تعزية الكفار، وتهنئتهم بأعيادهم
هل يجوز للمسلم أن يعزي الكافر إذا مات أبوه أو أمه، أو أقاربه، وهل يجوز تهنئتهم بالعيد والمناسبات السعيدة عندهم؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن تعزية الكفار من اليهود والنصارى ونحوهما في موت قريب له، من الأمور التي اختلف فيها أهل العلم؛ فأباحه بعض أهل العلم، وقيَّده بعضهم بالمصلحة الشرعية: كدعوته، أو كف أذاه، ونحو ذلك.
ومن ذهب إلى الجواز، نص على أن يتخير المعزي الألفاظ التي ليس فيها محذور شرعي؛ مثل: "أخلف الله عليك"، ذكره النووي وابن قدامة، وقال بعضهم: يقول له: "أعطاك الله على مصيبتك أفضل مما أعطى أحداً من أهل دينك"، ولو قال أيضاً: "جبر الله مصيبتك، أو أحسن لك الخلف بخير" وما أشبهه من الكلام الطيب فلا بأس، ولكن لا يدعو للميت بالرحمة والمغفرة ونحو ذلك مما يُدعى به للمتوفى من المسلمين.
والقول بالجواز هو الراجح والله أعلم، ووجهه: أن ذلك من باب حسن المعاملة، والعدل في تبادل الحقوق، التي تقتضيها ضرورة المجاورة والمعاملة الدنيوية، لمن كان منهم كافاً لشره عن المسلمين؛ قال الله تعالى: {لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الممتحنة:8]، قال الإمام القرطبي: "هذه الآية رخصة من الله تعالى في صلة الذين لم يعادوا المؤمنين ولم يقاتلوهم"، وأيضا فإننا مأمورون أن نعامل جميع الناس بالحسنى، وأن نقول لهم حسناً، كما قال الله عز وجل: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً} [البقرة:83]، وأيضا ليس في تعزيتهم محذور شرعي، ولا موافقة على أمر من أمور دينهم، كما لا يلزم عليها موادة، ولا موالاة لهم.
أما تهنئتهم بأعيادهم فلا يجوز؛ لأن العيد من خصائص دينهم وعقائدهم ومناهجهم الباطلة؛ فالأعياد من جملة الشرع والمناهج والمناسك التي قال الله فيها: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً} [المائدة:48]، وقال صلى الله عليه وسلم: "إن لكل قوم عيداً، وهذا عيدنا" (متفق عليه من حديث عائشة رضي الله عنها). قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "اقتضاء الصراط المستقيم": "بل إن الأعياد من أخص ما تتميز به الشرائع، ومن أظهر ما لها من الشعائر"؛ فكيف تستقيم -على ما هم فيه- تهنئتهم في ما هو من شعائر دينهم؟!
ولهذا المعنى شدد العلماء في الإنكار على المسلم الذي يهنئ الكفار بأعيادهم الدينية؛ فلا يحل لمسلم أن يهنئ كافراً بعيد يختص بدينه، ولا يأذن لمن له عليهم ولاية كأبنائه وزوجته بذلك؛ قال الإمام ابن القيم في "أحكام أهل الذمة": "وأما التهنئة بشعائر الكفر المختصة به فحرام بالاتفاق، مثل أن يهنئهم بأعيادهم وصومهم، فيقول: عيد مبارك عليك، أو تهنأ بهذا العيد ونحوه، فهذا إن سلم قائله من الكفر، فهو من المحرمات، وهو بمنزلة أن يهنئه بسجوده للصليب، بل ذلك أعظم إثما عند الله، وأشد مقتاً من التهنئة بشرب الخمر، وقتل النفس، وارتكاب الفرج الحرام نحوه. وكثير ممن لا قدر للدين عنده يقع في ذلك، ولا يدري قبح ما فعل؛ فمن هنأ عبداً بمعصية أو بدعة أو كفر فقد تعرَّض لمقت الله وسخطه". وبهذا يظهر لك الفرق بين تسامح أهل العلم في مسألة التعزية، والمواساة في أمر دنيوي، وبين التهنئة لهم في أعيادهم ومناسباتهم الدينية؛ فإن ذلك محرم حرمة مغلظة؛ لما ينطوي عليه من إقرارهم على باطلهم، وموافقتهم على شركهم، وإظهار شعائرهم، وما تنطوي عليه أعيادهم من المنكرات، فليتنبه لذلك.
وحتى وإن هنئونا بأعيادنا، فلا يجوز أن نهنئهم بأعيادهم؛ لوجود الفارق؛ فأعيادنا حق من ديننا الحق، بخلاف أعيادهم الباطلة التي هي من دينهم الباطل، فإن هنئونا على الحق فلن نهنئهم على الباطل.
وأما تهنئتهم بمناسبات غير دينية، كالنكاح ونحوه؛ فلا حرج، لاسيما إذا أريد بذلك تأليفه على الإسلام، وذلك بشرط ألا يفضي إلى محرم أو اختلاط أو غيرهما. والله أعلم.
- التصنيف:
- المصدر: