هل ينتظر حج القرعة الأقل تكلفة أم يحج بتكاليف أعلى في وقته الحالي؟
أدَّخر مبلغاً للحج منذ أعوام، ولكن هذا المبلغ في حدود حج القرعة، هناك استغلال من قبَل شركات السياحة ليصبح الحج السياحي بمصر ضعف حج القرعة، يوجد استطاعة بتوفير الفَرق على حساب بعض المتطلبات المستقبلية، وإن كانت غير أساسية، فهل لي أن أنتظر حج القرعة، لإحساسي بالاستغلال من قبَل تلك الشركات؟
الحمد لله
أولاً: الحج من أركان الإسلام العملية، وقد أوجبه الله تعالى على المستطيع مرة في العمر، قال تعالى: {وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [آل عمران: 97].
وهو واجب على الفور، على الصحيح من أقوال العلماء، وهو قول الجمهور، فهو قول أبي حنيفة ومالك في المشهور عنه، وهو أظهر الروايتين عن أحمد، وهو قول أبي يوسف من الحنفية، والمزني من الشافعية، وهو قول داود الظاهري، وبه يقول طائفة من علمائنا المعاصرين.
ثانياً: إنما يجب الحج على المستطيع، وهو الذي يكون صحيح البدن، ويملك من المال الزائد عن نفقاته الأصلية ونفقات أهله، ما يستطيع به السفر والرجوع من حجه.
وقد لا يستطيع الغني صحيح البدن في زمننا هذا الذهاب إلى مكة المكرمة لأداء فريضة الحج، لما اتفق عليه من سفر عدد محدد من كل بلد، وقد ذهبت بعض الدول لاعتماد طريقة الأقدم في الميلاد، ودول أخرى ذهبت لاعتماد طريقة القرعة، فصار هذا الأمر داخلاً في الاستطاعة الشرعية، فمن لم يكن سنُّه يؤهله للحج على حسب ترتيب بلده، أو لم يظهر اسمه في القرعة: لا يعدُّ مستطيعاً، إلا أن يملك وسيلة أخرى مباحة لا يأخذ بها حق غيره فيكون حينئذٍ من المستطيعين.
ثالثاً: وعليه: فإذا كان الأخ السائل ليس عنده قدرة مادية للحج السياحي: فلا يعدُّ مستطيعاً، وأما إن كان يملك من المال ما يستطيع دفعه لذلك النوع من السفر السياحي، دون أن يؤثِّر في نفقة من تلزمه نفقتهم من أهله وغيرهم: فالذي يظهر أنه مستطيع، ويجب عليه اختيار الحج المتيسر له الآن لأداء فريضة الحج.
ثم إن هذا هو أنسب له من انتظار حج القرعة من وجوه أخرى -عدا احتمال وفاته-، منها:
1. أنه الآن مستطيع بدنياً، وقد يظهر اسمه في القرعة في وقت لا يكون حينها مستطيعاً السفر ببدنه.
2. أنه قد تأتيه مشكلات وموانع تحول بينه وبين ذهابه للحج، لا سيما وظهور اسمه في القرعة ليس أمرا مقطوعا، وليس هناك دور، أو نوبة، تأتي على كل المتقدمين، بل قد يمر عليه الزمان الطويل دون أن يصيبه الدور.
ولذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالتعجل للحج، وأخبر أنه قد تحصل موانع تمنع القادر الآن من القدرة لاحقاً. عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ أَرَادَ الْحَجَّ فَلْيَتَعَجَّلْ". (رواه أبو داود (1732) وحسنه الألباني في صحيح أبي داود).
وبيَّن بعض الحكَم من هذا التعجل فقال: "مَنْ أَرَادَ الْحَجَّ فَلْيَتَعَجَّلْ فَإِنَّهُ قَدْ يَمْرَضُ الْمَرِيضُ وَتَضِلُّ الضَّالَّةُ وَتَعْرِضُ الْحَاجَةُ" (رواه ابن ماجه (2883) وحسَّنه الألباني في صحيح ابن ماجه).
3. أن حج القرعة قد تصل تكاليفه لاحقاً إلى حد الحج السياحي الآن، والناظر في هذا الأمر في دول العالَم يجده واقعيّاً، فلا تزال تكاليف الحج تزداد عاماً بعد آخر.
لذلك كله: نرى أن على الأخ السائل التعجل في الذهاب إلى مكة المكرمة لأداء فريضة الحج عن طريق "الحج السياحي" إذا كان يملك من القدرة المالية ما يستطيع دفعه في ذلك النوع من السفر، من غير أن يؤثر على نفقة أهله وأولاده ومن تلزمه نفقتهم ؛ لأنه ـحينئذـ من المستطيعين للحج. والله أعلم.
- التصنيف: