بيع وشراء الذهب بالتقسيط
خالد عبد المنعم الرفاعي
- التصنيفات: الربا والفوائد -
هل يجوز بيع أو شراء الذهب بالتقسيط؟ وما العلة؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فإنه لا يجوز بيع وشراء الذهب بالتقسيط؛ لأن الذهب والأوراق النقدية من الأصناف الربوية، وهما -وإن كانا جنسين مختلفين- إلا أنهما اتَّحَدا في العلَّة الرِّبويَّة، وهي (الثَّمَنِيَّة)؛ إذاً فلابد من مراعاة قواعد الصَّرْف فيهما؛ ومنها القبض قبل التفرق؛ "يدًا بيدٍ".
ومن القواعد المقررة في الفقه: أنه في الجنس الرِّبويِّ الواحد، يحرم التَّفاضُل و(النَّسَاء)، فإن كان البيع ذهباً بذهب؛ فلابد أن يكون مِثْلاً بمِثْل، ويداً بيد.
أما في الجنسين المختلفين – كالذهب والفضة والنقود– فيجوز التَّفاضُل، ويَحْرُمُ (النَّسَاءُ)، فإن كان البيع ذهباً بفضَّة، أو ذهباً بنقود ورقية أو غيرها؛ فلابد من (التَّقابُض) في مجلس العَقْد بين البائع والمشتري، دون تأخير شيء من الثمن أو المثمن، وإلا كانت المعاملة من قبيل ربا النسيئة المجمع على تحريمه، وإن كان يجوز التفاضل؛ وذلك للأحاديث الكثيرة في ذلك، ومنها:
- ما ثبت في "الصحيحين" من حديث البَرَاء وغيره، قال: سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصَّرْف؛ فقال: "إن كان يداً بيدٍ فلا بأس، وإنكان نَسَاءً فلا يصحُّ".
- ولما في "الصحيحين" -أيضاً- من حديث أبي سعيد رضي الله عنه قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تبيعوا الذهب بالذهب؛ إلا مِثْلاً بمِثْلٍ، ولا تُشِفُّوا بعضها على بعض، ولا تبيعوا منها غائباً بناجِزٍ". وفي لفظٍ: "الذهبُ بالذهب، والفضَّةُ بالفضَّة، والبُرُّ بالبُرّ، والشَّعير بالشَّعير، والتَّمر بالتَّمر، والمِلْحُ بالمِلْح، مِثْلاً بمِثْلٍ، سواءً بسواءٍ، يداً بيدٍ، فإذا اختلفت هذه الأصناف؛ فبيعوا كيف شئتم، إذا كان يداً بيدٍ" (رواه مسلمٌ).
وقال ابن هُبَيْرَةُ في "الإفصاح": "أجمع المسلمون على أنه لا يجوز بيع الذهب بالذهب منفرداً، والوَرِقُ بالوَرِقِ منفرداً، تِبْرها ومَضْروبها وحُلِيّها؛ إلا مِثْلاً بمِثْلٍ، وَزْناً بوَزْنٍ، يداً بيدٍ، وأنه لا يُباع شيءٌ منها غائبٌ بناجزٍ".
وقال الشيرازي في "المهذب": "فأما ما يَحْرُم فيه الرِّبا؛ فيُنظر فيه:
فإن باعه بجنسه: حَرُمَ فيه التَّفاضُل والنَّسَاءُ والتَّفَرُّقُ قبل التَّقابُض؛ لما روى عُبَادةُ بنُ الصَّامِت، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الذَّهبُ بالذَّهب، والفضَّةُ بالفضَّة، والتَّمرُ بالتَّمر، والبُرُّ بالبرّ، والشَّعيرُ بالشَّعير، والمِلْحُ بالمِلْح، مِثْلاً بمِثْلٍ، يداً بيدٍ, فإذا اختلفت هذه الأصناف؛ فبيعوا كيف شئتم, إذا كان يداً بيدٍ".
فإن باعه بغير جنسه: نظرتَ، فإن كان مما يُحَرَّمُ الرِّبا فيه لعلَّة واحدة -كالذهب والفضة والشعير والحِنْطة- جاز فيه التَّفاضُل، وحَرُمَ فيه النَّسَاءُ والتَّفَرُّقُ قبل التَّقابُض؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "فإذا اختلفت هذه الأصناف؛ فبيعوا كيف شئتم، إذا كان يداً بيدٍ".
وقال النَّوويُّ في "المجموع": "الحُكْم الثاني: تحريم النَّسِيئَة، وهو حرامٌ في الجنس، والجنسين، إذا كان العِوَضَان -جميعاً- من أموال الرِّبا، كالذَّهب بالذَّهب, والذَّهب بالفضَّة، والحِنْطَة بالحِنْطَة، والحِنْطَة بالتَّمر، وذلك مُجمعٌ عليه بين المسلمين، وممن نقل الإجماع عليه صريحاً: الشيخ أبو حامد، ونقل جماعةٌ عدم الخلاف فيه؛ فقال أبو محمد بن حزم في كتاب "مراتب الإجماع": واتفقوا أنَّ بيع الذَّهب بالذَّهب بين المسلمين نَسِيئةً حرامٌ، وأن بيع الفضَّة بالفضَّة نَسِيئةً بين المسلمين حرامٌ... ومن الأدلة على التَّحريم في ذلك الأحاديثُ المتقدمة؛ كحديث أسامة، وحديث البَرَاء، وزيد بن أَرْقَم، وحديث أبي سعيد الخُدْرِيّ".
ومما سبق يتبين أن العِلة من تحريم بيع وشراء الذهب بالتقسيط أن النقود والذهب جنسان ربويَّان؛ فيُشتَرَط فيهما: التَّقَابُض في مجلس البيع، وإلا كان من باب ربا النَّسِيئَة المُجمَعِ على تحريمه.
وأما بيع أو شراء الذهب بذهبٍ، فالعلةُ في المنع أنه جنسٌ ربويٌ واحدٌ، يُشترط فيه: التُّقَابُض في المجلس، مع التساوي في المقدار،، والله أعلم.