائل لزيادة الإيمان، ومنها أيضاً تدبر القرآن، فقد قال الله تعالى: {كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب}، وقال تعالى: {أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها}، وهذا التدبر مرتبتان، المرتبة الأولى تدبر المعاني، أي أن يتفهم الإنسان معاني القرآن ويسعى للازدياد منه، لأنه كلام الله وهو موجه إليك فلك نصيب منه، ويمكن أن ترزق فيه رزقاً لم يرزقه أحد قبلك، فتفهم منه ما لم يفهمه أحد قبلك، والنوع الثاني من أنواع التدبر هو تدبر المحبة، فالإنسان المحبوب تحب كلامه، فكيف بالرب جل جلاله، {والذين آمنوا أشد حباً لله}، فإذا كنت تحبه فستحب كلامه ولو لم تفهمه، كل محبوب تحب كلامه وكل ما صدر منه، وأشد محبة هي محبتك لربك الذي خلقك وسواك، فلابد أن تحب كلامه حباً شديداً إذا هذه بعض وسائل زيادة الإيمان.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نقلاً عن موقع فضيلة الشيخ حفظه الله.