هل هذا النكاح باطل؟
رجل مسلم كان يقيم في أمريكا تعرف بامرأة نصرانية، وعاشا معاً بغير زواج، بعد معرفتهما بوجود حمل تزوجا، وقد يكونان تزوجا بعد ولادة البنت الكبرى، ثم أنجبا ولداً وبنتاً بعد الزواج بخلاف البنت الأولى! لم يكن يعلم عن هذا الموضوع أحد غير الأبوين، الأم أسلمت منذ 7 أعوام أو يزيد، وحسن إسلامها والله أعلم، والوالد وإن كان محافظاً على الصلاة ولكنه غير ملتزم بكثير من شعائر الإسلام.
- تزوجت البنتان الكبرى والصغرى بدون أن يعلما شيئاً ولا زوجيهما، والآن عرفا بعد أن أنجبت الكبرى طفلين.
1 - هل تصح نسبة البنت الكبرى إلى الأب شرعاً واسماً وما ينبني عليه من ميراث وكل الأحكام الشرعية؟
2 - هل نكاح الأبوين باطل أم صحيح؟
3 - هل يصح زواج البنت الكبرى من زوجها؟ فالأب ليس بولي شرعي للبنت وتكون بذلك تزوجت بلا ولي! وإذا كان لا يصح زواج البنت، فما العمل الآن وقد نتج عن هذا الزواج طفلان؟ وإذا جددت صيغة العقد، فمن يكون وليها لو لم تصح نسبتها للأب؟ حيث إن أقارب الأب (الأعمام وجد) لا ينسبون إليها وليس لها أقارب من الأم؟ وهل واجب عليها تغيير الاسم؟
4 - البنت الصغرى مولودة بعد زواج الأبوين، فهل بذلك زواج البنت الصغرى صحيح؟
نرجو الرد بصفة عاجلاً رداً مفصلاً لو تكرمتم لحساسية المسألة.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فهذه المسألة تبين الخطورة التي تمثلها الإقامة في ديار الكفر لمن كان في دينه رقة وفي إيمانه دخن؛ حيث إن الكثيرين ممن يقيمون في تلك البلاد ينبعثون في المعاصي حين يجدونها ميسرة، وقد أمنوا الرقيب من الأهل والمعاتب من الصحب؛ وقد يفقد بعضهم دينه بالكلية عياذاً بالله تعالى.
ثم إن نكاح الكافرة ينبغي أن يعلم أنه لا يجوز إلا بشرطين: الأول: أن تكون كتابية فعلاً لا ادعاء؛ لأن رجالاً كثيرين ونساء كثيرات من أهل تلك البلاد لا يؤمن بدين أصلاً بل هو إلى الإلحاد أقرب، الثاني: أن تكون عفيفة لا زانية؛ وذلك لقوله تعالى: {والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن}، والمحصنات يعني بهن العفائف.
والسؤال المطروح فيه أن رجلاً ينتسب إلى الإسلام كان يعيش مع امرأة نصرانية بغير زواج؛ بمعنى أنه كان يزني بها، ونتج عن ذلك أنها حملت ببنت سفاحاً، وبعد الحمل حصل الزواج، ثم أنجبا بنتاً وابناً وجواب الأسئلة الواردة في السؤال يكون هكذا:
- أولاً: العقد على الحامل قد اختلف فيه أهل العلم فقال المالكية والحنابلة وأبو يوسف من الحنفية: لا يجوز نكاحها قبل وضع الحمل، سواء من الزاني نفسه، أو من غيره، لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا توطأ حامل حتى تضع" (رواه أبو داود والحاكم وصححه)، ولما روي عن سعيد بن المسيب: أن رجلاً تزوج امرأة، فلما أصابها وجدها حبلى، فرفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ففرق بينهما، وذهب الشافعية والحنفية: إلى أنه يجوز نكاح الحامل من الزنا لأنه لا حرمة لماء السفاح بدليل أنه لا يثبت به النسب، لقوله صلى الله عليه وسلم: "الولد للفراش وللعاهر الحجر" (أخرجه البخاري ومسلم).
- ثانياً: ما كان من حمل ناتج من سفاح فإن الجمهور على أنه لا ينسب إلى الزاني بحال، وخالف في ذلك عروة وإسحاق بن راهويه وسليمان بن يسار وأبو حنيفة فأجازوا إلحاق الولد بالزاني في حال زواجه بالزانية. قال أبو حنيفة رحمه الله: لا أرى بأساً إذا زنى الرجل بالمرأة فحملت منه أن يتزوجها ويستر عليها، والولد ولد له.
وعليه فإن هذا النكاح صحيح على قول الحنفية والشافعية، ونسبة البنت الكبرى إلى أبيها صحيحة على قول من سبق ذكرهم من أجلة الفقهاء، ولعل الأخذ بهذا القول يعضده ما علم من تشوف الشارع إلى الستر على العصاة وكذلك تشوف الشارع إلى إثبات النسب، وهو أولى في هذه الحالة من القول بفساد النكاح وعدم صحة نسبة البنت إلى أبيها؛ لما يترتب على ذلك من مفاسد لا تخفى، وهي رابية بغير شك على مصالح القول به.
وعليه: فإن زواج الأبوين صحيح، ونسبة البنت الكبرى إلى أبيها صحيحة، ونكاحها صحيح لكون أبيها هو وليها، وكذلك نكاح من بعدها صحيح، والعلم عند الله تعالى.
- التصنيف:
- المصدر: