حكم كشف اليد في الصلاة

منذ 2012-04-23
السؤال:

ما حكم كشف اليد في الصلاة؟ وهل الأحاديث التي استدل بها الجمهور في كشف اليد كلها ضعيفة؟ وما القول الراجح؟ وإذا أخذنا بقول الجمهور، هل في ذلك إثم؟

الإجابة:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فقد اختلف أهل العلم في وجوب ستر الكفين في الصلاة:

فذهب الجمهور إلى عدم وجوب سترهما، وهو مذهب الشافعية والحنيفة والمالكية، ورواية عن الإمام أحمد، اختارها شيخ الإسلام ابن تيمية، وابن قدامة في "المغني" وغيرهما.

وذهب الإمام أحمد بن حنبل في رواية -هي المذهب- إلى أنهما عورة ويجب سترهما في الصلاة؛ قال المرداوي في "الإنصاف": "وقوله: وفي الكفين روايتان" وأطلقهما في الجامع الكبير, والهداية , والمبهج، ... إحداهما : هما عورة، وهي المذهب، وعليه الجمهور. قال في "الفروع": "اختارها الأكثر". قال الزركشي: "هي اختيار القاضي في التعليق". قال: "وهو ظاهر كلام أحمد وجزم به الخرقي". اهـ. وقال ابن النجار في "منتهى الإرادات": "والحرة البالغة كلها عورة في الصلاة إلا وجهها"، وقال البُهوتي في "كشاف القناع": والحرة البالغة كلها عورة في الصلاة, حتى ظفرها وشعرها". وهو مذهب داود الظاهري.

- احتج الجمهور بحديث خالد بن دُريك، عن عائشة رضي الله عنها قالت: "إن المرأة إذا بلغت المحيض، لم يصلح أن يُرى منها إلا هذا وهذا، وأشار إلى وجهه وكفيه" (رواه أبو داود وقال: هذا مرسل).

وأجيب: بأن إسناده منقطع؛ فخالد بن دُريك لم يدرك عائشة، قال ابن القطان: "ومع هذا فخالد مجهول الحال", وقال المنذري : "وأيضاً سعيد بن بشير - أبو عبد الرحمن البصري نزيل دمشق مولى بني نضر - تكلم فيه غير واحد؛وبالجملة فالحديث ضعيف".

- واحتجوا ثانياً: بتفسير ابن عباس وعائشة رضي الله عنهما لقوله تعالى: {وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور:31]: بالوجه والكفين.

وأجيب: بأن في إسنادهما ضعف، وبأنه قد خالفهما ابن مسعود؛ وقال: "ظاهر الزينة: هو الثياب"، وأيضاً: رُوِي عن ابن عباس أنه فسَّر الآية بالكحل والخاتم.

- واحتجوا ثالثاً: بقول النبي صلى الله عليه وسلم: "ولا تنتقب المرأة المحرمة ولا تلبس القفازين" (رواه البخاري عن ابن عمر)، قال ابن قدامة: "ولو كان الوجه والكفان عورة لما حرم سترهما".

وأجيب: بأنه يحرم سترهما بالقفازين والنقاب خاصة، بخلاف ما إذا سترتها بالكم أو الخمار أو الثوب ونحوه؛ فقد روى الداراقطني عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كنا نخرج مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ونحن محرمات فإذا لقينا الركبان سدلنا الثوب على وجوهنا سدلاً"، وروى مالك عن فاطمة بنت المنذر، أنها قالت: "كنا نخمر وجوهنا ونحن محرمات، ونحن مع أسماء بنت أبي بكر الصديق، رضي الله عنهما".

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "... فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينه إلا عن القفازين والنقاب، وكان النساء يدنين على وجوههن ما يسترهن عن الرجال، من غير وضع ما يجافيهن على الوجه؛ فعُلم أن وجه المرأة كيدي الرجل ويديها؛ وذلك أن المرأة كلها عورة كما تقدَّم، فلها أن تغطي وجهها ويديها، لكن بغير اللباس المصنوع بقدر العضو، كما أن الرجل لا يلبس السراويل، ويلبس الإزار". وقال أيضاً: "ولو غطت المرأة وجهها بشيء لا يمس الوجه جاز بالاتفاق ... لكن النبي صلى الله عليه وسلم نهاها أن تنتقب أو تلبس القفازين، كما نهى المحرم أن يلبس القميص والخف، مع أنه يجوز له أن يستر يديه ورجليه باتفاق الأئمة".

* واستدل من قال: "الكفان عورة ويجب سترهما داخل الصلاة وخارجها"، بما رواه الترمذي عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "المرأة عورة فإذا خرجت استشرفها الشيطان"، وهو يدل على أن المرأة البالغة كلها عورة, حتى ظفرها وشعرها، وأنه لا يجوز استثناء عضو منها إلا بدليل، ومع ضعف أدلة الجمهور في استثناء اليدين؛ فيجب أن تستر المرأة كفيها في الصلاة.

* أما من أخذ بقول الجمهور، فلا إثم عليه -إن شاء الله- سواء لترجحه عنده لقناعته بأدلته -إن كان ممن يميز بين الأدلة- أو تقليداً لهم، إن كان ممن لا يمكنه فهم الأدلة.

ولكن الذي يأثم هو من ينتقي من أقوال أهل العلم ما يوافق هواه، لا سيما إذا تبيَّن له ضعف ذلك القول أو مخالفته لقول النبي صلى الله عليه وسلم قال الإمام الشافعي: "واتفقوا أنه لا يحل لأحد قد استبانت له سنة من سنن النبي صلى الله عليه وسلم أن يتركها لقول أحد كائنا من كان".

وننبه الأخت السائلة إلى أن الله تعالى قد أوجب على المسلمين عند الاختلاف اتباع مسلك واحد، وهو رد الأمر إلى الله ورسوله، قال الله تعالى: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ} [الشورى:10]، وقال تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} [النساء:59] وكلمة (شيء) في الآيتين نكرة في سياق الشرط؛ فتعم الكبير والصغير، وقال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث العرباض بن سارية: "وإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً؛ فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي؛ عضوا عليها بالنواجذ"؛ فالواجب على كل مسلم قادر على فهم الأدلة عند اختلاف أهل العلم؛ أن يتبع الدليل الصحيح بفهم السلف.

أما عوام المسلمين، فالواجب عليهم اتباع وتقليد الأعلم والأروع، كما نص عليه الأصوليون في مباحث التقليد. والله أعلم.

خالد عبد المنعم الرفاعي

يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام

  • 8
  • 2
  • 63,528

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً