الأغاني والرياضة في رمضان
هل يَجُوز أن أسمع الأغاني في رمضانَ؟ وهل يَجُوز أن أشاهد الرِّياضة في رمضان؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعد:
فإنَّ سماع الأغاني على الصورة الموجودة الآن، والمُشْتَمِلَة على الدَّعْوة للْمُجُون، ووَصْف مَفَاتِن النساء، وغير ذلك - مُحَرَّم باتِّفَاق الفُقهاء، وهو مَشْهُور ومنهم الأئمة الأربعة وسواء في رمضانَ أو في غيره، وإن كانت الحُرْمَة أَشَد في رمضانَ عن غيره؛ فإنَّ الله تعالى قد حرَّم على الصائم أشياء هي مُبَاحَة في غيره من الأشهر؛ بل ومُبَاحَة في ليالي رمضان: كالأكل، والشُّرْب، والجِمَاع، فَدَلَّ على أن ارتكاب الحَرَام أشد إثمًا في رمضان عن غيره.
وأيضًا، فإن الغناء لا يخلو -في غالب الأمر- من المُوسِيقَى، وسماعها مُحَرَّم في قول عامة أهل العلم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "ليَكُونَنَّ في أُمَّتِي أقوامٌ يَسْتَحِلُّونَ الْحِرَ - أي الفَرْج المُحَرَّم – والحَرِير، والخمر، والمَعَازِف"؛ رَواه البُخَارِيّ في صحيحه مُعَلَّقًا، ووصله أبو داود وغيره، وهو حديث صحيح صَحَّحَهُ جَمْعٌ من الحُفَّاظ.
ولمزيد فائدة راجع الفتاوى على هذه الروابط:
• الرقص للزوج على أنغام الموسيقى.
• حكم مشاهدة الأفلام والمسلسلات والفيديو كليب.
أما إذا خَلَتِ الأغاني من الألفاظ والمعاني المُحَرَّمَة، ولم يَصْحَبْها مُحَرَّم؛ كالآلات الموسيقيَّة؛ والاختلاط؛ ونحوه - فقد اختلف فيها الفُقَهاءُ على ثلاثة أقوال:
الأول: التحريم مُطْلَقًا؛ وذهب إليه بعض الحنفيَّة، وبعض الحنابلة.
الثاني: الكَرَاهَة؛ وذهب إليها الشافعيَّة.
الثالث: الإباحة؛ وذهب إليها المالكية، وبعض الحنفية، وبعض الحنابلة، وهذا القول هو الراجح -إن شاء الله– بشرط ألا تكون المغنية امرأة بالغة؛ لأن المرأة الكبيرة يحرم عليها التكسر في الكلام أو ترخيمه وغيرها مما تفعله المغنيات؛ وقد رخص النبي صلى الله عليه وسلم للجواري في الغناء في العِيد، والجارية هي المرأة التي دون البلوغ، كما في حديث عائشة رضي الله عنها: "كانت عندي جاريتان تُغَنِّيَان، فدخل أبو بكر فقال: مِزْمَارُ الشيطان في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " " (متفق عليه).
ولا شَكَّ أن سماع الغناء المُحَرَّم يُؤَثِّرُ في الصيام من حيث إنقاص أجره؛ لأنَّ سماع ذلك يتنافى مع الحِكْمَة التي شُرِعَ من أجلها الصيام، حيث قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 183].
ففي الآية بيانُ أهم مقاصد الصيام هو تحصيل تقوى الله سبحانه كما بين الرسول صلى الله عليه وسلم أنَّ الصَّوْم جُنَّة؛ أي وِقَاية للصائم من المعاصي في الدنيا بكسر الشهوة، وحِفْظ الجَوَارح، ووقاية له من النار في الآخرة؛ وذلك في قوله صلى الله عليه وسلم: "الصِّيَام جُنَّة، فإذا صام أحَدُكُمْ فلا يَرْفُثْ ولا يَجْهَلْ" (رواه البخاري ومسلم).
وقال جابر بن عبدالله رضي الله عنه: "إذا صُمْتَ فلْيَصُمْ سمعُكَ، وبَصَرُك، ولسَانُك عَنِ الكَذِب والمَحَارِم"، ومن صيام السمع صَوْنُه عن سماع المُحَرَّمَاتِ والمُنْكَرَات..... إلخ.
وبناءً على ما تقدم نقول: إن من استمع إلى الأغاني في نهار رمضان فعليه بالتوبة، وكثرة الاستغفار، ولا يُفْطِر بذلك، ولا يَبْطُلُ صيامه.
أما بالنسبة لمُشَاهدة المباريات الرياضية، فيجوز إذا انْضَبَطَتِ المُشَاهدة بعِدَّة ضوابط، وهي:
1- أن يكون المُتَبارُونَ رجالاً .
2- أن يكونوا ساترين لعَوْرَاتِهِمْ.
3- ألا يَشْغَلَه ذلك عن فَرْض كالصلاة، أو بِرٍّ للْوَالِدَيْن، أو طاعة حَضَر وقتها.
4- ألا يَصِلَ ذلك إلا حَدِّ التَّعَصُّب لفريق بحيث يُؤَدِّي إلى بُغْض، أو عداء للفريق الآخر.
5- ألا يَجُرَّهُ ذلك إلى التَّفَوُّهِ بما يُغْضِبُ الله تعالى مِنْ سَبٍّ، أو قَذْفٍ، أو نحو ذلك.
6- ألا يَتَحَوَّل ذلك إلى مَلْهَاةٍ يَنْقَطِع لها، ويُنْفِق فيها ساعات عمره، فإن ذلك يُفْسِدُ على المرء قلبه وعقله، ويَغُضُّ من قَدْرِه عند عُقلاء الناس.
ولا رَيْب أن الشَّرْع رخصة وعزيمة، وقد قيل: "رَوِّحُوا القلوب تَعِ الذِّكْر"، والترويح من الرُّخَص المشروعة ما لم تَتَعَدَّ طَوْرَهَا، وتصبح غاية في حد ذاتها؛ كما سبق بيانه في فتوى الترويح عن النفس.
واعلم أن المُسلم يجب أن يحفظ وقته، وأن يَشْغَل نفسه بما يَعُود عليه بالنفع في الدنيا والآخرة؛ قال صلى الله عليه وسلم: "نِعْمَتَان مَغْبُونٌ فيهما كثير من الناس: الصحة؛ والفراغ" (رواه البخاري).
والمسلم مسؤول يوم القيامة عن ذلك، قال صلى الله عليه وسلم: "لا تزول قَدَمَا عبد يوم القيامة حتى يُسْأَلَ عن أربع .. ومنها: وعن شبابه فيما أبلاه، وعن عُمُره فيما أَفْنَاه" (رواه الترمذي).
فالعبد يُسْأَلُ عن عُمُره بصفة عامة، وعن شبابه بصفة خاصة، وهذا يَنْطَبِق على أي شيء يمكن أن يعمله الإنسان في حياته،، والله أعلم.
- التصنيف:
- المصدر: