زكاة المال
صديقٌ أقرض آخَر مبلغًا من المال، لم يستَطِعِ المُقتَرِض ردَّ القَرْضِ، فهل يَجوزُ عدُّ هذا المبلغ من زكاة مال المُقْرِض؟
- هل تَجبُ زكاةُ المال على المال المدَّخر لضرورة شراء شقة؟
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:
فإنه لا يجوز إسقاطُ الدَّين عن المقتَرِض مع اعتباره من زكاة مال المُقرِض، وهو مذهب عامَّة أهل العلم، وذلك لأمرين:
الأول: أنَّ الزَّكاة يُشترط فيها النِّيَّة عند دفعها إلى مستحقِّيها، ومعلومٌ أنَّ النِّيَّة تسبق العمل؛ لقوله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} [البينة: 5] والزكاة من أعظم العبادات، ولِما ثبت في الصحيحَيْنِ وغيرهِما عن عمر بن الخطَّاب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّما الأعمالُ بالنِّيَّات"، والزَّكاةُ عمل، فدلَّ على أنَّ الزَّكاةَ لا تَصِحُّ إلا بِنِيَّة، أمَّا هذا المال الذي أعطيته صديقك فإنما أعطيته إيَّاه على وجه القرض لا على وجه الزَّكاة.
قال ابن قدامة في "المغني": "مذهبُ عامةِ الفُقهاءِ أن النية شرطٌ فِي أداءِ الزكاةِ، إلا ما حُكِي عن الأوزاعِيِّ أنهُ قال: لا تجِبُ لها النيةُ، لأنَّها دينٌ فلا تجِبُ لها النيةُ، كسائِرِ الديُونِ، ولِهذا يُخرِجُها ولِي اليتيمِ، ويأخُذُها السلطانُ مِن المُمتنِعِ.
ولنا قولُ النبِي صلى اللهُ عليهِ وسلم: "إنَّما الأعمالُ بِالنياتِ" وأداؤُها عملٌ، ولأنها عِبادةٌ تتنوعُ إلى فرضٍ ونفلٍ، فافتقرت إلى النيةِ كالصلاةِ، وتُفارِقُ قضاء الدينِ؛ فإِنهُ ليس بِعِبادةٍ، ولِهذا يسقُطُ بِإِسقاطِ مُستحِقهِ، وولِي الصبِي والسلطانُ ينُوبانِ عِند الحاجةِ".
والسبب الثاني: أن الزكاة فيها معنى الأخذ والإعطاء كما هو ظاهر من قوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا} [التوبة: 103]، وفي الصحيحَيْنِ عنِ ابْنِ عبَّاس رضي الله عنْهُما أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم بعثَ مُعاذًا رضي الله عنه إلى اليمن فقال: "... فأعلِمْهم أنَّ الله افتَرَضَ عليْهِم صدقةً في أموالهم، تؤخذ من أغنيائهم وتُرَدُّ على فقرائهم" الحديثَ، وإسقاط الدَينٍ ليس فيه الأخذ والإعطاء.
قال الشَّيخ العثيمين في "الشرح الممتع" عند مسألة: إبراء الغريم الفقير بنيَّة الزكاة: "إنَّه لا يُجزئُ، قال شيخُ الإسلام: بِلا نِزاع، وذلك لوجوه هي:
الأوَّل: أنَّ الزَّكاة أخذٌ وإعطاءٌ، قال تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [التوبة: 103] وهذا ليس فيه أخذ.
الثاني: أنَّ هذا بِمنزلة إخراج الخبيث من الطَّيِّب؛ قال تعالى: {وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} [البقرة: 267] ووجه ذلك أنه سيخرج هذا الدَّين عن زكاة عين، فعِندي مثلاً أربعون ألفًا، وزكاتُها ألف ريال، وفي ذِمَّة فقير لي ألف ريال، والذي في حوزتِي هو أربعون ألف ريال، وهي في يدي وتَحت تصرُّفي، والدَّين الذي في ذمة المعسر ليس في يدي.
ومعلومٌ نقصُ الدَّين عنِ العَين في النفوس، فكأنِّي أُخْرِجُ رديئًا عن جيِّد وطيِّب، فلا يُجْزِئ.
الثالث: أنَّه في الغالب لا يَقَعُ إلا إذا كان الشخص قد أيِس من الوفاء، فيكون بذلك إحياءً وإثراءً لماله الذي بيده؛ لأنَّه الآنَ سيسلم من تأدية ألف ريال، وعليه؛ فلا يجوز إسقاطُ هذا الدَّين على أنه من زكاة المال، ومَن فَعَلَ ذلِك لا تَبْرَأُ ذِمَّته من دفع زكاة ماله، ويستحبُّ له إسقاطُ هذا الدين عن المدين بنيَّة التَّخفيف والتَّيسيير، وأجره عند الله عظيم أو إنظارُه لحين ميسرة؛ لقوله تعالى: {وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} [ البقرة :280]". اهـ.
أمَّا المال المدَّخر لِشراء شقَّة فتجب فيه الزَّكاةُ إذا بلغ نصابًا بنفسه أو بما أُضيفَ إليه من أموال أخرى كالذَهَب أو عُرُوض التِجارة، وحال عليه الحول من حين بلوغه النصاب وهو 85 جرامًا من الذهب الخالص أو قيمته؛ لأنه مالٌ زكوي فيندرج تحت عموم الأدلَّة القاضية بوجوب الزكاة.
وأمَّا بعد شِراء الشَّقَّة فلا تَجِبُ الزكاة فيها إجماعًا؛ لقول النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: "ليس على المسلم في عبْدِه ولا فَرَسِه صدقة" (متَّفق عليه).
قال الإمام النوويُّ رحِمه الله: "هذا الحديث أصلٌ في أنَّ أموال الْقِنْيَة لا زكاة فيها"،، والله أعلم.
- التصنيف:
- المصدر: