حكم من يدعي علم الغيب
عبد الرحمن بن ناصر البراك
- التصنيفات: العقيدة الإسلامية -
السؤال: كثر في الآونة الأخيرة من يدعي من الصالحين والصالحات معرفة الغيب عن
طريق الإلهام أو الكشف أو الفراسة فيأتيه الشخص فيرى صورته أو ينظر في
خطه فيخبره عن أحواله الماضية وعن أهله وكل ما يتعلق به، بل عن أمور
لم يطلع عليها إلا الشخص نفسه حتى ذكرت لي واحدة عن إحدى الصالحات من
معارفها أنها تخبرها بجميع أحوالها وطلبت مني أنا شخصيا أن آذن لها
لتعطي هذه المرأة اسمي فقط فتخبرني عن شؤوني الخاصة وما يتعلق بي،
فرفضت، فقالت: هذه هبة من الله أعطاها إياها بدون استعانة بالجن،
وأخرى حدثتني شخصيا أنها أعطت واحدة ممن يظن بها الصلاح بطاقة زوجها
فأخبرتها عنه بأمور لم يطلع عليها سواه، وواحدة تذكر عن شخص له مؤلفات
في الساحة الإسلامية يدعي مثل ذلك، ورابعة ذكرت لي ذلك عن امرأة كبيرة
في السن وترقي المرضى، ولقد عظمت الفتنة بهؤلاء بين الصالحين، فضلا عن
أهل الضلال والجهل فحبذا تبيين حقيقة دعواهم، وهل ما يدعونه من كرامة
الكشف والإلهام صحيح، أم أن دعواهم كدعوى جهال المتصوفة؟
الإجابة: الحمد لله؛ قد قال الله تعالى: {قل لا
يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله}، وقال تعالى:
{عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إلا
من ارتضى من رسول}، وقال سبحانه: {وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو}.
والغيب غيبان:
الأول: غيب مطلق، وهو الذي لا يعلمه إلا الله، ومن شاء أن يطلعه على ما شاء منه، من رسله من الملائكة ومن الناس.
والثاني: غيب نسبي، وهو ما يغيب عن بعض الناس دون بعض، من الحوادث والأحوال والأعمال العامة والخاصة، فذلك غيب بالنسبة لمن لم يشاهده أو يدركه بشيء من حواسه، وحينئذ فلا طريق له إلى العلم به إلا خبر الصادق، وقد توفرت في هذا العصر وسائل نقل الأخبار، والحكم على الأخبار بحسب مصادرها وناقليها، فمن ادعى شيئا من علم هذا الغيب فإنا نسأله عن مصدر خبره؛ فقد يكون ظنًّا، وقد يكون توهمًا، وقد يكون خبرًا، فيُعتبر فيه حال المخبِر، ولا بد من اعتبار حال المخبِر للحكم على خبره، وكذا من يروي عنه.
ومِن مدعي علم الغيب الكاهن والعراف، ومستندهم في أخبارهم إما أدلة وهمية لا تفيد إلا الظنون الكاذبة، وإما ما يتلقونه من شياطين الجن، وهم يَصْدُقون ويَكْذِبون، ومعلوم أن الجن لهم قدرة على الاطلاع على كثير من أحوال الناس الظاهرة والخفية، لأنهم يرون بني آدم من حيث لا يراهم بنو آدم، كما قال تعالى: {إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم}، ولهم قدرة على سرعة الانتقال، كما في قصة العفريت مع سليمان عليه السلام.
وبين شياطين الجن والإنس تعاون، قال تعالى: {وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا}، وقال تعالى: {ويوم يحشرهم جميعا يا معشر الجن قد استكثرتم من الإنس وقال أولياؤهم من الإنس ربنا استمتع بعضنا ببعض وبلغنا أجلنا الذي أجلت لنا}، واستمتاع الجن بالإنس بعبادتهم وطاعتهم لهم، واستمتاع الإنس بالجن بما يخبرونهم به مما غاب عنهم، وبإعانتهم على أنواع الفجور والمعاصي. وهذا كله في الأخبار الأرضية.
وأما ما يخبر به الكاهن من أخبار سماوية ومستقبلية فالغالب عليه فيها الكذب، وما يَصْدُق منها إما أن يكون على سبيل المصادفة، وإما أن يكون مما يتلقاه عن مسترق السمع، فيكذب معه مئة كذبة، كما جاء في الحديث الصحيح أن مسترق السمع يسمع الكلمة من السماء فيلقيها إلى من تحته، حتى يلقيها على لسان الساحر أو الكاهن، فيكذب معها مئة كذبة، فربما أدركه الشهاب قبل أن يلقيها، وربما ألقاها قبل أن يدركه، فيقال: أليس قد قال لنا يوم كذا وكذا: كذا وكذا، فيُصدَّق بتلك الكلمة التي سمعت من السماء.
وأما الفراسة الإيمانية فهي من نور الإيمان، وهي من نوع الإلهام الإلهي، ولا يكون الإنسان بها عالما بكل أحوال الناس، إنما يكشف الله لصاحب هذه الفراسة بعضَ أحوال الناس، ممن يراهم، أو بعض الأمور المتوقعة، وهي من الخوارق الكشفية التي تعين على نصر الحق، ودحض الباطل.
وأما الفراسة الشيطانية فهي ما تلقيه الشياطين في قلوب أوليائها، مما فيه إعانةٌ لهم على الباطل، وإضلالٌ للناس بهم.
إذا تبين ما سبق فما ورد في السؤال من دعاوى علم الغيب فيجب أن ينزل على ما تقدم؛ فهولاء النساء اللاتي يُدَّعَى فيهن الصلاح، ويدعين القدرة على معرفة أحوال الناس بما ذكر من التفصيل لا بد أن يكن كاهنات، ولهن أعوان من الجن، ولا يغتر بما يظهر من حالهن، فكثير من الدجالين منافقون يظهرون الصلاح والديانة، وهم في الباطن من أولياء الشياطين.
وما ذكر عن هؤلاء النساء ليس هو من جنس الفراسة؛ فإن الفراسة شيء يلقى في القلب ليس هو باختيار صاحبه، يعلم به ما شاء من أحوال الناس.
فالواجب عدم الانخداع بما تدعيه أولئك النسوة وأشباههن، ولا يجوز سؤالهن ولا تصديقهن، لما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " " (رواه الأربعة). هذا؛ والله أعلم، وصلى الله على محمد وسلم.
قاله عبد الرحمن بن ناصر البراك غفر الله عنه، وكتبه عنه عبد المحسن بن عبد العزيز العسكر سامحه الله تعالى.
12-10-1431هـ 21-9-2010
المصدر: موقع الشيخ عبد الرحمن بن ناصر البراك
والغيب غيبان:
الأول: غيب مطلق، وهو الذي لا يعلمه إلا الله، ومن شاء أن يطلعه على ما شاء منه، من رسله من الملائكة ومن الناس.
والثاني: غيب نسبي، وهو ما يغيب عن بعض الناس دون بعض، من الحوادث والأحوال والأعمال العامة والخاصة، فذلك غيب بالنسبة لمن لم يشاهده أو يدركه بشيء من حواسه، وحينئذ فلا طريق له إلى العلم به إلا خبر الصادق، وقد توفرت في هذا العصر وسائل نقل الأخبار، والحكم على الأخبار بحسب مصادرها وناقليها، فمن ادعى شيئا من علم هذا الغيب فإنا نسأله عن مصدر خبره؛ فقد يكون ظنًّا، وقد يكون توهمًا، وقد يكون خبرًا، فيُعتبر فيه حال المخبِر، ولا بد من اعتبار حال المخبِر للحكم على خبره، وكذا من يروي عنه.
ومِن مدعي علم الغيب الكاهن والعراف، ومستندهم في أخبارهم إما أدلة وهمية لا تفيد إلا الظنون الكاذبة، وإما ما يتلقونه من شياطين الجن، وهم يَصْدُقون ويَكْذِبون، ومعلوم أن الجن لهم قدرة على الاطلاع على كثير من أحوال الناس الظاهرة والخفية، لأنهم يرون بني آدم من حيث لا يراهم بنو آدم، كما قال تعالى: {إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم}، ولهم قدرة على سرعة الانتقال، كما في قصة العفريت مع سليمان عليه السلام.
وبين شياطين الجن والإنس تعاون، قال تعالى: {وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا}، وقال تعالى: {ويوم يحشرهم جميعا يا معشر الجن قد استكثرتم من الإنس وقال أولياؤهم من الإنس ربنا استمتع بعضنا ببعض وبلغنا أجلنا الذي أجلت لنا}، واستمتاع الجن بالإنس بعبادتهم وطاعتهم لهم، واستمتاع الإنس بالجن بما يخبرونهم به مما غاب عنهم، وبإعانتهم على أنواع الفجور والمعاصي. وهذا كله في الأخبار الأرضية.
وأما ما يخبر به الكاهن من أخبار سماوية ومستقبلية فالغالب عليه فيها الكذب، وما يَصْدُق منها إما أن يكون على سبيل المصادفة، وإما أن يكون مما يتلقاه عن مسترق السمع، فيكذب معه مئة كذبة، كما جاء في الحديث الصحيح أن مسترق السمع يسمع الكلمة من السماء فيلقيها إلى من تحته، حتى يلقيها على لسان الساحر أو الكاهن، فيكذب معها مئة كذبة، فربما أدركه الشهاب قبل أن يلقيها، وربما ألقاها قبل أن يدركه، فيقال: أليس قد قال لنا يوم كذا وكذا: كذا وكذا، فيُصدَّق بتلك الكلمة التي سمعت من السماء.
وأما الفراسة الإيمانية فهي من نور الإيمان، وهي من نوع الإلهام الإلهي، ولا يكون الإنسان بها عالما بكل أحوال الناس، إنما يكشف الله لصاحب هذه الفراسة بعضَ أحوال الناس، ممن يراهم، أو بعض الأمور المتوقعة، وهي من الخوارق الكشفية التي تعين على نصر الحق، ودحض الباطل.
وأما الفراسة الشيطانية فهي ما تلقيه الشياطين في قلوب أوليائها، مما فيه إعانةٌ لهم على الباطل، وإضلالٌ للناس بهم.
إذا تبين ما سبق فما ورد في السؤال من دعاوى علم الغيب فيجب أن ينزل على ما تقدم؛ فهولاء النساء اللاتي يُدَّعَى فيهن الصلاح، ويدعين القدرة على معرفة أحوال الناس بما ذكر من التفصيل لا بد أن يكن كاهنات، ولهن أعوان من الجن، ولا يغتر بما يظهر من حالهن، فكثير من الدجالين منافقون يظهرون الصلاح والديانة، وهم في الباطن من أولياء الشياطين.
وما ذكر عن هؤلاء النساء ليس هو من جنس الفراسة؛ فإن الفراسة شيء يلقى في القلب ليس هو باختيار صاحبه، يعلم به ما شاء من أحوال الناس.
فالواجب عدم الانخداع بما تدعيه أولئك النسوة وأشباههن، ولا يجوز سؤالهن ولا تصديقهن، لما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " " (رواه الأربعة). هذا؛ والله أعلم، وصلى الله على محمد وسلم.
قاله عبد الرحمن بن ناصر البراك غفر الله عنه، وكتبه عنه عبد المحسن بن عبد العزيز العسكر سامحه الله تعالى.
12-10-1431هـ 21-9-2010
المصدر: موقع الشيخ عبد الرحمن بن ناصر البراك