صلاة بسواك خير من سبعين صلاة بغير سواك

منذ 2009-04-28
السؤال:

سائل يسأل عن حديث: "صلاة بسواك أفضل من سبعين صلاة بغير سواك"، من رواه، وهل هو صحيح الإسناد؟ وعن كلام العلماء على توجيه تضعيف الصلاة إلى هذا العدد. نرجوكم إيضاح الجواب، وفقكم الله للصواب.

الإجابة:

الحمد لله وحده. هذا الحديث ذكره العجلوني في (كشف الخفاء) (2/26)، فقال: "صلاة بسواك خير من سبعين صلاة بغير سواك" (رواه البيهقي) (1)، عن عائشة مرفوعا، وقال: إنه غير قوي الإسناد، وساقه أيضا من طريق الواقدي، عن عائشة أيضا، بلفظ: "الركعتان بعد السواك أحب إلي من سبعين ركعة قبل السواك"، وضعفه بالواقدي (2)، وعزاه في (الدرر) للحارث في (مسنده)، ولأبي يعلى، والحاكم عن عائشة (3)، وللديلمي(4) عن أبي هريرة، كلهم بلفظ: "صلاة بسواك أفضل من سبعين صلاة بلا سواك".أ.هـ. ورواه الحارث بن أبي أسامة في (مسنده) (5) من رواية ابن لهيعة عن أبي الأسود بلفظ: "صلاة على إثر سواك أفضل من سبعين صلاة بغير سواك" (وأخرجه ابن خزيمة وغيره، كأحمد والبزار والبيهقي) (6) من طريق ابن إسحاق، قال: وذكره الزهري عن عروة بلفظ: "فضل الصلاة التي يستاك لها على الصلاة التي لا يستاك لها سبعون ضعفا"، وتوقف ابن خزيمة والبيهقي في صحته؛ خوفا من أن يكون من تدليسات ابن إسحاق وأنه لم يسمعه من الزهري (7)، لاسيما وقد قال الإمام أحمد: إنه إذا قال: (وذَكَر) فَلمْ يَسْمعْه، وانتقد بذلك تصحيح الحاكم له وقوله: إنه على شرط مسلم. ورواه أبو نعيم من حديث الحميدي عن الزهري، ورجاله ثقات. ورواه ابن عدي في (كامله) (8) عن أبي هريرة بلفظ: "ركعتين في إثر سواك أفضل من خمس وسبعين ركعة بغير سواك"، وعند أبي نعيم بسند جيد عن ابن عباس بلفظ: "لأن أصلي ركعتين بسواك أحب إلي من أن أصلي سبعين ركعة بغير سواك"، قال في (المقاصد) (9): وفي الباب عن أنس، وجابر، وابن عمر، وأم الدرداء، وجبير بن نفير مرسلا، كما بينته في بعض التصانيف، وبعضها يعتضد ببعض؛ ولذا أورده الضياء في (المختارة) من جهة بعض هؤلاء، وقول ابن عبد البر في (التمهيد) عن ابن معين: إنه حديث باطل، هو بالنسبة لما وقع له من طرقه.أ.هـ. وقال ابن الغرس: الذي فهمته من كلامهم أنه ضعيف، أو حسن لغيره. انتهى من (الكشف) (كشف الخفاء) (10).

وقال ابن القيم رحمه الله في كتاب (المنار المنيف في الصحيح والضعيف): سئلت عن حديث: "صلاة بسواك أفضل من سبعين صلاة بغير سواك"، وكيف يكون هذا التضعيف؟ فأجاب بأن هذا الحديث قد روي عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم. وهو حديث لم يرد في (الصحيحين)، ولا في الكتب الستة، ولكن رواه الإمام أحمد، وابن خزيمة والحاكم في (صحيحيهما)، والبزار في (مسنده)، وقال البيهقي: إسناده غير قوي؛ وذلك أن مداره على محمد بن إسحاق عن الزهري، ولم يصرح ابن إسحاق بسماعه منه، بل قال: ذكر الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تفضل الصلاة التي يُستاك لها على الصلاة التي لا يستاك لها سبعين ضعفا"، هكذا رواه الإمام أحمد، وابن خزيمة في (صحيحه) إلا أنه قال: إن صح الخبر.
فهذا حال هذا الحديث. وإن ثبت فله وجه حسن؛ وهو أن الصلاة بالسواك سنة، والسواك مرضاة للرب، وقد أكد النبي صلى الله عليه وسلم شأنه، وقال: "لولا أن أَشُقَّ على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة" (11)، وأخبر أنه: "مرضاة للرب مطهرة للفم" (12)، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أكثرت عليكم في السواك" (رواه البخاري) (13)، وفي (مسند أحمد) عن التميمي قال: سألت ابن عباس عن السواك، فقال: ما زال النبي صلى الله عليه وسلم يأمرنا به حتى خشينا أن ينزل عليه فيه (14)، وفي لفظ: "أمرت بالسواك حتى خشيت أن ينزل عَلَيَّ به وَحْيٌ" (15)، وقال تمام ابن العباس قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "ما لي أراكم تأتوني قلحا؟! استاكوا، لولا أن أشق على أمتي لفرضت عليهم السواك كما فرضت عليهم الوضوء" (16)، وقال: "عشر من الفطرة: قص الشارب، وإعفاء اللحية، والسواك..." (17) الحديث.
فجعل السواك من الفطرة. وقال عبد الله بن حنظلة ابن أبي عامر: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أُمر بالوضوء لكل صلاة، طاهرا أو غير طاهر، فلما شق ذلك عليه أُمِرَ بالسواك لكل صلاة (18).
وعن علي قال: أمرنا بالسواك، وقال: إن العبد إذا قام يصلي، أتاه المَلَكُ، فقام خلفه يستمع القرآن ويدنو، فلا يزال يستمع ويدنو حتى يضع فاه على فيه، فلا يقرأ آية إلا كانت في جوف المَلَك (19).
وكان النبي صلى الله عليه وسلم من رغبته في السواك يستاك إذا قام من نوم الليل (20)، وإذا دخل بيته (21)، وإذا صلى، واستاك عند موته وهو في السياق(22). وقال سفيان: عن محمد بن إسحاق، عن أبي جعفر، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: كان السواك من أذن النبي صلى الله عليه وسلم موضعَ القلم من أذن الكاتب (23) وفي (سنن النسائي) عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي ركعتين ركعتين، ثم ينصرف، فيستاك (24)، وهذا في صلاة الليل، ولما بات ابن عباس عند خالته ميمونة، قال: فقام صلى الله عليه وسلم، فتوضأ، وصلى ركعتين، ثم ركعتين... وكان يستاك لكل ركعتين.

وفي (جامع الترمذي) عن أبي سلمة قال: كان زيد بن خالد الجهني يشهد الصلوات في المسجد، وسواكه على أذنه موضع القلم من أذن الكاتب، لا يقوم إلى الصلاة إلا استَن (25). وهو حديث حسن صحيح. وفي (الموطأ) (26) عن ابن شهاب الزهري عن ابن السباق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "عليكم بالسواك"، وقد روى أبو نعيم من حديث عبد الله بن عمرو ابن حلحلة ورافع بن خديج قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "السواك واجب، وغسل الجمعة واجب على كل مسلم"، ويشهد لهذا الحديث ما رواه مسلم في (صحيحه) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "غسل يوم الجمعة على كل محتلم، وسواك، ويمس من الطيب ما قَدَر عليه" (27).

وإذا كان هذا شأن السواك وفضله، وحصول رضا الرب به، وإكثار النبي صلى الله عليه وسلم على الأمة فيه، ومبالغته فيه حتى عند وفاته، وقبض نفسه الكريمة صلى الله عليه وسلم لم يمتنع أن تكون الصلاة التي يُسْتَاكُ لها أحبَّ إلى الله من سبعين صلاة، وإذا كان ثواب السبعين أكثر فلا يلزم من كثرة الثواب أن يكون العمل الأكثر ثوابا أحب إلى الله تعالى من العمل الذي هو أقل منه، بل قد يكون العمل الأقل أحب إلى الله تعالى، وإن كان الكثير أكثر ثوابا. وهذا كما في (المسند) عنه صلى الله عليه وسلم قال: "دم عفراء أحب إلي من دم سوداوين" (28) يعني في الأضحية.

كما أن ذبح الشاة الواحدة يوم النحر أحب إلى الله من الصدقة بأضعاف أضعاف ثمنها، وإن كثر ثواب الصدقة. وكذلك قراءة سورة بتدبر، ومعرفة، وتفهم، وجمع القلب عليها أحب إلى الله تعالى من قراءة ختمة، سردًا وهَذًّا، وإن كثر ثواب هذه القراءة. وكذلك صلاة ركعتين يُقبِل العبدُ فيهما على الله تعالى بقلبه وجوارحه، ويفرغ قلبه كله لله فيهما أحب إلى الله تعالى من مائتي ركعة خالية من ذلك، وإن كثر ثوابهما عدداً، ومن هذا: "سبق درهم مائة ألف درهم" (29).

فالعمل اليسير الموافق لمرضاة الربّ وسُنّة رسوله صلى الله عليه وسلم أحب إلى الله تعالى من العمل الكثير إذا خلا عن ذلك، أو عن بعضه؛ ولهذا قال الله تعالى: {إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} (30).

فهو سبحانه وتعالى إنما زين الأرض بما عليها ليَبْلُوَ عبادَه: أيهم أحسَنُ عملاً، لا أَكثرُ عملا، والعمل الأحسن: هو الأخلص والأصوب، وهو الموافق لمرضاته ومحبته، دون الأكثر الخالي من ذلك.

إذا عرفت ذلك فلا يمتنع أن تكون الصلاة التي فَعَلَها فاعلُها على وجه الكمال، حتى أتى بسواكها الذي هو مطهرة لمجاري القرآن وذكرِ الله، ومرضاةٌ للرب، واتباع للسنة؛ والحرص على حفظ هذه الحرمة الواحدة التي أكثر النفوس تهملها، ولا تلتفت إليها، حتى كأنها غير مشروعة، ولا محبوبة، لكن هذا المصلي اعتادها، فحافظ عليها، وأتى بها؛ توددا وتحببا إلى الله تعالى، واتباعا لسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فلا يبعد أن تكون صلاة هذا أحب إلى الله من سبعين صلاة تجردت عن ذلك.
والله أعلم (31).أ.هـ. من المنار المنيف مختصراً.

___________________________________________

1 - (السنن الكبرى) (1/38).
2 - (السنن الكبرى) (1/ 38) وقال: الواقدي لا يحتج به.
3 - (المستدرك) (1/ 146)، وأبو يعلى (4738)، والبزار (1/ 244 «كشف»).
4 - لم أجد هذا اللفظ في: (الفردوس) عن أبي هريرة، ولكن الذي فيه: (ح3550) عن جبير بن نفير مرفوعا: "صلاة بعد سواك أفضل من خمس وسبعين صلاة بغير سواك".
5 - رواه الحارث بن أبي أسامة كما في (بغية الباحث) (1/ 218- باب السواك ح 155)، والحديث من رواية عبد الله بن أبي يحيى سحبل، عن أبي الأسود، عن عروة عن عائشة مرفوعًا بلفظ: "ركعتان بعد السواك أحب إلى الله من سبعين ركعة قبل السواك"، والحديث فيه الواقدي، وهو متروك، قال البخاري في (تاريخه الكبير) (1/ ترجمة 543): سكتوا عنه. وقال في (الصغير) (2/ 11): تركوه، وفي (الضعفاء الصغير) (ترجمة 334): متروك الحديث.أ.هـ. وتركه أحمد، وابن نمير، وابن المبارك، وإسماعيل بن زكريا، راجع (تهذيب الكمال) (26/ 186)، و(إتحاف الخيرة) (1/ 192) ولفظه: "ركعتان بعد سواك أحب إلى الله من سبعين ركعة قبل السواك".
6 - وأخرجه ابن خزيمة (137)، وقال: أنا استثنيت صحة هذا الخبر؛ لأني خائف أن يكون محمد بن إسحاق لم يسمع من الزهري وإنما دلسه عنه.أ.هـ. وأحمد (6/ 146)، والبزار (كشف) (1/ح50)، والبيهقي (1/ 38).
7 - أخرجه أحمد (6/ 272)، وقال البيهقي (1/ 38): وهذا الحديث أحد ما يخاف أن يكون من تدليسات محمد بن إسحاق بن يسار وأنه لم يسمعه من الزهري.أ.هـ.
8 - ابن عدي في (الكامل) عن أبي هريرة مرفوعا (6/ 2317).
9 - ص (271).
10 - ص(26).
11 - البخاري (887) و(7240)، ومسلم (252)، والبيهقي: (1/35).
12 - أحمد (1/3، 10 و6/47، 62، 124، 146، 238) وغير موضع، والنسائي (1/ 50)، والبيهقي (1/ 34)، وأخرجه البخاري تعليقا بصيغة الجزم (4/158).
13 - البخاري (888)، وأحمد (3/143، 249)، والبيهقي (1/ 35) من حديث أنس.
14 - أحمد (1/ 237، 285) بنحوه، وابن أبي شيبة (1/ 171)، والبيهقي (1/ 35).
15 - (المسند) (1/ 237، 285، 307، 315، 337، 340 و3/490).
16 - أحمد (1/ 214)، والطبراني (2/ 64)، والبيهقي (1/ 36).
17 - مسلم (261)، وأبو داود (53)، والترمذي (2757) وحسنه، وابن ماجه (293)، وأحمد (6/ 137)، والنسائي (كبرى) (5/ 405)، (مجتبى) (8/ 125).
18 - أبو داود (48)، وأحمد (5/ 225)، والدارمي (658)، وابن خزيمة (138)، والحازمي في (الاعتبار) ص (88، 89).
19 - البيهقي (1/ 38)، والضياء في (المختارة) (580) موقوفا، ورواه الضياء في (المختارة) (581)، والبزار في (مسنده) (603) مرفوعًا. وقال البزار: وهذا الحديث لا نعلمه يروى عن علي رضي الله عنه بإسناد أحسن من هذا الإسناد. وقد رواه غير واحد عن الحسن بن عبيد الله، عن سعد بن عبيدة عن أبي عبد الرحمن السلمي عن علي رضي الله عنه موقوفا.أ.هـ.
20 - البخاري (245)، ومسلم (255).
21 - نحوه في مسلم (253) من حديث عائشة، وأحمد (6/ 41، 109، 110، 182، 237، 188، 192، 254)، والنسائي (مجتبى) (1/ 13)، وأبو داود (51)، وابن ماجه (290).
22 - البخاري (890، 1389، 3100).
23 - البيهقي (1/37)، وقال: قال أبو القاسم: رواه عن ابن إسحاق سفيان، ولم يروه عن سفيان إلا يحيى. قال الشيخ: ويحيى بن يمان ليس بالقوي عندهم، ويشبه أن يكون غلط.أ.هـ. وله شاهد من حديث زيد ابن خالد، سيأتي تفصيله.
24 - النسائي (الكبرى) (1/ 424)، وابن ماجه (288)، ولفظ النسائي بغير تكرار (ركعتين).
25 - الترمذي (23)، وقال: حسن صحيح، والبيهقي (1/ 37)، وقال الترمذي في (العلل الكبير) (10): فسألت محمدًا عن هذا الحديث: أيهما أصح؟ -يقصد حديث زيد، وحديث أبي هريرة- فقال: حديث زيد بن خالد أصح.
26 - (الموطأ) (65)، وابن أبي شيبة (2/ 96) وغيرهم، وهو مرسل.
27 - مسلم (846)، ورواه البخاري (880) بلفظ: "الغسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم، وأن يستن..." يعني يستاك.
28 - أحمد (2/417)، والحاكم (4/ 227)، والبيهقي (9/273) من حديث أبي هريرة، مرفوعا وموقوفا. قال البخاري (التاريخ) (4/ 198) يرفع بعضهم، ولا يصح.أ.هـ. وقال الهيثمي في هذا الحديث: (المجمع) (4/ 18) رواه أحمد، وفيه أبو ثغال قال البخاري: فيه نظر. وله شاهد عن كبيرة بنت سفيان في الطبراني (25 / 15) لفظه: "دم عفراء أزكى عند الله من دم سوداوين".أ.هـ. قال الهيثمي (المجمع) (4/18) وفيه محمد بن سليمان بن مسمول، وهو ضعيف.أ.هـ. وله شاهد من حديث ابن عباس رواه الطبراني (11/ 109) ولفظه: "... وإن دم الشاة البيضاء أعظم"، قال فيه الحافظ ابن حجر (التلخيص) (4/ 18) وفيه حمزة النصيبي، قيل: كان يضع الحديث.أ.هـ.
29 - النسائي (مجتبى) (5/ 59)، والحاكم (1/ 416)، والبيهقي (4/ 181) من حديث أبي هريرة.
30 - سورة الكهف: الآية (7).
31 - (المنار المنيف): ص (23-34).

عبد الله بن عبد العزيز العقيل

كان الشيخ عضوا في مجلس القضاء الأعلى ومن هيئة كبار العلماء في المملكة. توفي رحمه الله عام 1432هـ .

  • 9
  • 1
  • 128,348

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً