حكم التورق الذي تجريه البنوك
يوسف بن عبد الله الشبيلي
- التصنيفات: فقه المعاملات -
السؤال: ما حكم التورق الذي تجريه البنوك؟
الإجابة: الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فإن المصارف تجري نوعين من عقود التورق:
- النوع الأول: التورق الحقيقي، وهو أن يحتاج شخص إلى النقد فيشتري سلعة من البنك بثمن مؤجل، ثم يبيعها على غير البنك نقداً.
مثاله: أن يحتاج شخص لثمانين ألف ريال نقداً ولم يجد من يقرضه قرضاً حسناً، فيشتري من البنك سيارة بمائة ألف ريال مؤجلة إلى أربع سنوات، ثم يبيع السيارة في السوق على غير البنك والمعرض الأول الذي اشتراها منه البنك بثمانين ألف ريالٍ نقداً.
وهذا التورق جائز بثلاثة شروط:
1 - أن يتملك البنك السلعة ويقبضها قبل أن يبيعها على العميل.
2 - ألا يبيع العميلُ السلعة المشتراة حتى يملكها ملكاً حقيقياً ويقبضها من البنك القبض المعتبر شرعاً.
فمثلاً: لو احتاج عميلٌ لعشرة آلاف ريال نقداً، فاشترى أسهماً مباحة من البنك باثني عشر ألف ريالٍ بالتقسيط، ثم باعها العميل بنفسه في السوق بعشرة آلاف ريالٍ نقداً، فيجب في هذه الحال أن تسجل الأسهم في محفظة العميل حتى يتحقق القبض الشرعي قبل أن يبيعها في السوق.
3 - ألا يبيع العميل السلعة على البنك ولا على الشخص الذي باعها على البنك أولاً، وألا يكون هناك تواطؤ أو عرف بذلك؛ لأن هذا من العينة المحرمة، فلو اشترى سيارة بالتقسيط من البنك فلا يجوز أن يبيعها نقداً على البنك نفسه، ولا على لعرض الذي باعها على البنك وإنما يبيعها على غيرهما.
ومن أمثلة التورق الحقيقي:
تقسيط السيارات لدى الراجحي، وبرنامج وطني للتورق في الأسهم لدى الراجحي، وكلاهما من التورق الحقيقي الجائز.
- النوع الثاني: التورق المنظم، وهو شراء السلعة من البنك بالأجل مع توكيله ببيعها قبل أن يقبضها -أي العميل-.
مثاله: أن يحتاج شخص لسبعين ألف ريالٍ نقداً فيشتري من البنك معادن بثمانين ألف ريالٍ بالتقسيط، ويوكل البنكَ ببيعها في السوق بسبعين ألف ريال نقداً، أو يوكل البائعَ الأولَ الذي باع السلعة على البنك بأن يبيعها لصالح العميل ويقبض ثمنها ويسلمه إليه.
والأغلب أن يكون التورق المنظم في السلع الدولية كالمعادن، وقد يكون في السلع المحلية كالحديد والأرز والمكيفات والسيارات وغيرها.
والفرق بينه وبين التورق الحقيقي، أن العميل في التورق المنظم لا يقبض السلعة ثم يبيعها بنفسه، فليس أمامه إلا خيار واحد وهو أن يوكل البنك ببيعها، بينما في التورق الحقيقي يكون العميل بالخيار بين أن يحتفظ بالسلعة أو يبيعها بنفسه في السوق؛ لأنه قبضها قبضاً يتمكن به من التصرف فيها بما يشاء.
وقد تضع بعض البنوك خياراتٍ متعددة للعميل في نماذج التورق المنظم، بأن تخيره بين أن يقبض السلعة بنفسه أو يوكل البنك، أو يوكل طرفاً ثالثاً له علاقة بالبنك، وهذا التخيير في الواقع شكلي؛ لأن التورق المنظم إنما يكون في سلعٍ يصعب على العميل قبضها أو التصرف فيها، ولهذا لو اختار العميل أن يقبض السلعة فسيجد أمامه عراقيل كثيرة، أقلها أنه سيخسر في السلعة خسارة مضاعفة، مما يضطره حتماً إلى توكيل البنك أو من يختاره البنك.
وهذا التورق محرم؛ لما يلي:
1 - أن العقد حيلة على الربا، فالعميل لم يقبض من البنك إلا نقوداً وسيرد إليه تلك النقود بعد أجل بزيادة، فحقيقته قرض من البنك للعميل بفائدة، والسلعة المسماة في العقد إنما جيء بها حيلة لإضفاء الشرعية على العقد، ولهذا فإن العميل لا يسأل عن السلعة ولا يماكس في ثمنها بل ولا يعلم حقيقتها؛ لأنها غير مقصودة أصلاً، وإنما المقصود من المعاملة هو النقود، ويقتصر دور العميل على التوقيع على أوراقٍ يُزعم فيها أنه ملك سلعةً ثم بيعت لصالحه ثم أودع ثمنها في حسابه.
2 - أن الصورة المفترضة لهذا العقد هي أن النقد الذي يأخذه العميل هو ثمن السلعة التي بيعت له، وهذا الأمر يكذبه الواقع؛ فإن عقود التورق المنظم تجري على سلعٍ موصوفة أي غير معينة، فهي ليست مملوكة لا للبنك الذي باعها على العميل، ولا للعميل الذي وكل البنك في بيعها، بل ولا للمورد الذي يبيع على البنك، فهو يعقد صفقات مع البنك بكمياتٍ أكبر مما عنده حقيقة من السلع.
ومما يؤكد عدم ارتباط مبلغ التمويل بالسلعة وثمنها أن البنك يلتزم بإيداع المبلغ المتفق عليه في حساب العميل خلال فترة وجيزة مع أن من المعلوم أن بيع أي سلعة مهما كانت لا يخلو من المخاطرة إما لتقلب الأسعار أو لعدم وفاء المشتري أو لظهور عيبٍ في السلعة أو التأخر في البيع، أو لغير ذلك، ومع ذلك يتم إيداع المبلغ المتفق عليه دون تأخيرٍ أو نقصان.
3 - أن هذا العقد يؤدي إلى العينة الثلاثية، وهي محرمة، ففي السلع المحلية -كالسيارات مثلاً- يشتري البنك السيارة من المعرض ثم يبيعها على العميل بالأجل، ثم يوكل العميلُ المعرضَ ببيعها ثم يبيعها المعرض على البنك، ثم يبيعها البنك على عميلٍ آخر، وهكذا تدور أوراق السيارة مئات المرات بين البنك والعميل والمعرض، والسيارة في مكانها لم تتحرك، مما يؤكد أن المعاملة ما هي إلا مبادلة مالٍ بمالٍ وأن السلعة إنما أدخلت حيلة، وهذا التدوير وإن لم يكن مشروطاً في العقد أو متفقاً عليه إلا أنه معروف، والقاعدة عند أهل العلم: "أن المعروف عرفاً كالمشروط شرطاً".
ولا يختلف الأمر في السلع الدولية عما هو عليه في السلع المحلية، فإن من المعتاد أن البنك يشتري المعدن من أحد الموردين ثم يبيعه على العميل، ثم يتوكل عن العميل في بيعه فيبيعه على المورد الأول نفسه أو على موردٍ آخر يكون متواطئاً مع المورد الأول على نقل ملكية المعدن إليه -أي إلى الأول-، فيتم تداول شهادة الحيازة الخاصة بالمعدن بين هذه الأطراف عشرات المرات، والمعدن في مكانه لم يتحرك!
4 - أن كلاً من البنك والعميل يبيع السلعة قبل قبضها، وفي حديث حكيم بن حزام رضي الله عنه مرفوعاً: "ابن أخي: ابتعت شيئاً فلا تبعه حتى تقبضه" (رواه أحمد).
وقبض صورة من شهادة الحيازة للمعدن، أو صورةٍ من البطاقة الجمركية للسيارة لا يكفي في تحقق القبض الشرعي؛ لأن الصورة لا تعد وثيقة بالتملك، بل المشاهد أن المعرض الذي يتعامل مع البنوك في التورق المنظم يبيع السيارة الواحدة في وقتٍ واحدٍ لعدة بنوك، ويسلم كلاً منهم صورة البطاقة الجمركية؛ لأنه يدرك تماماً أن لا أحد من العملاء يطلب تسلم السيارة، وكذلك الحال في التورق الدولي، فالمورد يبيع المعدن نفسه في وقتٍ واحدٍ على بنوكٍ مختلفة ويسلم كلاً منهم صورة من شهادة الحيازة للمعدن الذي عنده.
وتوكيل البنك أو المورد الأول بالقبض لا يصح أيضاً؛ لأن كلاً منهما -أي البنك والمورد- بائع، فالسلعة مقبوضة له أصلاً، فلو صح توكيله لم يكن لاشتراط القبض أي معنى.
ولأجل هذه التجاوزات فإن اشتراط قبض السلع قبل بيعها وإن كان مختلفاً فيه إلا أنه في مثل هذه العقود التي يقصد منها التمويل لا ينبغي أن يكون من المسائل الخلافية، وذلك لتجنب الصورية في العقد، وللبعد عن مضارعة التمويل الربوي.
5 - أن العميل يوكل البنك في بيع السلعة قبل أن يتملكها، وفي حديث حكيم بن حزام رضي الله عنه: "لا تبع ما ليس عندك" (رواه الخمسة).
6 - أن العميل لم يتحمل مخاطرة السلعة أو ضمانها، فهي لم تدخل في ضمانه، وفي حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: "نهى عن ربح ما لم يضمن" (رواه الخمسة).
7 - وبما سبق يتبين أن العقد ملفقٌ من جملة من رخص المذاهب التي قد يسوغ الخلاف في واحدة منها إذا انفردت أما مع اجتماعها فأحرى بالعقد أن يكون صورياً لا حقيقياً. والحكم على العقد يجب أن يكون عليه بمجموعه لا بأفراده، فعقد يكون الشراء فيه بالأجل، والبيع بالنقد، والسلعة غير معينة ولا مقبوضة، والبائع هو الممول والوكيل بالبيع والوكيل بالقبض والوكيل بتسلم الثمن، والمبلغ مضمون، والزيادة بسبب الأجل بقدر سعر الفائدة في السوق، فبالله ما الفرق بين عقدٍ كهذا وبين التمويل الربوي؟ ألا ما أحسن مقولة ابن عباس رضي الله عنهما في العينة: "هي دراهم بدراهم دخلت بينهما حريرة"، وأقول: إن التورق المنظم نقودٌ بنقود دخلت بينهما سلعة، ولا يكتسب الشرعية بتسميته تورقاً مباركاً، أو تورق التيسير، أو تورق الخير، أو تورق اليسر؛ إذ العبرة في العقود بحقائقها لا بألفاظها.
ولهذا جاء قرار مجمع الفقه الإسلامي التابع للرابطة بتحريم هذا النوع من التورق، والله أعلم.
المصدر: موقع الشيخ حفظه الله تعالى.
فإن المصارف تجري نوعين من عقود التورق:
- النوع الأول: التورق الحقيقي، وهو أن يحتاج شخص إلى النقد فيشتري سلعة من البنك بثمن مؤجل، ثم يبيعها على غير البنك نقداً.
مثاله: أن يحتاج شخص لثمانين ألف ريال نقداً ولم يجد من يقرضه قرضاً حسناً، فيشتري من البنك سيارة بمائة ألف ريال مؤجلة إلى أربع سنوات، ثم يبيع السيارة في السوق على غير البنك والمعرض الأول الذي اشتراها منه البنك بثمانين ألف ريالٍ نقداً.
وهذا التورق جائز بثلاثة شروط:
1 - أن يتملك البنك السلعة ويقبضها قبل أن يبيعها على العميل.
2 - ألا يبيع العميلُ السلعة المشتراة حتى يملكها ملكاً حقيقياً ويقبضها من البنك القبض المعتبر شرعاً.
فمثلاً: لو احتاج عميلٌ لعشرة آلاف ريال نقداً، فاشترى أسهماً مباحة من البنك باثني عشر ألف ريالٍ بالتقسيط، ثم باعها العميل بنفسه في السوق بعشرة آلاف ريالٍ نقداً، فيجب في هذه الحال أن تسجل الأسهم في محفظة العميل حتى يتحقق القبض الشرعي قبل أن يبيعها في السوق.
3 - ألا يبيع العميل السلعة على البنك ولا على الشخص الذي باعها على البنك أولاً، وألا يكون هناك تواطؤ أو عرف بذلك؛ لأن هذا من العينة المحرمة، فلو اشترى سيارة بالتقسيط من البنك فلا يجوز أن يبيعها نقداً على البنك نفسه، ولا على لعرض الذي باعها على البنك وإنما يبيعها على غيرهما.
ومن أمثلة التورق الحقيقي:
تقسيط السيارات لدى الراجحي، وبرنامج وطني للتورق في الأسهم لدى الراجحي، وكلاهما من التورق الحقيقي الجائز.
- النوع الثاني: التورق المنظم، وهو شراء السلعة من البنك بالأجل مع توكيله ببيعها قبل أن يقبضها -أي العميل-.
مثاله: أن يحتاج شخص لسبعين ألف ريالٍ نقداً فيشتري من البنك معادن بثمانين ألف ريالٍ بالتقسيط، ويوكل البنكَ ببيعها في السوق بسبعين ألف ريال نقداً، أو يوكل البائعَ الأولَ الذي باع السلعة على البنك بأن يبيعها لصالح العميل ويقبض ثمنها ويسلمه إليه.
والأغلب أن يكون التورق المنظم في السلع الدولية كالمعادن، وقد يكون في السلع المحلية كالحديد والأرز والمكيفات والسيارات وغيرها.
والفرق بينه وبين التورق الحقيقي، أن العميل في التورق المنظم لا يقبض السلعة ثم يبيعها بنفسه، فليس أمامه إلا خيار واحد وهو أن يوكل البنك ببيعها، بينما في التورق الحقيقي يكون العميل بالخيار بين أن يحتفظ بالسلعة أو يبيعها بنفسه في السوق؛ لأنه قبضها قبضاً يتمكن به من التصرف فيها بما يشاء.
وقد تضع بعض البنوك خياراتٍ متعددة للعميل في نماذج التورق المنظم، بأن تخيره بين أن يقبض السلعة بنفسه أو يوكل البنك، أو يوكل طرفاً ثالثاً له علاقة بالبنك، وهذا التخيير في الواقع شكلي؛ لأن التورق المنظم إنما يكون في سلعٍ يصعب على العميل قبضها أو التصرف فيها، ولهذا لو اختار العميل أن يقبض السلعة فسيجد أمامه عراقيل كثيرة، أقلها أنه سيخسر في السلعة خسارة مضاعفة، مما يضطره حتماً إلى توكيل البنك أو من يختاره البنك.
وهذا التورق محرم؛ لما يلي:
1 - أن العقد حيلة على الربا، فالعميل لم يقبض من البنك إلا نقوداً وسيرد إليه تلك النقود بعد أجل بزيادة، فحقيقته قرض من البنك للعميل بفائدة، والسلعة المسماة في العقد إنما جيء بها حيلة لإضفاء الشرعية على العقد، ولهذا فإن العميل لا يسأل عن السلعة ولا يماكس في ثمنها بل ولا يعلم حقيقتها؛ لأنها غير مقصودة أصلاً، وإنما المقصود من المعاملة هو النقود، ويقتصر دور العميل على التوقيع على أوراقٍ يُزعم فيها أنه ملك سلعةً ثم بيعت لصالحه ثم أودع ثمنها في حسابه.
2 - أن الصورة المفترضة لهذا العقد هي أن النقد الذي يأخذه العميل هو ثمن السلعة التي بيعت له، وهذا الأمر يكذبه الواقع؛ فإن عقود التورق المنظم تجري على سلعٍ موصوفة أي غير معينة، فهي ليست مملوكة لا للبنك الذي باعها على العميل، ولا للعميل الذي وكل البنك في بيعها، بل ولا للمورد الذي يبيع على البنك، فهو يعقد صفقات مع البنك بكمياتٍ أكبر مما عنده حقيقة من السلع.
ومما يؤكد عدم ارتباط مبلغ التمويل بالسلعة وثمنها أن البنك يلتزم بإيداع المبلغ المتفق عليه في حساب العميل خلال فترة وجيزة مع أن من المعلوم أن بيع أي سلعة مهما كانت لا يخلو من المخاطرة إما لتقلب الأسعار أو لعدم وفاء المشتري أو لظهور عيبٍ في السلعة أو التأخر في البيع، أو لغير ذلك، ومع ذلك يتم إيداع المبلغ المتفق عليه دون تأخيرٍ أو نقصان.
3 - أن هذا العقد يؤدي إلى العينة الثلاثية، وهي محرمة، ففي السلع المحلية -كالسيارات مثلاً- يشتري البنك السيارة من المعرض ثم يبيعها على العميل بالأجل، ثم يوكل العميلُ المعرضَ ببيعها ثم يبيعها المعرض على البنك، ثم يبيعها البنك على عميلٍ آخر، وهكذا تدور أوراق السيارة مئات المرات بين البنك والعميل والمعرض، والسيارة في مكانها لم تتحرك، مما يؤكد أن المعاملة ما هي إلا مبادلة مالٍ بمالٍ وأن السلعة إنما أدخلت حيلة، وهذا التدوير وإن لم يكن مشروطاً في العقد أو متفقاً عليه إلا أنه معروف، والقاعدة عند أهل العلم: "أن المعروف عرفاً كالمشروط شرطاً".
ولا يختلف الأمر في السلع الدولية عما هو عليه في السلع المحلية، فإن من المعتاد أن البنك يشتري المعدن من أحد الموردين ثم يبيعه على العميل، ثم يتوكل عن العميل في بيعه فيبيعه على المورد الأول نفسه أو على موردٍ آخر يكون متواطئاً مع المورد الأول على نقل ملكية المعدن إليه -أي إلى الأول-، فيتم تداول شهادة الحيازة الخاصة بالمعدن بين هذه الأطراف عشرات المرات، والمعدن في مكانه لم يتحرك!
4 - أن كلاً من البنك والعميل يبيع السلعة قبل قبضها، وفي حديث حكيم بن حزام رضي الله عنه مرفوعاً: "ابن أخي: ابتعت شيئاً فلا تبعه حتى تقبضه" (رواه أحمد).
وقبض صورة من شهادة الحيازة للمعدن، أو صورةٍ من البطاقة الجمركية للسيارة لا يكفي في تحقق القبض الشرعي؛ لأن الصورة لا تعد وثيقة بالتملك، بل المشاهد أن المعرض الذي يتعامل مع البنوك في التورق المنظم يبيع السيارة الواحدة في وقتٍ واحدٍ لعدة بنوك، ويسلم كلاً منهم صورة البطاقة الجمركية؛ لأنه يدرك تماماً أن لا أحد من العملاء يطلب تسلم السيارة، وكذلك الحال في التورق الدولي، فالمورد يبيع المعدن نفسه في وقتٍ واحدٍ على بنوكٍ مختلفة ويسلم كلاً منهم صورة من شهادة الحيازة للمعدن الذي عنده.
وتوكيل البنك أو المورد الأول بالقبض لا يصح أيضاً؛ لأن كلاً منهما -أي البنك والمورد- بائع، فالسلعة مقبوضة له أصلاً، فلو صح توكيله لم يكن لاشتراط القبض أي معنى.
ولأجل هذه التجاوزات فإن اشتراط قبض السلع قبل بيعها وإن كان مختلفاً فيه إلا أنه في مثل هذه العقود التي يقصد منها التمويل لا ينبغي أن يكون من المسائل الخلافية، وذلك لتجنب الصورية في العقد، وللبعد عن مضارعة التمويل الربوي.
5 - أن العميل يوكل البنك في بيع السلعة قبل أن يتملكها، وفي حديث حكيم بن حزام رضي الله عنه: "لا تبع ما ليس عندك" (رواه الخمسة).
6 - أن العميل لم يتحمل مخاطرة السلعة أو ضمانها، فهي لم تدخل في ضمانه، وفي حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: "نهى عن ربح ما لم يضمن" (رواه الخمسة).
7 - وبما سبق يتبين أن العقد ملفقٌ من جملة من رخص المذاهب التي قد يسوغ الخلاف في واحدة منها إذا انفردت أما مع اجتماعها فأحرى بالعقد أن يكون صورياً لا حقيقياً. والحكم على العقد يجب أن يكون عليه بمجموعه لا بأفراده، فعقد يكون الشراء فيه بالأجل، والبيع بالنقد، والسلعة غير معينة ولا مقبوضة، والبائع هو الممول والوكيل بالبيع والوكيل بالقبض والوكيل بتسلم الثمن، والمبلغ مضمون، والزيادة بسبب الأجل بقدر سعر الفائدة في السوق، فبالله ما الفرق بين عقدٍ كهذا وبين التمويل الربوي؟ ألا ما أحسن مقولة ابن عباس رضي الله عنهما في العينة: "هي دراهم بدراهم دخلت بينهما حريرة"، وأقول: إن التورق المنظم نقودٌ بنقود دخلت بينهما سلعة، ولا يكتسب الشرعية بتسميته تورقاً مباركاً، أو تورق التيسير، أو تورق الخير، أو تورق اليسر؛ إذ العبرة في العقود بحقائقها لا بألفاظها.
ولهذا جاء قرار مجمع الفقه الإسلامي التابع للرابطة بتحريم هذا النوع من التورق، والله أعلم.
المصدر: موقع الشيخ حفظه الله تعالى.