إفراد يوم الجمعة بالصوم

منذ 2012-04-19
السؤال:

ما حكم إفراد يوم الجمعة بالصيام؟

الإجابة:

الحمدلله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، ثم أما بعد:

فيكره إفراد يوم الجمعة بالصيام؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يَصُمْ أحدُكم يوم الجمعة؛ إلا أن يصوم قبله، أو يصوم بعده"، وعن محمد بن عبَّاد قال: "سألتُ جابراً رضي الله عنه: أَنَهى النبيُّ صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم الجمعة ؟ قال: نعم" (متفقٌ عليهما).

فإن وصله بيوم قبله أو يوم بعده، أو وافق عادةً له؛ كمن يصوم يوماً ويفطر يوماً، أو وافق يوم الجمعة يوماً استُحبَّ صيامه كصيام عرفة، فلا حرج في صيامه؛ لانتفاء علة التخصيص؛ فقد روى الإمامان (مسلم) و(النَّسائي) عن أبى هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تختَصُّوا ليلَة الجمعة بقيامٍ من بين الليالي، ولا تَخُصُّوا يوم الجمعة بصيامٍ من بين الأيام؛ إلا أن يكون في صومٍ يصومه أحدُكم".

وعن جويرية بنت الحارث رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها يوم الجمعة وهي صائمة؛ فقال: "أصُمْتِ أمس؟" قالت: لا؛ قال: "تريدين أن تصومي غداً؟" قالت: لا؛ قال: "فأَفطري" (رواه البخاري).

قال (ابن قُدامة) في "المغني": "ويُكره إفراد يوم الجمعة بالصوم؛ إلا أن يوافق ذلك صوماً كان يصومه، مثل مَنْ يصوم يوماً ويفطر يوماً؛ فيوافق صومه يوم الجمعة، ومن عادته صوم أول يوم من الشهر، أو آخره، أو يوم نصفه، ونحو ذلك. نصَّ عليه أحمد، في رواية الأثرم".

وقال شيخ الإسلام في "الفتاوى": "إن السُّنة مضت بكراهة إفراد رجب بالصوم، وكراهة إفراد يوم الجمعة".

وقال الإمام النووي في "شرح مسلم": "وفي هذه الأحاديث الدلالة الظاهرة لقول جمهور أصحاب الشافعي وموافقيهم، وأنه يكره إفراد يوم الجمعة بالصوم، إلا أن يوافق عادةً له؛ فإن وصله بيوم قبله أو بعده، أو وافق عادةً له، بأن نذر أن يصوم يوم شفاء مريضه أبداً، فوافق يوم الجمعة لم يكره؛ لهذه الأحاديث.

وأما قول مالك في "الموطأ": "لم أسمع أحداً من أهل العلم والفقه، ومَنْ به يُقتدَى نهى عن صيام يوم الجمعة، وصيامه حسنٌ، وقد رأيت بعض أهل العلم يصومه، وأراه كان يتحرَّاه"؛ فهذا الذي قاله هو الذي رآه، وقد رأى غيره خلاف ما رأى هو، والسُّنة مقدَّمةٌ على ما رآه هو وغيره، وقد ثبت النهي عن صوم يوم الجمعة، فيتعيَّن القول به.

ومالكٌ معذور؛ فإنه لم يبلغه النهي. قال الداودي -من أصحاب مالك-: "لم يبلغ مالكاً هذا الحديث، ولو بلغه لم يخالفه".

قال العلماء: "والحكمة في النهي عنه: أن يوم الجمعة يوم دعاء وذكر وعبادة؛ من الغسل، والتبكير إلى الصلاة وانتظارها، واستماع الخطبة، وإكثار الذكر بعدها؛ لقول الله تعالى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا}، وغير ذلك من العبادات في يومها؛ فاستُحبَّ الفطر فيه، فيكون أعون له على هذه الوظائف، وأدائها بنشاط، وانشراح لها، والتِذَاذٍ بها من غير ملل ولا سآمة.

وهو نظير الحاج يوم عرفة بعرفة؛ فإن السُّنة له الفطر - كما سبق تقريره؛ لهذه الحكمة، فإن قيل: لو كان كذلك لم يزل النهي والكراهة بصوم قبله أو بعده؛ لبقاء المعنى؛ فالجواب: أنه يحصل له بفضيلة الصوم الذي قبله أو بعده، ما يجبر ما قد يحصل من فتور أو تقصير في وظائف يوم الجمعة بسبب صومه". أ هـ.

وقال ابن عابدين: "ثبت بالسُّنة طلبه والنهي عنه، والآخر منهما النهي؛ لأن فيه وظائف، فلعله إذا صام ضَعُفَ عن فعلها". والله أعلم.

خالد عبد المنعم الرفاعي

يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام

  • 1
  • 0
  • 12,969

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً