إيضاح الإشكال في مسألة الاستعانة بالجن

منذ 2010-10-22
السؤال: ّنريد منكم إيضاح الإشكال في مسألة الاستعانة بالجن، ومن يدعي أننا نتعامل مع الجن المسلم في العلاج، ماذا ترون فيه؟ ويوجد بينهم أناس يعالجون المرضى، ويخبرون عن مكان السحر، وترى من سيمائهم من الخير والصلاح ما لا تراه في غيرهم؟
الإجابة: الحمد لله؛ الاستعانة بالجن كالاستعاذة بالإنس، قال تعالى: {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْأِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً} [الجـن:6]، وقد ذكر المفسرون عند هذه الآية أن أهل الجاهلية كانوا إذا نزل أحدهم وادياً قال: أعوذ بسيد هذا الوادي من سفهاء قومه.

والجن من عالم الغيب فالاستعانة بهم والاستعاذة تتضمن دعاءهم لتحقيق ما يطلب منهم، ودعاء الغائبين شرك كدعاء الموتى، ومن حضر أو ظهر منهم بصوته أو تمثُّلِه فإنه لا يمكن العلم بحاله، فلا يمكن الحكم له بالصلاح، وإن قام ببعض الأعمال الحسنة.

نعم الجن منهم المؤمن والكافر، والفاسق والمنافق، ولا ينكر أن منهم من يقدم خدمة لبعض الناس ويختلف غرضه في ذلك، والغالب على الذين يعينون الإنس أنهم شياطين يقصدون بذلك إضلالهم بطاعتهم لهم في ما يأمرونهم به من الشرك والمعاصي، قال تعالى: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْأِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الْأِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ} [الأنعام: 128]، واستمتاع الإنس بالجن يكون بخدمة الجن لهم وقضاء حوائجهم، واستمتاع الجن بالإنس يكون بإغوائهم إياهم وبطاعتهم لهم.

والأصل أن لا علاقة بين الجن والإنس؛ لأنهما عالمان مختلفان لكن الجن يرون الإنس، والإنس لا يرونهم إلا إن تمثّلوا ببعض الصور، كما قال تعالى: {إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ} [الأعراف: 27].

فلا تعاون ولا تناصر بين صالحي الجن والإنس، وما يقع من نفع لبعض الناس يظن أنه من صالحي الجن فهو عارض وفي حكم النادر، ولكن التعاون في الغالب يكون بين شياطين الإنس والجن؛ لأن بعضهم أولياء بعض، قال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الْأِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً} [الأنعام: 112]، وقال تعالى: {وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} [الأنعام: 121].

فالشياطين من الجن تخدم أولياءهم من الإنس فقد تطير بهم وتحملهم إلى بلاد بعيدة، وقد تحضر لهم ما يريدون من مالٍ أو طعام أو امرأة يفجرون بها، فيعينونهم على المعاصي، ويدعونهم إلى الشرك بالسجود لهم، وبعبادة بعض الأصنام والأوثان التي يخاطبونهم منها.

وكذلك يخبرونهم ببعض الأمور التي يطَّلعون عليها من أحوال الناس، وقد يكون بعض ذلك في بلاد بعيدة، فإن شياطين الجن يخبر بعضهم بعضاً، ثم يلقي الجني الخبر إلى وليّه من الإنس ابتداء، وقد يكون بسؤال الإنسي للجني، ثم يخبر الإنسي من يسأله من الناس عن شيء من أمورهم فيفتنهم بذلك، وهذا هو الذي يسمى الكاهن والعرّاف والرَّمَّال، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم التحذير البالغ من سؤال أولئك الطواغيت، كما روى الإمام أحمد وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من أتى كاهناً أو عرافاً، فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم"، وليراجع في هذا كتاب شيخ الإسلام ابن تيمية (الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان).

ومما يشبه أخبار الكهان ما يتكلم به الجني على لسان المصروع والممسوس؛ فإنه شيطان كافر أو فاسق، فلا يجوز تصديقه فيما يخبر به من موضع السحر، أو المتسبب فيه، أو غير ذلك، ولكن لا بأس بالتثبت مما يخبر به لقوله تعالى: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات: 6]، والغالب عليهم الكذب، فالواجب على المعالج للمصروع والممسوس أن يستعمل لإخراج الجني الأسباب الشرعية والأسباب العادية المجربة، ولا يجوز له أن يسأل الجني ولا أن يستعين به على علاج مريض آخر فإنه شيطان لا يوثق به.

والحاصل أنه لا تجوز الاستعانة بالجن، ولو ظن المستعين أن من يتعامل معه صالح، فإنه لا قدرة له على العلم بذلك كما تقدم، وهو باب شرٍّ، فإنه لا يعجز أي كاهن أو ساحر أن يدعي أن له أصحاباً من صالحي الجن يخبرونه، ويعينونه، فيلتبس الأمر على الناس، ومعلوم أن شيئاً من ذلك مما ادعاه السائل لم يكن في تأريخ المسلمين، وفي القرون المفضلة، اللهم إلا ما كان على وجه المصادفة، والشيء العارض الذي لا يبني عليه حكم ولا قاعدة، فالواجب الحذر من تلاعب الشياطين، فإن منهم منافقين يظهرون الصلاح لمن يريدون خداعه والمكر به، كالمنافقين من الإنس، بل خطرهم أشد من خطر منافقي الإنس؛ لأن منافقي الإنس يمكن أن يعرفوا، كما قال تعالى: {وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ} [محمد:30]، وقانا الله شر شياطين الإنس والجن، وحفظنا بحفظه لعباده الصالحين، والله أعلم.
20-10-1431هـ 29-9-2010

المصدر: موقع الشيخ عبد الرحمن بن ناصر البراك

عبد الرحمن بن ناصر البراك

عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود

  • 9
  • 3
  • 37,017

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً