التخلف عن الجماعة عند العذر
نحن - العراقيين - لا نأمن على حياتنا عندما نخرج إلى الشارع؛ فهل يباح لنا أن نصلي في البيت؟
الحمدلله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فسبق وأن بينا حكم صلاة الجماعة، وأنها واجبة على الأعيان كما هو مشهور مذهب أحمد، ووجه عند الشافعية في فتوى بعنوان: "حكم صلاة الجماعة"؛ فيمكنك الرجوع إليها.
هذا؛ وقد اتفق الجميع على جواز التخلف عن الجماعة عند العذر؛ كخوف الضرر على النفس، أو المال، أو العِرض، أو عند المرض، ويُحَصّل أجر الجماعة من منعه العذر عن حضورها؛ بنيته الحسنة، واستدلوا بأدلة عامة وخاصة؛ أما الخاصة فمنها حديث ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من سمع النداء؛ فلم يأته، فلا صلاة له، إلا من عذر، قالوا: يا رسول الله، وما العذر؟ قال: خوف أو مرض" [أخرجه ابن ماجه وغيره].
وفي الصحيحين عن محمود بن الربيع الأنصاري، أن عتبان بن مالك كان يؤم قومه وهو أعمى، وأنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، إنها تكون الظلمة والسيل، وأنا رجل ضرير البصر، فصلِّ يا رسول الله في بيتي مكاناً أتخذه مصلى؛ فجاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "أين تحب أن أصلي؟" فأشار إلى مكان من البيت؛ فصلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرخص النبي صلى الله عليه وسلم لعتبان بن مالك في ترك الجماعة؛ بسبب السيل والظلمة؛ رفعاً للضرر؛ فالترخيص بسبب خوف القتل أولى وأحرى.
وأما الأدلة العامة: فجميع النصوص الدالة على رفع الحرج والمشقة عن المكلفين ومنها قوله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185]، وقال: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78]، قال ابن عباس: "يعني من ضيق"، وقال ابن كثير: "أي: ما كلفكم ما لا تطيقون، وما ألزمكم بشيء فَشَقَ عليكم إلا جعل الله لكم فرجا"، وقال تعالى: {مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ} [المائدة: 6]، والخروج حال القتال وتعريض النفس للموت غاية في الحرج، وقال تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وإذا أمرتكم بأمر، فأتوا منه ما استطعتم"، وقال صلى الله عليه وسلم: "ويَسِّرا ولا تُعسِّرَا" [متفق عليهما]، والأحاديث في هذا كثيرة.
ولأن حفظ النفس من مقاصد الشريعة، وهو أعظم من حفظ الجماعة في الصلاة؛ قال الإمام الشيرازي في المهذب: "ومنها - أي: أعذار الجماعة - أن يخاف ضرراً، في نفسه أو ماله، أو يكون به مرض، يشق معه القصد"، وقال النووي شارحاً لكلامه: "أن يخاف على نفسه أو ماله، أو على من يلزمه الذب عنه، من سلطان أو غيره ممن يظلمه، أو يخاف من غريم له، يحبسه أو يلازمه، وهو معسر".
وعليه: فيجوز لكم التخلف عن صلاة الجماعة ما دام الحال كما ذكرت، واللهَ نسأل أن يرفع عنكم ما نزل بكم، وأن يرزقكم الأمن والأمان في الأوطان.. والله أعلم.
- التصنيف:
- المصدر: