أجرة الأم على رضاع ابنها
هل للأم أن تأخُذَ أُجْرةً على إرْضاعِ ابنِها؟
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:
فللأُمِّ أن تَطْلُبَ أُجْرة المثل على إِرْضاعِ طِفْلِها سواء كانت في حبال الزوج -عصمته- أم كانت خليّةً؛ لقوْلِ اللَّه تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 233]، وقال عَزَّ وَجَلَّ: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطلاق: 6]، وهي عامَّةٌ في حقِّ الزَّوجة والمُطلَّقة، وهو مَذْهَبُ الشَّافعيَّة والحنابلة، وهو الراجح لعموم الآية السابقة.
وذَهَبَ الحنفيَّة إلى أنَّ الأُمَّ لا تَستحقُّ الأُجرة على إِرْضاعِ طِفْلِها حالَ الزَّوْجِيَّة.
وقال المالكيَّة: إن كانت الأمّ ممّن يرضع مثلها وكانت في عصمة الأب فليس لها طلب الأجرة بالإرضاع، لأنّ الشّرع أوجبه عليها فلا تستحقّ بواجبٍ أجرةً، وأمّا الشّريفة الّتي لا يرضع مثلها، والمطلّقة من الأب، فلها طلب الأجرة، وإن تعيّنت للرّضاع أو وجد الأب من ترضع له مجّاناً.
قال ابْنُ قُدامة في "المغني": "... ولأنَّ الأُمَّ أحْنَى وأشْفَقُ ولَبَنُها أمْرَأُ من لَبَنِ غيْرِها فكانتْ أحقَّ بِهِ مِنْ غيْرِها، كما لو طلبتِ الأجنبيَّة رضاعَهُ بأجْرِ مِثْلِها، ولأنَّ في رضاع غيْرِها تفويتًا لِحَقِّ الأُمِّ من الحضانة وإضرارًا بالوَلَدِ، لا يَجوز تفويتُ حقِّ الحضانة الواجِب والإضرار بالوَلَدِ لِغَرَضِ إسقاطِ حقٍّ أوجَبَهُ الله تعالى على الأب، وقول أبي حنيفة يُفْضِي إلى تفويتِ حقِّ الولَد من لبن أُمِّه وتفويتِ الأُمِّ في إرضاعِه لبنَها فلم يجز ذلك، كما لو تبرَّعت برضاعه، فأمَّا إن طَلَبَتِ الأُمُّ أكثرَ من أَجْرِ مِثْلِها ووجَدَ الأَبُ مَن ترضعه بأجْرِ مثلها أو متبرعةً جازَ انتِزَاعُه منها؛ لأنَّها أسقطت حقها بِاشْتِطاطِها وطلَبها ما ليس لها، فدخلتْ في عموم قوله: {فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى} [الطلاق: 6]، وإن لم يَجِدْ مُرضعةً إلا بِمِثْل تلك الأجرة فالأُمُّ أحَقُّ لأنَّهُمَا تساوَتا في الأَجْرِ فكانتِ الأُمُّ أحقَّ، كما لو طلبتْ كُلُّ واحدةٍ منهما أجْرَ مثلها" انتهى،، والله أعلم.
- التصنيف:
- المصدر: