علاقتي مع أبي
خالد عبد المنعم الرفاعي
- التصنيفات: الأدب مع الوالدين -
أنا شابَّة أُعانِي دائِمًا منَ المشاكل مع أبي عن غير قصد منِّي، فهل بِرَدَّة أفعالي المندفعة والمنفعلة أكون قد عصيْتُه؟ وما هي السبل لأكفِّر عن أخطائي؟
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:
فالوالدانِ مهما كانتِ الظروف يَجِبُ بِرُّهُما والإحسانُ إليْهِما، ويَحرمُ عُقوقُهُما ولو كانا كافِريْنِ، قال الله تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا . وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} [الإسراء: 23-24].
فالله عزَّ وجلَّ أمر أن يكون حالُ الولد مع والديْهِ حالَ ذِلَّة في أقواله وأفعاله وسكناته ونظره، ونَهى عن قول كلمة (أف) لَهما حالَ الشيخوخة حيثُ يصير الإنسانُ كالطِّفل، فكيف بِما هُو أعظمُ منها وأبلغُ في إيذائِهما!
وصحَّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: "ثلاثةٌ لا ينظر الله إليهِم يوم القيامة: العاقُّ لوالدَيْهِ، والمرأة المترجِّلة المتشبِّهة بالرجال، والدَّيوث، وثلاثة لا يدخلون الجنَّة: العاقُّ لوالديه، والمدمِن الخَمر، والمنَّان بِما أعطى" (رواه النسائي وأحمد والحاكم).
وروى البُخاريُّ في "الأدب المفرد" أنَّ "ابْنَ عُمر رأى رجُلاً يَطوفُ بالبيت وجعل أمَّه وراء ظهره -أي حَملها وراءَ ظهره لِعجزها عن الطواف– فقال: يا ابن عمر، أترانِي جزيتُها؟ قال: لا، ولا بزفرة واحدة".
وقال صلى الله عليه وسلم: "رغِمَ أنْف، ثُم رغِم أنف، ثم رغِم أنف، قيل: مَن يا رسول الله؟ قال: مَن أدركَ أبَوَيْهِ عِنْدَ الكِبَر: أحدَهُما أو كلَيْهِما فَلَمْ يدخل الجنة" (رواه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه).
وجعَلَ اللَّه بِرَّ الوالدين علامة على رِضاهُ سبحانه عنِ العبد؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "رِضا الرَّبِّ في رضا الوالد، وسخط الرَّبِّ في سخط الوالد" (رواه التِّرمذي والحاكم عن عبدالله بن عمرو).
وعليه؛ فالَّذي ننصَحُ به هذه الأُختَ أن تتَّقي الله وتبرَّ والدها وترفق به، وأن تُعامله بِلِينٍ وحِكمة وحسن خلق، وأن تطلب منه العفو والصفح عما بدر منها، وتعاهده على عدم العود للغضب في وجهه، وهذا هو السبيل الوحيد للتكفير عن أخطائها، ولْتعلم أنَّ كُلَّ قول أو فعل يتأذَّى به الوالدانِ فهو عُقوقٌ يحاسبك اللَّهُ عليه، حتَّى وإن كنتِ تعانين من العصبية والغضب، ولتحذري أن تكون ردات أفعالك مع والدك سببًا في غضب الجبار سبحانه عليكِ فيمكر بك عياذا بالله، فالعقوق من الذنوب التي يعجل الله عقوبتها في الدنيا فضلًا عن عذاب الآخرة؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من ذنب أَجدر أن يعجل الله تعالى لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدخر له في الآخرة من البغي وقطيعة الرحم" (رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه عن أبي بكرة، وصححه الألباني).