إغاثة مسلمي باكستان من أموال الزكاة
خالد عبد المنعم الرفاعي
- التصنيفات: فقه الزكاة -
السؤال: هل يجوز استخدام أموال الزكاة لإغاثة المنكوبين المسلمين في باكستان،
وشراء مساعدات، طبية وغذائية وتشغيل مستشفيات في المناطق المنكوبة؟
الإجابة: الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ
ومن والاهُ، أمَّا بعدُ:
فهذه المسألة تنبني على ما يعرف عند أهل العلم بمسألة نقل الزكاة لبلد آخرَ غير بلد المزكِّي، والظاهر أن هذا هو سر تحرج السائل الكريم، لأن المنكوبين في بلاد الباكستان مسلمون وفقراء معدمون؛ لذهاب الجائحة بممتلكاتهم، فلم يبق في القسمة العقلية إلا استشكال نقل الزكاة، فإذا كان الأمر كذلك، فقد اختلف العلماء في جوازها، والراجح جواز نقل زكاة الأموال لبلاد أخرى، إذا دعت الحاجة، أو كانت المصلحة في نقلها ظاهرة، كأن يكون فقراء البلد التي تنقل إليه أشدَّ حاجةً، أو حلَّت بهم جائحة، أو كارثة، كحال متضرري السيول والفيضانات والانزلاقات الأرضية من المسلمين في باكستان، فهم - بدون أدنى شك - أكثرُ حاجة من مسلمي كثير من البلاد، نسأل الله العافية لجميع المسلمين، وهو مذهب الأحناف والمالكية إلا أنهم أوجبوا النقل إن وجد من هو أحوج ممن في البلد، كما في "الفواكه الدواني".
وقد اتفق الفقهاء على أن أهل البلد إذا استغنوا عن الزكاة - كلِّها أو بعضِها - لانعدام الأصناف المستحِقة، أو لقلة عدد أصحابها، وكثرة مال الزكاة، جاز نقلُها إلى غيرهم.
قال العلامة ابن الهمام - الحنفي - في "فتح القدير": "ويُكره نقل الزكاة من بلد إلى بلد، وإنما تُفرق صدقة كلِّ فريق فيهم؛ لما روينا من حديث معاذ - رضي الله عنه - وفيه رعاية حق الجوار، إلا أن ينقلها الإنسان إلى قرابته، أو إلى قوم هم أحوج من أهل بلده؛ لما فيه من الصلة، أو زيادة دفع الحاجة, ولو نقل إلى غيرهم أجزأه, وإن كان مكروهًا؛ لأن المصرف مطلق الفقراء بالنص".
ومنع من نقل الزكاة لبلد غير بلد المزكي الشافعية والحنابلة؛ واحتجوا بحديث ابن عباس - رضي الله عنهما - في الصحيحين، في قصة إرسال النبي - صلى الله عليه وسلم - لمعاذ بن جبل لليمن، وفيه قوله - صلى الله عليه وسلم -: " ".
والجواب أن خروجها في البلد الذي فيه المال هو الأصل، ولكن عند الحاجة تنقل، وقد أجاب العلماء على الاستدلال بحديث معاذ بأجوبة منها ما ذكره ابن دقيق العيد في "إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام" حيث قال:
"وقد استُدِل به على عدم جواز نقل الزكاة عن بلد المال. وفيه عندي ضعف؛ لأن الأقرب أن المراد: يُؤخذ من أغنيائهم من حيث إنهم مسلمون، لا من حيث إنهم من أهل اليمن. وكذلك الرد على فقرائهم، وإن لم يكن هذا هو الأظهر، فهو محتمَل احتمالًا قويًّا، ويقويه: أن أعيان الأشخاص المخاطبين في قواعد الشرع الكلية لا تُعتبر، وقد وردت صيغة الأمر بخطابهم في الصلاة. ولا يَختص بهم قطعًا - أعني الحكم - وإن اختَص بهم خطابُ المواجهة". بتصرف يسير.
وقال البدر العيني في "عمدة القاري شرح صحيح البخاري" [13 /188]: "هذا الاستدلال غير صحيح؛ لأن الضمير في فقرائهم يرجع إلى فقراء المسلمين، وهو أعم من أن يكون من فقراء أهل تلك البلدة، أو غيرهم، وقال الطيبي: "اتفقوا على أنها إذا نُقلت وأُديت يسقط الفرض عنه، إلا عمر بن عبد العزيز، فإنه رد صدقةً نُقلت من خراسان إلى الشام إلى مكانها من خراسان". ا.هـ.
وقد اختار شيخ الإسلام ابن تيمية جوازَ نقل الزكاة، إذا وجد له مسوغ، فقال في "الفتاوى الكبرى" [5 /369]: "وإذا نَقَلَ الزكاةَ إلى المستحقين بالمصر الجامع، مثل: أن يُعطِي مَن بالقاهرة مِن العشور التي بأرض مصر، فالصحيح: جواز ذلك؛ فإن سكان المصر إنما يعانون من مزارعهم، بخلاف النقل من إقليم، مع حاجة أهل المنقول عنها، وإنما قال السلف: جيران المال أحق بزكاته، وكرهوا نقل الزكاة إلى بلد السلطان وغيره؛ ليكتفي كل ناحية بما عندهم من الزكاة..." إلى أن قال: "ويجوز نقل الزكاة وما في حكمها لمصلحة شرعية".
وعليه؛ فيجوز نقل أموال الزكاة لإغاثة المنكوبين من المسلمين في باكستان، في صورة ضرورياتهم وحاجياتهم التي افتقدوها هناك، ولا تقوم حياتهم إلا بها، ولا سبيل لهم إليها إلا بشرائها لهم ونقلها إليهم من عندنا، ومن ثم يجوز التصرف من قبل المزكي أو وكيله، كهيئات الإغاثة وغيرها نيابة عن أولئك المسلمين المنكوبين، في سد تلك الضروريات والحاجيات بشرائها ونقلها إليهم؛ لرفع الحرج والهلاك عنهم، وذلك في صورة مواد غذائية وطبية ووسائل نقل ومخيمات ومستشفيات متنقلة وما شابه ذلك، وليس للمسلمين عذر ولا مندوحة في عدم رفع تلك المصيبة عن إخوتهم المنكوبين، بكل طريق ممكن فإن لم تكف أموال الزكاة وجب على المسلمين إخراج فضول أموالهم لإغاثتهم.
ولا يشترط التحري في الإنفاق والبحث عن الفقراء؛ لأن الفيضانات ساوت بين الناس في الحاجة، وجعلت الجميع يفرون لا يلوون على شيء، تاركين خلفهم أموالهم وماشيتهم وغلالهم؛ كما رأينا وسمعنا في أجهزة الإعلام،، والله أعلم.
فهذه المسألة تنبني على ما يعرف عند أهل العلم بمسألة نقل الزكاة لبلد آخرَ غير بلد المزكِّي، والظاهر أن هذا هو سر تحرج السائل الكريم، لأن المنكوبين في بلاد الباكستان مسلمون وفقراء معدمون؛ لذهاب الجائحة بممتلكاتهم، فلم يبق في القسمة العقلية إلا استشكال نقل الزكاة، فإذا كان الأمر كذلك، فقد اختلف العلماء في جوازها، والراجح جواز نقل زكاة الأموال لبلاد أخرى، إذا دعت الحاجة، أو كانت المصلحة في نقلها ظاهرة، كأن يكون فقراء البلد التي تنقل إليه أشدَّ حاجةً، أو حلَّت بهم جائحة، أو كارثة، كحال متضرري السيول والفيضانات والانزلاقات الأرضية من المسلمين في باكستان، فهم - بدون أدنى شك - أكثرُ حاجة من مسلمي كثير من البلاد، نسأل الله العافية لجميع المسلمين، وهو مذهب الأحناف والمالكية إلا أنهم أوجبوا النقل إن وجد من هو أحوج ممن في البلد، كما في "الفواكه الدواني".
وقد اتفق الفقهاء على أن أهل البلد إذا استغنوا عن الزكاة - كلِّها أو بعضِها - لانعدام الأصناف المستحِقة، أو لقلة عدد أصحابها، وكثرة مال الزكاة، جاز نقلُها إلى غيرهم.
قال العلامة ابن الهمام - الحنفي - في "فتح القدير": "ويُكره نقل الزكاة من بلد إلى بلد، وإنما تُفرق صدقة كلِّ فريق فيهم؛ لما روينا من حديث معاذ - رضي الله عنه - وفيه رعاية حق الجوار، إلا أن ينقلها الإنسان إلى قرابته، أو إلى قوم هم أحوج من أهل بلده؛ لما فيه من الصلة، أو زيادة دفع الحاجة, ولو نقل إلى غيرهم أجزأه, وإن كان مكروهًا؛ لأن المصرف مطلق الفقراء بالنص".
ومنع من نقل الزكاة لبلد غير بلد المزكي الشافعية والحنابلة؛ واحتجوا بحديث ابن عباس - رضي الله عنهما - في الصحيحين، في قصة إرسال النبي - صلى الله عليه وسلم - لمعاذ بن جبل لليمن، وفيه قوله - صلى الله عليه وسلم -: " ".
والجواب أن خروجها في البلد الذي فيه المال هو الأصل، ولكن عند الحاجة تنقل، وقد أجاب العلماء على الاستدلال بحديث معاذ بأجوبة منها ما ذكره ابن دقيق العيد في "إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام" حيث قال:
"وقد استُدِل به على عدم جواز نقل الزكاة عن بلد المال. وفيه عندي ضعف؛ لأن الأقرب أن المراد: يُؤخذ من أغنيائهم من حيث إنهم مسلمون، لا من حيث إنهم من أهل اليمن. وكذلك الرد على فقرائهم، وإن لم يكن هذا هو الأظهر، فهو محتمَل احتمالًا قويًّا، ويقويه: أن أعيان الأشخاص المخاطبين في قواعد الشرع الكلية لا تُعتبر، وقد وردت صيغة الأمر بخطابهم في الصلاة. ولا يَختص بهم قطعًا - أعني الحكم - وإن اختَص بهم خطابُ المواجهة". بتصرف يسير.
وقال البدر العيني في "عمدة القاري شرح صحيح البخاري" [13 /188]: "هذا الاستدلال غير صحيح؛ لأن الضمير في فقرائهم يرجع إلى فقراء المسلمين، وهو أعم من أن يكون من فقراء أهل تلك البلدة، أو غيرهم، وقال الطيبي: "اتفقوا على أنها إذا نُقلت وأُديت يسقط الفرض عنه، إلا عمر بن عبد العزيز، فإنه رد صدقةً نُقلت من خراسان إلى الشام إلى مكانها من خراسان". ا.هـ.
وقد اختار شيخ الإسلام ابن تيمية جوازَ نقل الزكاة، إذا وجد له مسوغ، فقال في "الفتاوى الكبرى" [5 /369]: "وإذا نَقَلَ الزكاةَ إلى المستحقين بالمصر الجامع، مثل: أن يُعطِي مَن بالقاهرة مِن العشور التي بأرض مصر، فالصحيح: جواز ذلك؛ فإن سكان المصر إنما يعانون من مزارعهم، بخلاف النقل من إقليم، مع حاجة أهل المنقول عنها، وإنما قال السلف: جيران المال أحق بزكاته، وكرهوا نقل الزكاة إلى بلد السلطان وغيره؛ ليكتفي كل ناحية بما عندهم من الزكاة..." إلى أن قال: "ويجوز نقل الزكاة وما في حكمها لمصلحة شرعية".
وعليه؛ فيجوز نقل أموال الزكاة لإغاثة المنكوبين من المسلمين في باكستان، في صورة ضرورياتهم وحاجياتهم التي افتقدوها هناك، ولا تقوم حياتهم إلا بها، ولا سبيل لهم إليها إلا بشرائها لهم ونقلها إليهم من عندنا، ومن ثم يجوز التصرف من قبل المزكي أو وكيله، كهيئات الإغاثة وغيرها نيابة عن أولئك المسلمين المنكوبين، في سد تلك الضروريات والحاجيات بشرائها ونقلها إليهم؛ لرفع الحرج والهلاك عنهم، وذلك في صورة مواد غذائية وطبية ووسائل نقل ومخيمات ومستشفيات متنقلة وما شابه ذلك، وليس للمسلمين عذر ولا مندوحة في عدم رفع تلك المصيبة عن إخوتهم المنكوبين، بكل طريق ممكن فإن لم تكف أموال الزكاة وجب على المسلمين إخراج فضول أموالهم لإغاثتهم.
ولا يشترط التحري في الإنفاق والبحث عن الفقراء؛ لأن الفيضانات ساوت بين الناس في الحاجة، وجعلت الجميع يفرون لا يلوون على شيء، تاركين خلفهم أموالهم وماشيتهم وغلالهم؛ كما رأينا وسمعنا في أجهزة الإعلام،، والله أعلم.