آخر الدواء الكي
خالد عبد المنعم الرفاعي
- التصنيفات: استشارات تربوية وأسرية -
أشكو زوجتي وأم أولادي الاثنين، الكثير والكثير من الأفعال التي لم أعد أطيقها تحدث منها؛ التعصُّب الزَّائد، وسوء الخُلُق معي ومع الأولاد، طلبها المستمرّ للطَّلاق، شكاويها المتكرِّرة في غير محلِّها، وإفشائها أسرار زوجها وخصوصيَّاته كافرة العشير، بل إنها تفضحني أحيانًا.
إن زوجتي تنسى المعروف؛ بل تُنكره أحيانًا، وتدعو عليَّ ألاَّ يبارك لي الله في عملي!! وهكذا حتى صار جو الاكتئاب هو الجو السائد في المنزل.
فكرت في الزواج بامرأة أخرى هداها الله للإسلام علي يدي؛ فأخذت رأيَ زوجتي الأولي المذكورة، لقد استأذنتها أن تسمح لي بالزَّواج منها؛ فثارت وقالت لجميع أفراد العائلة: إنني سوف أتزوَّج عاهرة!! وزاد غضبها الجم عليّ، وصارت شكواها أكثر،
لقد أصبحت حياتي معها الآن صعبة للغاية؛ فهل يجوز لي الطلاق؟ وهل أتزوج الأخت التي أسلمت والتي أريدها زوجةً لي؟ هل في ذلك شُبْهَة؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَنْ والاه، ثمَّ أما بعد:
فلقد بيَّن الله عزَّ وجلَّ أنَّ لكلٍّ من الزَّوجَيْن حقًّا على الآخَر، وأوجب على كلِّ طرفٍ الوفاءَ بهذا الحقِّ، وحقوق الزَّوج على الزَّوجة من أعظم الحقوق؛ بل إنَّ حقَّه عليها أعظم من حقِّها عليه؛ لقول الله تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} [البقرة: 228].
وعن أمِّ سَلَمَة رضيَ الله عنها قالت: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: "أيُّما أمرأةٍ ماتت وزوجها عنها راضٍ - دَخَلَتِ الجنَّة" (أخرجه التِّرمذي وحسَّنه).
وقال صلَّى الله عليه وسلَّم: "لو كنتُ آمِرًا أحدًا أن يسجد لأحدٍ؛ لأمرتُ المرأةَ أن تَسْجُدَ لزَوْجها" (أخرجه التِّرمذي).
وقال صلَّى الله عليه وسلَّم مبيِّنًا مسؤولية الزَّوْجة تجاه زوجها وبيتها، من الطاعة والحفظ والإحسان: "والمرأة راعيةٌ على بيت زوجها ووَلَدِه؛ فكلُّكم راعٍ، وكلُّكم مسؤولٌ عن رعيَّته" (متَّفقٌ عليه).
فإذا تقرَّر هذا؛ فليُعْلَم:
إن هذه الزَّوجة التي ورد السؤال عنها قد ارتكبت إثمًا عظيمًا، وقارَفَت ذنبًا جليلاً، وهذه الأعمال التي تقوم بها من أعظم المحرَّمات عند الله تعالى؛ لأنَّها خالفت أمر الله جلَّ وعلا وعَصَتْ ربَّها بأذيَّتها زوجها وإهانتها إيَّاه، وبطَلَبِها الطَّلاق من زوجها دون سبب؛ فقد قال النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: "أيُّما امرأةٍ سألت زوجَها طلاقًا في غير ما بأسٍ- فحرامٌ عليها رائحة الجنَّة" (رواه أحمد وأبو داود والتِّرمذي وابن ماجه، وصحَّحه الألبانيُّ).
فينبغي لهذه الزَّوجة -غفر الله لها- المبادرة إلى التَّوبة والنَّدم، والإنابة إلى الله تعالى، والاعتذار عمَّا صَدَر منها في حقِّ زوجها.
كما ننصح الأخ السائل أن يحاول رَأْبَ الصّدع بينه وبين زوجته، وأن يصبر على أذاها، ويتحمَّل منها ما يَصْدُر عنها من أخطاء، ويحتسب الأجرَ عند الله على صبره؛ كما قال عليه الصَّلاة والسَّلام: "لا يَفْرُكُ –أي: لا يكره- مؤمنٌ مؤمنةً، إن كره منها خُلُقًا رضيَ منها آخَر" (أخرجه مسلم).
وقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: "خيرُكم خيرُكم لأهله، وأنا خيرُكم لأهلي" (رواه التٍّرمذي).
وقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: "اللَّهم إني أُحَرِّجُ حقَّ الضَّعيفَيْن: اليتيم والمرأة" (رواه ابن ماجه). ومعنى أُحَرِّجُ؛ أي: أضيِّق على الناس في تضييع حقوقهما، وأشدِّد عليهم في ذلك.
كما أنَّ الإحسان إلى المرأة، ومعاشرتها بالمعروف، والتغاضي عن هفواتها، كل ذلك مطلوبٌ ومرغَّبٌ فيه؛ ولو لم تَكُنْ مستقيمة؛ فالرَّسول صلَّى الله عليه وسلَّم يقول: "استوصوا بالنِّساء؛ فإن المرأة خُلِقَتْ من ضلعٍ، وإن أعوج ما في الضِّلْع أعلاه، فإن ذهبت تُقِيمَهُ كَسَرْتَهُ، وإن تركته لم يَزَلْ أعوجَ، فاستوصوا بالنِّساء" (متَّفقٌ عليه).
وبهذا يتبيَّن للسَّائل مدى أهمِّية الحرص على معاملة الزوجة بالمعروف، والرِّفق بها، والإحسان إليها، وأنها في الغالب لا تخلو ممَّا يكدِّر صَفْوَ الزَّوج، فهذا من طَبْعها، وعلاج ذلك هو التجاوز عنها، ونصحها برِفْق ولين، فإن كفى الوَعْظ فبها ونعمت، وإلا فقد أَذِنَ الشَّارع له في هجرها في الفراش، فإن لم يُفِدْ؛ انتقل إلى الضَّرب غير المبرِّح، وهو الذي لا يُشين ولا يكسر العظم.
وهذه الخطوات يتَّبعها معها عندما تصدر منها أيُّ مخالفةٍ له فيما تجب عليها فيه طاعته؛ قال تعالى: {وَاللاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً} [النساء: 34].
أما الطلاق؛ فهو الحلُّ الأخير الذي لا ينبغي أن يُصارَ إليه إلا عندما تُسْتَنْفَد جميع الحلول المختلفة، خصوصًا وأن هذه المرأة أصبحت ذات أولاد، ولا يخفى ما في الطلاق وتفكُّك الأسرة على الأبناء من الآثار السلبيَّة والنتائج الوخيمة، فالطلاق وإن كان مباحًا في أصله، إلا انه يكره من جهة سببه، وآخر الدواء الكي.
واعلم: إنه لا حرج عليك في أن تتزوَّج بثانية، ولا يُعتَبَر ذلك ظلمًا للأولى، حتى ولو كانت قائمة بحقوقكَ غير مفرِّطة فيها؛ إذ إن تعدُّد الزَّوجات مشروعٌ، وليس فيه أيّ شُبْهة، إلاَّ أنه لابدَّ أن تَعْدِل بين الزَّوجتَيْن في المبيت والمسكن والنفقة ونحو ذلك.
كما أنه لا عبرة شرعًا بموافقة زوجتك على زواجك من عدمه، لكن إن استطعت أن ترضيها بطريقة أو بأخرى للجمع بين المصلحتَيْن فشيءٌ طيبٌ، وإن لم يتحقَّق رضاها فليس بلازمٍ أن ترضى، وليس في هذا أدنى شبهة،، والله أعلم.