حضانة الأم المتزوجة
هل في الشَّريعة الإسلاميَّة يَحقُّ للأب أخذ حضانة البنت إذا تزوَّجت أمُّها، علمًا أنَّ الأب كان طلاقُه حرامًا وظالمًا، والبنت لم تعش أبدًا معه؟
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:
الأمّ أحقّ بحضانة أبنائها قبل سن السَّابعة، ما لم تتزوج، فينتقل الحقُّ لِمن يليها؛ لما روى أحمد (6707) وأبو داود (2276) عن عبدالله بن عمرو: أنَّ امرأةً قالت: يا رسول الله، إنَّ ابني هذا كان بطني له وعاءً، وثدْيي له سقاء، وحِجْري له حواء، وإنَّ أباه طلَّقني وأراد أن ينتزِعَه منّي، فقال لها رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم: "أنتِ أحقُّ بهِ ما لم تنكِحِي" (والحديث حسَّنه الألباني في صحيح أبي داود).
قال في "مطالب أولي النهى": "ولا حضانة لامرأةٍ متزوِّجة بأجنبي من محضون، ويُوجد غيرها لقولِه صلَّى الله عليه وسلَّم: "أنت أحق به ما لم تنكِحي"، ولأنَّها تشتغل عن الحضانة بحقِّ الزَّوج فتسقط حضانتها". اهـ.
ويستمرُّ ذلك الحق حتَّى يميّز الطفل ويعقل، ثمَّ بعد ذلك إن تنازع أبواه أيّهما يأخذه، وكانا متساوِيَين في أهليَّة الحضانة، من حيث الدّيانةُ والصيانة، والقيام بشؤون المحْضون؛ لأنَّ مقصود الحضانة هو حِفْظ الطفل ورعايته، فمَن اختار منهما صار إليه؛ وذلك لما رواه أصْحاب السُّنن من حديث أبي هريرة رضِي الله عنه: "أنَّ رسول الله صلَّى الله وعليْه وسلَّم خيَّر غلامًا بين أبيه وأمّه" (قال الترمذي: حديث صحيح).
وروى أصحاب السنن أيضًا عنه: أنَّ امرأة جاءت فقالت: يا رسول الله، إنَّ زوْجي يُريد أن يذهب بابني وقد سقاني من بِئْر أبي عنبة وقد نفعني، فقال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم: "استَهِما عليْه"، فقال زوجُها: مَن يُحاقّني في ولدي؟ فقال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم: "هذا أبوك وهذه أمّك، وخذْ بيد أيّهما شئت"، فأخذ بيد أمّه فانطلقت به"؛ (قال الترمذي: حديث حسن صحيح).
قال ابن القيّم: "التَّخْيير يستدعي التَّمييز والفهْم، ولا ضابطَ له في الأطفال، فضبط بِمظنَّته وهي السبع؛ فإنَّها أوَّل سنّ التَّمييز؛ ولهذا جعلها النَّبيُّ صلَّى الله عليْه وسلَّم حدًّا للوقْت الَّذي يؤْمَر فيه الصَّبيُّ بالصَّلاة".
ويشترط في الحاضن شروطٌ معيَّنة ومبيَّنة في الفتوى: "حكم الحضانة للناشز"، فإذا فقدت فيه أو فقد فيه بعضها، سقط حقّه في الحضانة.
وكوْن الأم متزوِّجة، فإنَّ ذلك يُسْقِط حقَّها في الحضانة قبل سنّ التَّخيير بالإجماع؛ للأحاديث السَّابقة.
فإذا بلغت البنتُ سنَّ التَّخيير وأرادت العيش مع أمِّها وهي متزوِّجة، فليس لها ذلك؛ إلاَّ إذا رضِي أبوها، ومَن له حقّ الحضانة، وكان ذلك هو الأصلح لها،، والله أعلم.
- التصنيف:
- المصدر: