الكفارة والقضاء

منذ 2012-08-14
السؤال:

ما هي الكفارة والقضاء؟

الإجابة:

الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:

فالكفَّارة في اللغة: مأخوذة من الكَفْر وهو الستْر؛ لأنَّها تغطِّي الذَّنب وتستره، فهي اسم من كفَّر الله عنه الذَّنب؛ أي: مَحاه؛ لأنَّها تكفِّر الذَّنب، وكأنَّه غطَّى عليه بالكفَّارة.

قال في "التَّهذيب": سمِّيت الكفَّاراتُ كفَّاراتٍ لأنَّها تكفِّر الذنوب؛ أي: تستُرها، وقد بيَّنها الله تعالى في كتابه، وأمر بها عباده.

وفي الاصطِلاح: النَّووي -بعد ذكره التعريف اللغوي-: ثمَّ استُعْمِلت فيما وجِد فيه صورة مُخالفة أو انتِهاك، وإن لَم يكن فيه إثم، كالقتل خطأً وغيره، اهـ.

والكفَّارة: ما كفِّر به من صدقةٍ، أو صومٍ، أو نحو ذلك.

والكفَّارات خمسٌ: كفَّارة اليمين، وكفَّارة الظِّهار، وكفَّارة القتْل، وكفَّارة الجماع في نَهار رمضان، وكفَّارة الإفطار المتعمَّد في رمضان بغيْر الجِماع، وهذا النَّوع قد اختَلفَ فيه العُلماءُ، وسنبيِّن الخلاف في موضِعه إن شاء الله.

فأمَّا كفَّارة اليمين، فهي أحدُ أمور:
1 - إطعام عَشَرَةِ مساكينَ من أوسط ما تَطْعَم أنتَ وأهلُك مِنْهُ، ولذلك عِدَّة صُور:
منْها: أن تُعطِي كُلَّ واحدٍ منهُم نصف صاع من غالبِ قُوت أهْلِكَ.
ومنها: أن تُغَدِّيهم أو تُعَشِّيهم حتَّى يَشْبَعُوا.


2 - كسْوة عشرةِ مساكينَ؛ يُعطى كُلُّ واحدٍ منهم ثوبًا.


3 - عِتق رقبةٍ، عبدًا كان أو أَمةً.

وهذه الأمورُ الثَّلاثة على التخيير، يَفعَلُ الحانِثُ أيَّها شاء.


4 - صيامُ ثلاثة أيَّام: إن عَجَزَ الحانثُ عن الإطْعام أوِ الكِسوة أوِ العتق فورًا، وجبَ عليْه الصيام، فإنْ كان عليه أيْمانٌ مُتَعدِّدة، وكان قادرًا على الإطعام، أو الكسوة، أوِ العِتْق على الفور، عن بعضها دون بعض - تَعيَّن عليه الإطعامُ أو الكسْوة أو العِتْق فيما كانَ قادرًا عليْهِ، وتعيَّن عليه الصيام عما كانَ فيه غيرَ قادرٍ على الإطعامِ، أوِ الكسوة، أوِ العِتق.

قال تعالى: {لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ} [المائدة: 89].
وقَدْ ذهَبَ جُمهورُ العُلماء إلى: أنَّه لا يجوزُ تأخيرُ كفَّارة اليمين، وأنَّها تجِبُ بِالحنْث على الفوْرِ؛ لأنَّه الأصل في الأمر.

- وأمَّا كفَّارة الظِّهار، فهي:
عتْقُ رقبةٍ، فإن لم يجد، فصيامُ شهريْن مُتتابعَين، فإن لم يستطِعْ، فإطعام ستين مسكينًا، كل ذلك قبل أن يتماسا؛ أي قبل أن يجامعها.

والخِصال في كفَّارة الظِّهار مرتَّبة، بمعنى: أنَّه لا يَجوزُ له أن ينتقِل إلى الصِّيام إلا إذا عجَز عن الرَّقبة، ولا ينتقِل إلى الإطْعام إلا إذا عجَز عن الصِّيام؛ قال تعالى في الظِّهار: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ . فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً} [المُجادلة: 3، 4].

- وأمَّا كفَّارة القتْل، فهي عتْقُ رقبةٍ، فإن لم يَجِدْ، فصيام شهرَين متتابعين، وليس فيه إطْعام؛ ودليلُ ذلك قوْل الله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا} [النساء: 92].

وكفَّارة القتْل واجبة في القتْل الخطأ، وأمَّا القتْل العمد: فاختُلف فيه: فأوجب الكفَّارةَ فيه الشَّافعيَّة، وهو رواية عن أحْمد، وإليه ذهب الزُّهري، وذهب آخرون إلى أنه لا كفارة فيه. وأمَّا كفَّارة الجماع في نَهار رمضان، فهي ككفَّارة الظِّهار؛ وللمزيد راجع: "كفارة الجماع في رمضان ومقدارها وحكم العقيقة"، و: "كفارة الجماع في نهار رمضان". 

- أمَّا كفَّارة الإفطار المتعمَّد في رمضان بغيْر الجِماع، فقدِ اختلف العُلماءُ في ذلك، فذَهَب الجُمهور إلى: أنَّه ليس فيه كفَّارة، وهذا هو الصَّحيح؛ واستدلُّوا بأنَّ النَّبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - لَم يأمُرْ بِها غير المُجامع.

واستدلُّوا أيضًا بِحديث أبي هريرةَ: أنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: "منِ استقاء عمدًا، فليقْضِ" (رواه الترمذي، وأبو داود، وابنُ ماجه)، فأمر مَن أفطر عمدًا بالقيْء بالقضاء، ولم يأمُره بالكفَّارة.

وذهب المالكيَّة إلى: أنَّ الكفَّارة تلزم مَن أفطر في رمضان بِرَفْع النية، أو بأكلٍ، أو شربٍ، أو استمناء؛ واستدلُّوا بِما في "الموطَّأ" من حديث أبي هُريْرة رضِي الله عنْه: أنَّ رجُلاً أفطر في رمضان، فأمره النبي صلَّى الله عليه وسلَّم أن يكفِّر بعِتْق رقبة، أو صيامِ شهْرين مُتتابِعين، أو إطعام ستِّين مسكينًا، وأجاب عنْه الجمهور: بأنَّه في رواية الصَّحيحين: أنَّ هذا الرَّجُل أفطر بِجماع، فرواية "الموطَّأ" مُطلقة، ورواية الصحيحَين مقيَّدة.

أما القضاء: فهو فعل العبادة في غير وقتها المحدد شرعًا، وهو واجب في العبادات التي ليس وقتها محددًا، أي لها وقت بداية وليس لها وقت نهاية، كالزكاة، واختلفوا في قضاء العبادات المحددة الطرفين كالصلاة والصيام، والراجح والله أعلم أن القضاء يفتقر إلى أمر جديد؛ فالأمر بالأداء ليس أمرًا بالقضاء على الراجح، ويراجع: "حكم قضاء الصلاة التي تُركت عمدًا"، "قضاء الصيام عن المتوفى"،، والله أعلم.

خالد عبد المنعم الرفاعي

يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام

  • 45
  • 17
  • 91,424

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً