صلاة التراويح للمرأة في المسجد
هل تجوز صلاة التراويح للمرأة في المسجد؟ وإذا كان زوجها غيرَ راضٍ، فما الحكم؟
الحمد لله، والصَّلاة والسلام على رسول الله، وآله وصحبه ومَن وَالاَه، وبعد:
فقد اتفق الفقهاء على مشروعية صلاة التراويح جماعة في المساجد؛ لفعله - صلى الله عليه وسلم وفعل الصحابة رضي الله عنهم من بعده، وهو عمل المسلمين من زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى يوم النَّاس هذا.
قال النووي في "المجموع": "صلاة التراويح سُنَّة بإجماع العلماء، وتَجُوز منفردًا وجماعة".اهـ.
أمَّا حضور النساء لصلاة التراويح في المسجد، فجائز، بشرط الالتزام بالحجاب الشرعي، مع أمن الفتنة، وعدم الاختلاط بالرجال، والابتعاد عن التعطر والزينة؛ لقوله تعالى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور: 31]، وقوله صلَّى الله عليه وسلم: "وليَخْرُجنَ تَفِلاتٍ"؛ أي: غير متطيِّبات؛ لئلا يحرِّكْن الرجال بطيبهن، كما يلحق بالطيب ما في معناه: كحسن الملبس، والتَّحَلِّي الذي يظهر أثره؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تمنعوا إماءَ الله مساجدَ الله" (متفق عليه)، وقال صلى الله عليه وسلم: "إذا استأذنكم نساؤكم بالليل إلى المسجد، فأْذَنوا لهن" (أخرجاه في الصحيحين أيضًا عن ابن عمر رضي الله عنهما) - وهو فعل النبي صلى الله عليه وسلم مع نسائه؛ كما روى أحمد وأصحابُ السنن عن أبي ذرٍّ قال: "صمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يصلِّ بنا حتَّى بَقِيَ سبع من الشهر، فقام بنا حتَّى ذهب ثلث الليل، ثم لم يقم بنا في الثالثة، وقام بنا في الخامسة، حتَّى ذهب شطر الليل، فقلنا: يا رسول الله، لو نَفَّلْتنا بقية ليلتنا هذه، فقال: إنَّه من قام مع الإمام حتَّى ينصرف، كتب له قيام ليلة، ثُمَّ لم يقم بنا حتَّى بقي ثلاث من الشهر، فصلَّى بنا في الثالثة، ودعا أهله ونساءه، فقام بنا حتَّى تخوفنا الفلاح، قلت له: وما الفلاح؟ قال: السحور".
وفي الصحيحين: "أنَّه صلى الله عليه وسلم أمَرَ النِّساء بالخروج إلى الصلاة يوم العيد، قالتْ أمُّ عطيَّة: يا رسول الله: إحدانا لا يكون لها جلباب، قال: لتُلبسها أختها من جلبابها".
ولكن يجب على المرأة: ألاَّ تخرج من بيت زوجها إلاَّ بإذنه؛ لتوجه الأمر إلى الأزواج بالإذن، قال النووي، تعليقًا على حديث ابن عمر السابق: "هذا وشبهه من أحاديث الباب ظاهرٌ في أنَّها لا تُمْنع المسجد؛ لكن بشروطٍ ذكرها العلماء، مأخوذةٍ من الأحاديث: وهو ألاَّ تكون متطيِّبةً، ولا متزينة، ولا ذات خلاخل يسمع صوتُها، ولا ثياب فاخرة، ولا مُختلطة بالرجال، ولا شابَّة ونحوها ممن يُفتتن بها، وأن لا يكون في الطريق ما يخاف به مفسدة ونحوها، وهذا النَّهي عن منعهن من الخروج مَحمول على كراهة التنزيه، إذا كانت المرأة ذات زوج أو سيد، ووجدت الشُّروط المذكورة، فإنْ لم يكن لها زوج ولا سيد، حُرِّم المنع إذا وُجِدت الشروط.
وقال أيضًا: يستحب للزوج أن يأذن لزوجته في شهود الجماعة في المسجد".
4هذا؛ وصلاة المرأة في بيتها أفضل؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "وبيوتهن خير لهن" (رواه أبو داود).
أمَّا إنْ كان الزوج يرفض خروج المرأة، فلا يشرع لها شهود الجماعة، ولتصلِّ في بيتها، وإن كان الزوج منهي عن منعها؛ قال أبو محمد بن حزم: "ولا يحل لولي المرأة، ولا لسيد الأَمَة منعُهما من حضور الصلاة في جماعة في المسجد، إذا عرف أنَّهن يُرِدْنَ الصلاة، ولا يَحل لَهُنَّ أن يخرجن متطيِّبات، ولا في ثياب حسان، فإن فعلت، فليمنعها".
وقال الباجي في "المنتقى": "قوله: "لا تمنعوا إماء الله مساجد الله" دليلٌ على أنَّ للزَّوج منعَهن من ذلك، وأن لا خروج لهن إلاَّ بإذنه، ولو لم يكن للرجل منع المرأة من ذلك، لخوطب النِّساء بالخروج، ولم يخاطب الرجال بالمنع، كما خوطب النساء بالصلاة، ولم يخاطب الرجال بأن لا يمنعوهن منها".
وننصح لهذا الزوج: أنْ يأذن لزوجته؛ لشهود جماعة التراويح في المسجد؛ اقتداءً بالنَّبي صلى الله عليه وسلم والصحب الكرام، وليحذرْ من مُخالفة نهي النبي عن منع النساء، وتَأَمَّلْ رعاك الله ما أخرجه البخاري ومسلم، عن نافع، عن ابن عمر قال: "كانت امرأة لعمر تشهد صلاة الصبح والعشاء في الجماعة في المسجد، فقيل لها: لِمَ تَخْرجين، وقد تعلمين: أنَّ عُمَرَ يكره ذلك ويغار؟ قالت: وما يمنعه أن ينهاني؟ قال: يمنعه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تمنعوا إماء الله مساجد الله""،، والله أعلم.
- التصنيف:
- المصدر: