الشرط الجزائي
أنا في المَمْلكة العربيَّة السُّعوديَّة، مقيم فيها ومتزوِّج، ولكِنْ عِنْدي كفيلٌ مُلتزِم ومطوّع، وخطيب جامع وإمام، ويُصْلِح بيْن النَّاس، ورئيس جَمعيَّة تَحفيظ القُرآن، وطلبتُ منه خروجًا نِهائيًّا؛ وحيثُ إِنَّنا قدِ اتَّفقْنَا في العقْدِ على: أنَّه في حال عدم استِمْرار الطَّرَفِ الثَّانِي لدى الطَّرف الأوَّل، فإنَّهُ يدفَعُ عن كُلِّ شهرٍ قضاهُ معه 1000 ريال، وأنا راتِبِي 1500 ريال سعودي، فهل هذا جائزٌ في الشرع؟ وهل سوف تَحكُم له المحكمة بذلك؟
أفتوني، أثابكم الله -يا شيخ- فكيْفَ الخَلاصُ من هذا الرجُل السوء؟
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:
فإنَّ الصورةَ المذكورةَ في العَقْدِ المُبْرَم بيْن الكفيل ومَكفولِه في سؤالِ السَّائل - هو ما يُعْرَف عند أَهْلِ العِلْم بـ"الشَّرط الجزائي"، وهُو من الاصطِلاحات الحديثة، وهو اتِّفاق المُتعاقِدين في ذات العقد أوْ في اتِّفاقٍ لاحق، ويُشْتَرط أن يَكونَ ذلك قبلَ الإِخْلال بالالْتِزام على مقدارِ التَّعْويض، الذي يستحقُّه الدَّائن عند عدَم قيامِ المَدين بتنفيذِ التِزاماتِه أو تأخير ما في ذِمَّتِه.
وقد أوْجَب الوفاءَ به أكثَرُ العُلماء المعاصرين، وقالوا بترتُّب أثرِه عليه من حيثُ المالُ المشروط.
فقد نصَّ الحنابلةُ في كتاب البيوع على: أنَّ مَنِ اشْتَرى شيئًا، ودَفَعَ بَعْضَ ثَمنِه، وأجَّل دَفْعَ الباقي، واشْتَرَطَ عليه البائعُ: أنَّه إن لَم يَدْفَعْه عند حلول الأجَل، يُصْبِحْ ما عُجِّل من الثَّمن مِلْكًا للبائع - صحَّ هذا الشَّرْطُ، وترتَّب عليه أثَرُه.
والقاعدةُ عند الأكْثَرِ: أنَّ الأصْلَ في الشُّروط في العُقود الجَوازُ؛ إلا شرطًا أحلَّ حرامًا، أوْ حرَّم حلالاً، وإلاَّ ما وردَ الشَّرعُ بتحْريمِه بِخُصوصِه، واحتجُّوا بقولِه صلَّى الله عليْه وسلَّم: "المُسْلمون على شروطِهم" (أخرجه أبو داود، وصحَّحه الألباني).
قال الخطَّاب المالكي: "الزَّوجة إذا اشترطَتْ على زوجِها في عقْدِ النِّكاح: أنَّه إذا تزوَّج عليْها يُلْزَمُ بدفْعِ مبلغِ كذا من المال إليْها، صحَّ الشَّرط، ووَجَبَ الوفاءُ به، وإن تزوَّج عليْها لزِمَه دفْعُ المال المشروطِ إليْها".
وهذا صريحٌ في اعْتِباره للشَّرط الجزائي، ووُجُوبِ دفْعِ المال المشروط لِصاحِب الشَّرط، عند عدَم الوفاء به.
وعليْه؛ فما دام الطَّرفانِ قدِ اتَّفقا على الشَّرط الجزائيِّ في العقد، فلِلْكفيلِ المُطالبةُ بـ 1000 ريال؛ نظيرَ كلِّ شهرٍ قضاهُ مكفولُه عنده.
ولمزيدِ فائدةٍ يُرجَى مراجعةُ بَحث: "الشرط الجزائي" لهيئة كبار العلماء.
أمَّا ما ستَحْكُم به المحكمةُ بِهذا الصَّددِ فلا عِلْمَ لنا به،، والله أعلم.
- التصنيف:
- المصدر: