كل مولود يولد على الفطرة
الأطفال الذين وُلدوا وتربوا في بيئات مختلفة وفي أديان مختلفة، ينشؤون وعندهم -بشكل طبيعي- نزعة إلى التمرد على القيود العادية ويكون عندهم شخصيات مختلفة. فالطفل المولود لعائلة هندوسية يصبح هندوسيا عندما يكبر، وبالنسبة له، فإن الدين الهندوسي هو الدين الصحيح، ولنفترض أن من هو في مثل حال هذا الشخص، الذي تأصل في طبعه منذ الطفولة أنه هندوسي أولا وأخيرا، أنه تلقى رسالة الإسلام، فما هي احتمالات أنه سوف يتخلى عن دينه وهويته ويقبل بشيء جديد؟ أليس من العسير على مثله أن يصبح مسلما إذا ما قارنا ذلك مع آخر وُلد مسلما؟ إنه لشيء يخيفني جدا أن أفكر فيما لو أني وُلدت على دين آخر غير الإسلام فكيف يكون حالي الآن.
وعليه، لماذا لا تكون القاعدة أن يحصل كل فرد على نفس الفرص كي يتمكن من تجريب الإسلام ويقبل به وهو صغير؟ هل هذا موضوع يتعلق بمشيئة الله؟ أرجو أن يكون الرد مستدلا من القرآن والسنة.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
قال تعالى: {فأقم وجهك للدين حنيفا فطرت الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون}.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصّرانه أو يمجّسانه" (متفق عليه).
والصواب أن المراد بالفطرة ملّة الإسلام، كما في الحديث الذي رواه مسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "قال الله تعالى: خلقت عبادي حنفاء فاجتالتهم الشياطين عن دينهم، وحرّمت عليهم ما أحللتُ لهم، وأمرتْهم أن يُشركوا بي ما لم أنزّل به سلطانا".
ومعنى أن المولود يولد على ملة الإسلام أنه يولد مستعدا في تكوينه إذا تفتح عقله وعرض عليه الإسلام وضدّه أن يُؤْثِرَ الإسلام على ضدّه، ويختار الإسلام ديناً، ما لم يمنعه من ذلك مانع كالهوى أو التعصب، فاتّباع الهوى يحمل على إيثار الباطل؛ لنيل حظ من الحظوظ من رئاسة أو مال، والتعصب يحمل على اتباع الآباء والكبراء ولو كانوا على غير هدى قال تعالى: {بل قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمّة وإنا على آثارهم مقتدون} وقال تعالى عن الأتباع من أهل النار: {وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا}. وإذا كان كل مولود يولد على الفطرة فمعلوم أن منهم من يتهيأ له ما يوافق فطرته ويثبتها، كمن يولد بين أبوين مسلمين، وينشأ في مجتمع مسلم، ومنهم من يتعرض لتغيير فطرته كمن يولد بين أبوين كافرين وينشأ بين الكفار من يهود أو نصارى ومجوس أو مشركين.
ولا ريب أن الذي ولد في الإسلام قد حصل له من أسباب الهداية والسعادة ما لم يحصل لغيره ممن ولدوا ونشؤوا في مجتمعات كافرة. والتوفيق للإيمان وتيسير أسباب الهداية فضل الله يؤتيه من يشاء.
ثم يجب أن يُعلم أن من غيّرت فطرته عن الإسلام لا يعاقب بذنب غيره، وإنما يعاقب إذا بلغته دعوة الرسول عليه الصلاة والسلام فأعرض عنها، ولم يقبلها إباءً واستكبارا وتعصبا لدين آبائه وأهل بلده، لأنه قد قامت عليه الحجة بدعوة الرسول، ومن قامت عليه الحجة الرسالية وأصرّ على كفره استحق العذاب، قال تعالى: {وما كنّا معذبين حتى نبعث رسولا}.
وقولك في السؤال: (إنه لشيء يخيفني.......) قول صحيح ومعقول فمن نعمة الله عليك أنْ ولِدْتَ في الإسلام، ولو ولدت في دين آخر لكان يُخشى عليك من البقاء على الدين الباطل، ولكن الله إذا أراد بالعبد خيرا يسّر له من أسباب الهداية ما ينقله عن ملّة الكفر إلى ملّة الإسلام فالأمر كلّه لله.
وقولك في السؤال: (لماذا لا تكون القاعدة.....) هو سؤال باطل سببه الجهل بحكمة الله تعالى وسنته في خلقه، ومعلوم أنه يستحيل أن تكون الفرص للجميع واحدة مع تعدد وكثرة الديانات البشرية، ثم إن الهداية إلى الإسلام تحصل بمشيئة الإنسان واختياره؛ لأن الله تعالى أعطى الإنسان القدرة على التفرق بين الحقّ والباطل، والنافع والضار بما ركّب فيهم من العقل، وبما بعث به رسله من البينات، ومع ذلك فمشيئة العبد تابعة لمشيئة الله، فإنه الذي يُضلّ من يشاء بعدله وحكمته، ويهدي من يشاء بفضله وحكمته.
قال تعالى: {إن هو إلا ذكر للعالمين لمن شاء منكم أن يستقيم وما تشاؤون إلا أن يشاء الله رب العالمين}.
تاريخ الفتوى: 29-2-1426 هـ.
- التصنيف:
- المصدر: