العدل بين الوالدين وبين الزوجة والأولاد
خالد عبد المنعم الرفاعي
- التصنيفات: الأدب مع الوالدين -
أسكن مع زوجتي في شقَّة، ووالداي في شقَّة أخرى، وفي المساء أعود إلى البيت من العمل، وأجلس مع الأهل أكثر ممَّا أجلس مع والديَّ، وهُما غير مخالفين بذلك، ودائمًا ما أتناول وجبات الأكْل مع زوجتِي وأولادي، وهُناك بعض الوجَبات أشتريها دون أن أشتري لوالديَّ؛ لأنهما لا يحبَّانِها، فهل أكون عاقًّا بذلك؟ مع العلم أنَّهما راضيان بكل ما قلتُه.
وهل جلْب الملابس وغيرِها لزوجتِي دون أمِّي فيه عقوق لوالديَّ؟
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:
فجزاك الله خير الجزاء؛ لحرصِك على برِّ والديْك، واللهَ نسأل أن يُخلف عليك، ويخلفك به خيرًا في ذريَّتك. ث
مَّ اعلم أنَّ الواجب عليْك تِجاه والديْك هو السَّعي إلى برِّهِما، وإدْخال السُّرور عليْهِما، وكفايتهما كفايةً تامَّة، بحيث لا يحتاجان إلى سؤالٍ، أو تطلعٍ إلى ما في أيْدي النَّاس، وهذا هو الحدّ الأدْنى من الواجب، ولا ينبغي للمسلم أن يفرِّط في هذا الحد، وما كان فوق ذلك من نفقاتٍ، فإنَّه برٌّ وصلة، وليس من الواجبات.
أمَّا الإنفاق على الزَّوجة والأوْلاد، فهو من الواجبات المسؤول عنْها الزَّوج؛ قال صلَّى الله عليْه وسلَّم: "إذا أنفق المسْلِم نفقةً على أهلِه وهو يحتسِبُها، كانت له صدقة" (رواه البخاري).
ونقل الحافِظ ابنُ حجر في "الفتح" عن المهلّب قولَه: "النَّفقة على الأهل واجبةٌ بالإجْماع، وإنَّما سمَّاها الشَّارع صدقة؛ خشيةَ أن يظنُّوا أنَّ قيامهم بالواجب لا أجْرَ لهم فيه، وقد عرفوا ما في الصَّدقة من الأجر، فعرَّفهم أنَّها لهم صدقة؛ حتَّى لا يخرجوها إلى غير الأهل إلاَّ بعد أن يكْفوهم؛ ترغيبًا لهم في تقْديم الصدقة الواجبة قبل صدقة التطوُّع"؛ "فتح الباري" (11/ 425).
وعليه؛ فلو كنتَ تسدُّ حاجة والديْك ممَّا يحتاجان إليْه، أو كان لديْهِما ما يسدّان حاجتَهما به - فلا يَجب عليك أكثر من ذلك، وما تفعله فوق ذلك، فهو من باب البر، وننصح السَّائل الكريم بأنَّه إن استطاع الجمع بين عطاء أمِّه والنَّفقة الواجبة عليه لزوجتِه وأولاده، يكن ذلك خيرًا، وإلاَّ فلا بأْسَ عليه في فعل ما ذكرَه في السؤال، من إحضار بعض الأشياء لزوجتِه وأولاده دون أمِّه، طالما أنَّها ليست في حاجة إليه.
وراجع فتوى: "وجوب بر الوالدين وإيثارهما على من سواهما"،، والله أعلم.