حكم التسمية بعبد المطلب

منذ 2012-10-05
السؤال:

ما حكم التسمية باسم عبد المطلب؟

الإجابة:

الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:

فإنَّه لا يجوز التسمِّي بكل اسمٍ معبد لغير الله، وشريعة الإسْلام -الَّذي هو الدِّين الخالِص لله وحْده- تعْبيد الخلْق لربِّهم؛ كما سنَّه رسولُ الله صلَّى الله عليْه وسلَّم بتغير الأسْماء الشركيَّة إلى الأسماء الإسلاميَّة، والأسماء الكفريَّة إلى الأسماء الإيمانيَّة، وعامَّة ما سمَّى به النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: عبدالله وعبدالرحمن؛ كما قال تعالى: {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيّاً مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} [الإسراء: 110]؛ فإنَّ هذَيْن الاسْمين هما أصلُ بقيَّة أسماء الله تعالى؛ قاله شيخ الإسلام ابن تيمية.

أمَّا التسمِّي بعبد المطلب، فقال أبو محمَّد بن حزْمٍ رحِمه الله: "اتَّفق العُلماء على تحريم كلِّ اسم معبد لغير الله إلاَّ عبد المطلب".

قال في "الدرر السنية": "سبب الاستِثْناء: أنَّ بعض العُلماء أجاز التسمية بعبد المطلب؛ لظاهر ما صحَّ عن النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم أنَّه قال في غزْوة حنين، لما انْهزم عنه أصحابُه إلاَّ قليلاً: "أنا النَّبيُّ لا كذِب، أنا ابن عبْد المطلب"، فلمَّا حكى ابن حزْم الإجماع على تحريم كلِّ اسم معبَّد لغير الله، استثنى التَّسمية بعبد المطلب من ذكر الإجماع؛ لأجل ما تقدَّم عن بعض العلماء.

ومن العُلماء مَن قال: إنَّ قولَ النَّبيِّ صلَّى الله عليْه وسلَّم: "أنا ابن عبد المطَّلب"، هو من باب الإخبار، وليْس من باب الإنشاء".

قال في "كشَّاف القناع" ما نصُّه: اتَّفقوا على تَحريم كلِّ اسمٍ معبّد لغير اللَّه تعالى كعبْدالعزَّى، وعبدعمرو، وعبدعليٍّ، وعبدالكعبة، وما أشبه ذلك، ومثله عبدالنَّبيِّ، وعبدالحسين، وعبدالمسيح".

هذا؛ والدَّليل على تحريم التَّسمية بكلِّ معبّدٍ مضاف إلى غيْر اللَّه سبحانه وتعالى ما رواه ابنُ أبي شيبة عن يزيد بن المقدام بن شريح، عن أبيه، عن جدِّه هانئ بن يزيد رضي الله عنْه قال: "وفَد على النَّبيِّ صلَّى الله عليْه وسلَّم قوم، فسمعهم يسمُّون: عبدالحجر، فقال له: (ما اسمك؟) فقال: عبد الحجر، فقال له رسول اللَّه صلَّى الله عليه وسلَّم: (إنَّما أنت عبداللَّه)".

قال ابن القيّم: "فإن قيل: كيف يتَّفقون على تَحريم الاسم المعبَّد لغير اللَّه، وقد صَحَّ عنْه عليْه السَّلام أنَّه قال: "تعِس عبد الدِّينار وعبد الدِّرْهم، تعِس عبد الخميصة، تعس عبد القطيفة"، وصحَّ عنه أنَّه قال: "أنا النَّبيُّ لا كذِب، أنا ابن عبدالمطَّلِب".

فالجواب: أمَّا قولُه: "تعِس عبد الدِّينار"، فلم يُرِد به الاسم، وإنَّما أراد به الوصْف، والدُّعاء على من تعبَّد قلبه للدِّينار والدِّرْهم، فرضِي بعبوديَّتهما عن عبوديَّة ربِّه تعالى وذكر الأثمان والملابس وهُما جمال الباطن والظَّاهر.

وأمَّا قوله: "أنا ابن عبدالمطَّلب"، فهذا ليس من باب إنْشاء التَّسمية بذلك، وإنَّما هو من باب الإخبار بالاسم الَّذي عرف به المسمَّى دون غيره، والإخبار بِمثل ذلك على وجْه تعْريف المسمَّى لا يحرم؛ فباب الإخبار أوْسع من باب الإنشاء".

قال الشيخ بكر أبو زيد في "معجم المناهي اللفظيَّة": "وفي كتاب "شأن الدعاء" للخطَّابي قال: وقد يقع الغلط كثيرًا في باب التَّسمية، وأعرف رجُلاً من الفُقهاء كان سمَّى ولده: عبدالمطلب، فهو يُدعى به اليوم؛ وذلك أنَّه سمع بعبدالمطلب، جدِّ رسول الله صلَّى الله عليْه وسلَّم فجرى في التَّسمية به على التَّقليد، ولم يشعر أنَّ جدَّ رسول الله صلَّى الله عليْه وسلَّم إنَّما دُعي به لأنَّ هاشمًا أباه كان تزوَّج أمَّه بالمدينة، وهي امرأةٌ من بني النجَّار، فولدت له هذا الغلام، وسمَّاه: شيبة، ومات عنه وهو طفل، فخرج عمه المطَّلب بن عبدمناف أخو هاشم في طلَبِه إلى المدينة، فحمَله إلى مكَّة، فدخلها وقد أرْدفه خلفه، فقيل له: مَن هذا الغلام؟ فقال: هذا عبدي؛ وذلك لأنَّه لم يكن قد كساه، ولا نظَّفه، فيزول عنه شعث السَّفر، فاستحيا أن يقول: ابن أخي، فدُعي بعبدالمطلب باقي عمره.

على أنَّه لا اعتبار بِمذاهب أهل الجاهليَّة في هذا؛ فقد تسمَّوا: بعبدمناف، وعبدالدار، ونحوهما من الأسامي". اهـ.

وفي ترجمة عبدالمطلب بن ربيعة بن الحارث بن عبدالمطلب بن هاشم الهاشمي: قال ابن حجر: "قال ابن عبدالبر: كان عهد رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ولم يغير اسمَه، فيما علِمت.

قلت: وفيما قاله نظر؛ فإنَّ الزبير بن بكَّار أعلم من غيره بنسب قريش وأحوالهم، ولم يذكر أنَّ اسمه إلاَّ "المطلب".

وقد ذكر العسكري: أنَّ أهل النَّسب إنَّما يسمُّونه "المطلب"، وأَّما أهل الحديث، فمنهم مَن يقول: المطلب، ومنهم من يقول: عبدالمطلب". اهـ.

هذا؛ والَّذي يظهر: أنَّ التَّسمي بعبدالمطلب لا يَجوز لعموم النهي عن التعبيد لغير الله، وكون النبيِّ لم يغَيره، فجوابه ما سبق من كلام الحافظ ابن حجر وغيره،، والله أعلم.

خالد عبد المنعم الرفاعي

يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام

  • 23
  • 11
  • 89,019

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً