من أكل وجامع بعد الأذان ظنًّا منه عدم طلوع الفجر
في أول أيام رمضان بحثت عن مواعيد الفجر في رمضان، فوجدت على الإنترنت تقويمًا مكتوبًا بأن أذان الفجر الساعة 4:30، وقبل الفجر بساعة 3:30 مارسنا أنا وزوجي الجماع، وتسحرنا وأمسكنا 4:15، وفي اليوم التالي اكتشفت أن أذان الفجر الساعة 3:30، وليس 4:30؛ أي: أننا مارسنا الجماع، وأكلنا بعد أذان الفجر، جهلًا، فهل يصح الصيام؟ أم علينا قضاؤه والكفارة؟ أم ينطبق علينا حكم الأكل والشرب سهوًا؟ وإذا وجبت الكفارة، فهل نستطيع إطعام ستين مسكينًا بدلًا من الصوم؟
الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ ومن والاهُ، أمَّا بعدُ:
فمن أكل أو شرب أو جامع ظانًّا عدم طلوع الفجر، ثم تبيَّن له خطؤه، فلا إثم عليه، وليس عليه قضاء ولا كفارة؛ لأن القضاء والكفارة إنما تجبا في حال العامد الذاكر لصومه، أما الجاهل والمخطئ والناسي فمعذورون.
قال تعالى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [الأحزاب: 5].
وقال تعالى: {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} [البقرة: 286]، وفي صحيح مسلم أنَّ الله أجاب هذا الدعاء، قال سبحانه: ((قد فعلت)).
ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: "رُفع عن أمتي الخطأُ والنسيانُ وما استكرهوا عليه" (رواه ابن ماجه وابن حبان وغيرهما).
وروى البخاري، عن هشام بن عروة، عن فاطمة، عن أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما قالت: "أفطرنا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم يومَ غَيْمٍ، ثم طلعت الشمس، قيل لهشام: فأُمِروا بالقضاء؟ قال: لا بُدَّ من قضاء، وقال معمر: سمعت هشامًا: لا أدري أقضوا أم لا".
وفي "الصحيحين" عن عدي بن حاتم رضي الله عنه قال: لما نزلت {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ}، عمدت إلى عقال أسود وإلى عقال أبيض، فجعلتهما تحت وسادتي فجعلت أنظر في الليل، فلا يستبين لي، فغدوت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت له ذلك، فقال: "إنما ذلك سواد الليل وبياض النهار". وفيهما عن سهل بن سعد قال: أنزلت {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ} ولم ينزل {مِنَ الْفَجْرِ}، فكان رجال إذا أرادوا الصوم ربط أحدهم في رجله الخيط الأبيض والخيط الأسود، ولم يزل يأكل حتى يتبين له رؤيتهما، فأنزل الله بعد {مِنَ الْفَجْرِ}، فعلموا أنه إنما يعني الليل والنهار.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "... والذين أكلوا في رمضان حتى يتبين لأحدهم الحبل الأبيض من الحبل الأسود، لم يأمرهم بالقضاء وكانوا قد غلطوا في معنى الآية فظنوا أن قوله تعالى: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ} هو الحبل فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنما هو سواد الليل وبياض النهار"، ولم يأمرهم بالقضاء".
لكن في حالتكما شيْ من الغرابة, فإن كنتما أخطأتما في معرفة الوقت, ألم تسمعا الأذان؟! اللهم إلا إن كنتما في بلد لا يؤذن فيها!
وعموماً: فمما تقدم يتبين أنه لا قضاء عليكما ولا كفارة إن كنتما اجتهدتما وأخطأتما من غير تفريط, أما إن كان هناك تفريط منكما بأن كان هناك من يؤذن عندكم مثلاً ولم تلتفتوا لأذانه, أو غير ذلك من التفريط, فإن عليكما الكفارة, وهي صيام شهرين متتابعين عن كل يوم حصل فيه الجماع, فإن كنتما عاجزين عن الصيام فأطعما ستين مسكيناً عن كل واحد منكما,, والله أعلم.
- التصنيف:
- المصدر: