أسئلة عن مؤخر الصداق

خالد عبد المنعم الرفاعي

  • التصنيفات: فقه الزواج والطلاق -
السؤال:

أسألُ عن كيفيَّة إبراء ذمَّتِي من الصَّداق المؤخَّر لزوْجَتي، والَّذي قدْرُه (500 جرام من الذهب)، كما هو موثَّق في عقْدِ الزَّواج، حيث ينصُّ على التالي: " .. وآجِل وقدرُه (كذا) في ذمَّة الزَّوج، إلى مُضِيِّ 5 سنوات من تاريخِ هذا العقد". أعني عيارَ الذَّهبِ اللاَّزم في هذه الحالة؛ إذْ إن عيارَ الذَّهب مُختلِفٌ - كما تعلمون- وفارِقُ السِّعر كبيرٌ بَيْنَها كما لا يخفى.
فما هو المعيارُ الذي يتمُّ اعتِبارُه في هذا المقدار المؤجَّل؟ علمًا بأنَّه لم يُنصَّ عليه في العقد.
وهلْ يَجب أن يَكونَ ذهبًا أو يُمكِن سدادُ القيمة؟
وهل يجب عليَّ المُبادرةُ بسداد هذا المَهْرِ المؤجَّل فورَ انتِهاء الأجل -والَّذي انتهى منذُ زمنٍ طويل- عند امتِلاكي هذا القدْرَ من المال؟
وهل يُبرِئُ ذِمَّتي قولُ زوجتي: "سامَحتُك في مُؤَخَّر صَداقي"، عند حديثي معها في هذا الموضوع؟
أو هل يَجب توفيرُ هذا المقدار من المهْر أوَّلاً، أو جزءٍ كبيرٍ منه، ثُمَّ تَخييرُها بعد ذلك؟
وهل يَجِبُ التَّوثيقُ، أو الإشْهادُ على استِلامها المؤخَّر، أو تنازِلِها عنه؟

الإجابة:

الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:

فإنَّ مؤخَّر الصَّداق دَيْنٌ في ذمَّة الزَّوْج كسائر الديون، ويَجِبُ عليْه سدادُه لزوْجَتِه عند انتِهاء أجَلِه الَّذي حُدِّد له، أو في أوقات الإمكان؛ إن لم يكن مؤقتًا بوقت محدد؛ إلا إذا أسقَطَتْه الزوجة عنه، أو رَضِيَت بتأخيره، فإنْ لَم يُسَدِّدْه مع ميْسرته وطلَبِها له بالسَّداد أثِم؛ لِقولِه صلى الله عليه وسلَّم: "مَطْلُ الغنِيِّ ظُلم" (متَّفق عليه).

وإذا لم يكن الزَّوج قادرًا على دفْعِه، فواجبٌ على المرأة إمهاله إلى أن يَجِد يسارًا، والأفضلُ لَها حينئِذٍ إسقاطُه؛ قال الله تعالى: {وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 280].

وما دامَ الدَّيْنُ قد حُدِّد بالذَّهَبِ، فيَجِبُ قضاؤُه بالذهب المتعارف عليه غالبًا في بلدكم، فإن لم يمكن تحديده عرفًا، فالأصل أن يكون ذهبًا خالصًا، إلا إذا اصطلحتم على معيار معين.

أمَّا إبراءُ الزَّوجة لزَوْجِها لمؤخَّر الصداق، فجائزٌ، إن كانتْ بالغةً عاقلةً رشيدةً، فيجوزُ لَها أن تُعْفِيَ زوجَها من صَداقها؛ لأنَّ لها أهليَّة التَّصرُّف في أموالِها - بكرًا كانتْ أو ثيِّبًا - عند جُمهور الفقهاء؛ قال ابن قدامة في "المغني": "وإذا عفَتِ المرأةُ عن صَداقِها الذي لها على زوجِها أو عن بعضه، أو وهبتْه له بعد قبْضِه، وهي جائزةُ الأمر في مالِها، جازَ ذلِك وصحَّ، ولا نعلم فيه خلافًا؛ لقوْلِ الله تعالى: {إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ} [البقرة: 237]، يَعْنِي الزَّوجاتِ، وقال الله تعالى: {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً} [النِّساء: 4]".اهـ.

وقال القُرْطُبي في تفسيره: "واتَّفق العُلماءُ على: أنَّ المرأةَ المالِكَة لأمْرِ نفْسِها إذا وهبتْ صَداقَها لزوْجِها، نفذ ذلك عليْها".اهـ.

أما توثيقُ استلام المؤخر، أو الإشْهادُ على استِلامها، فغير واجب، وإن كان توثيق الحقوق والعقود يقطع النزاع والالتباس، ويسد باب الخصام،، والله أعلم.