خطأ جراحي أدى إلى الوفاة

منذ 2012-05-10
السؤال:

زوجتي طبيبة حصلت على شهادة الطب العام مند 3 سنوات، وهى الآن تدرس تخصص أمراض الكلى مند عامين.

في أحد الأيام جاءت مريضة مصابة بداء القصور الكلوي تبلغ من العمر 74 عاماً، وبعد الكشف والتحاليل تبيَّن أن كليتيها قاصرتان، ولابد من إخضاعها للتصفية الاصطناعية للدم عبر جهاز خارجي.

وحتى يمكن ذلك لابد من إجراء عملية غير معقَّدة، وبدون تخدير كلي، وهذه العملية تتمثل في إدخال أنبوب دقيق داخل أحد الأوردة الدقيقة، وهذا بالاستعانة بأنبوب آخر معدني، مع العلم أن زوجتي هي من ادخل الأنبوبين، ولكن بحضور من هو أكبر منها سناً وخبرةً، وفي أثناء هذا تحركت المريضة فجأة، فتحرك الأنبوب المعدني من مكانه؛ مما أدى إلى إحداث ضرر بإحدى الأعضاء المجاورة، وهلاك المريضة على الفور. فماذا يترتب على زوجتي؟

الإجابة:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فإن مهنة الطب من فروض الكفاية، التي لا يجوز لمن لا يُحسِنُها أن يقتحمها بغير علم، ومن فعل ذلك فقد باء بالإثم، ويضمن ما أتلف من الأنفس فما دونها؛ لما رواه أبو داود، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه عن جده، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من تَطَبَّبَ ولم يُعْرَف منه طب قبل ذلك، فهو ضامن"، ومثل هذا في الإثم، والضمان: من يعالج مرضاً لا يدخل في اختصاصه.

فإذا قام طبيب بمعالجة مريض، وترتب على ذلك تلف عضو أو عاهة أو نحو ذلك، فلا يخلو هذا الطبيب من عدة أحوال:

أولاً: الطبيب الحاذق المشهود له بالكفاءة، الذي يعالج في تختصصه، وأعطى الصنعة حقها، ولم تخطئ يده، وقام بالمعالجة على الوجه الأكمل المطلوب، ولم يقصر في حق المريض، ولكن؛ تَوَلَّدَ من فعله ذلك -المأذون له فيه من جهة الشارع ومن جهة من يطببه- تلف عضو أو نفس أو ذهاب صفة: فهذا لا ضمان عليه باتفاق أهل العلم.

أما إذا أخطأت يده إلى عضو صحيح فأتلفته فهذا يضمن لأنها جناية خطأ. وكذلك إذا أخطأ في وصف الدواء فتلف بذلك عضو أو مات المريض بسببه أو قام بالمعالجة أو الجراحة بغير إذن المريض أو إذن وليه فهو ضامن ولا أثم عليه.

ثانياً: الطبيب الدَّعِيُّ على مهنة الطب، الجاهل بأصولها، ولم يُعْرَف عنه ممارسة الطب قبل ذلك من قبل أهل الاختصاص، ومثله من يعالج حالة في غير اختصاصه.

فهذا يضمن ما يترتب على علاجه، من تلف عضو أو عاهة أو أي ضرر يلحقه بالمريض؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "من تَطَبَّبَ ولم يُعلم منه طب قبل ذلك فهو ضامن" (رواه أبو داود)، فقوله: " تَطَبَّبَ "، أي: تكلف الطب ولم يكن طبيباً، أو تكلف اختصاصاً ليس له دراية به، أو له به دراية لا تؤهله إلى القيام بمعالجة مثل هذه الحالة، فهؤلاء يضمنون خطأهم وعمدهم.

قال ابن قدامة: "ولا ضمان على حَجَّام، ولا ختان، ولا متطبب، إذا عُرِفَ منهم حذق الصنعة، ولم تجن أيديهم"، وجملته أن هؤلاء إذا فعلوا ما أمروا به، لم يضمنوا بشرطين:

- أحدهما: أن يكونوا ذوي حذق في صناعتهم، ولهم بها بصارة ومعرفة؛ لأنه إذا لم يكن كذلك لم يحل له مباشرة القطع، وإذا قطع مع هذا كان فعلاً محرماً، فيضمن سرايته، كالقطع ابتداء.

- الشرط الثاني: أن لا تجني أيديهم، فيتجاوزوا ما ينبغي أن يقطع فإذا وجد هذان الشرطان. لم يضمنوا ; لأنهم قطعوا قطعا مأذونا فيه، فلم يضمنوا؛ سرايته، كقطع الإمام يد السارق، أو فعل فعلا مباحا مأذونا في فعله، أشبه ما ذكرنا.

فأما إن كان حاذقا وجنت يده، مثل أن تجاوز قطع الختان إلى الحشفة، أو إلى بعضها، أو قطع في غير محل القطع، أو يقطع الطبيب سلعة من إنسان، فيتجاوزها، أو يقطع بآلة كالة يكثر ألمها، أو في وقت لا يصلح القطع فيه، وأشباه هذا، ضمن فيه كله؛ لأنه إتلاف لا يختلف ضمانه بالعمد والخطأ، فأشبه إتلاف المال، ولأن هذا فعل مُحَرَّم، فيضمن سرايته؛ كالقطع ابتداء وكذلك الحكم في النزاع، والقاطع في القصاص، وقاطع يد السارق. وهذا مذهب الشافعي، وأصحاب الرأي، ولا نعلم فيه خلافا".

وقال ابن القيم في "زاد المعاد": "أقسام الأطباء خمسة:

- أحدها: طبيب حاذق أعطى الصنعة حقها، ولم تجن يده، فتولد من فعله المأذون فيه من جهة الشارع ومن جهة من يطِبُّه، تلف العضو أو النفس أو ذهاب صفة، فهذا لا ضمان عليه اتفاقاً فإنها سِرَايَةُ مأذون فيه.

- القسم الثاني: مُطِبِّب جاهل باشرت يده من يطبَّه فتلف به، فهذا إن علم المجني عليه أنه جاهل لا علم له، وأذن له في طِبِّهِ، لم يضمن، ولا تخالف هذه الصورة ظاهر الحديث؛ فإن السياق وقوة الكلام يدل على أنه غرَّ العليل وأوهمه أنه طبيب، وليس كذلك، وإن ظن المريض أنه طبيب وأذن له في طبه لأجل معرفته ضمن الطبيب ما جنت يده، وكذلك إن وصف له دواء يستعمله والعليل يظن أنه وَصَفَهُ لمعرفته وحذقه؛ فتلف به ضمنه، والحديث ظاهر فيه أو صريح.

- القسم الثالث: طبيب حاذق أُذِنَ له، وأعطى الصنعة حقها، لكنه أخطأت يده، وتعدت إلى عضو صحيح فأتلفه، مثل أن سبقت يد الخاتن إلى الكمرة، فهذا يضمن لأنها جناية خطأ.

- القسم الرابع: الطبيب الحاذق الماهر بصناعته اجتهد فوصف للمريض دواء فأخطأ في اجتهاده فقتله فهذا يخرج على روايتين إحداهما: أن دية المريض في بيت المال. والثانية أنها على عاقلة الطبيب وقد نص عليهما الإمام أحمد في خطأ الإمام والحاكم.

- القسم الخامس: طبيب حاذق أعطى الصنعة حقها؛ فقطع سلعة من رجل أو صبي أو مجنون بغير إذنه، أو إذن وليه، أو ختن صبياً بغير إذن وليه؛ فتلف؛ فقال أصحابنا: يضمن؛ لأنه تولَّد من فعل غير مأذون فيه، وإن أذن له البالغ أو ولي الصبي والمجنون لم يضمن.

فإذا تعاطى الطب وعمله ولم يتقدم له به معرفة، فقد هجم بجهله على إتلاف الأنفس، وأقدم بالتهور على ما لم يعلمه؛ فيكون قد غرر بالعليل فيلزمه الضمان لذلك، وهذا إجماع من أهل العلم" انتهى باختصار.

ومما سبق يتبين أن زوجتك الطبيبة لا ضمان عليها؛ لأنها أدت ما عليها من إدخال الأنبوب الدقيق داخل الوريد وإنما الخطأ نتج من تحرك المريضة فجأة؛ مما نتج عنه تحرك الأنبوب المعدني، وإحداث ضرر ثم وفاة المريضة،، والله أعلم.

خالد عبد المنعم الرفاعي

يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام

  • 0
  • 0
  • 34,097

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً