أنواع النسك التي يحرم بها أهل مكة

الإسلام سؤال وجواب

  • التصنيفات: فقه الحج والعمرة -
السؤال:

السؤال عن كيفية حج أهل مكة، أي أنواع الحج: قارن، مفرد، أو متمتع؟

الإجابة:

الحمد لله
اتفق الفقهاء على مشروعية حج أهل مكة حج الإفراد، إذ لا إشكال في أن يأتي العبد بالحج من غير اعتمار قبله ولا معه، وهو الأصل الذي خاطب الله به الناس بوجوب الحج.

ولكن اختلفوا في التمتع والقران، على قوليـن:
القول الأول: يجوز للمكي أن يحج قارنا أو متمتعا ولا يلزمه دم، ولا كراهة في ذلك، وهو مذهب جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة، واستدلوا عليه بجميع الأدلة على مشروعية حج التمتع والقران ومنها قوله تعالى: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة:196]، قالوا: ولم تفرق هذه الأدلة بين المكي وغير المكي.

قال الإمام النووي رحمه الله: "مذهبنا أن المكي لا يكره له التمتع والقران، وإن تمتع لم يلزمه دم. وبه قال مالك وأحمد وداود... واحتج أصحابنا بأن ما كان من النسك قربة وطاعة في حق غير المكي، كان قربة وطاعة في حق المكي، كالإفراد" انتهى من "المجموع" (7/169)، وانظر "شرح مختصر خليل للخرشي" (2/311)، "كشاف القناع" (2/412).

القول الثاني: أنه لا يشرع للمكي أن يحج قارنا أو متمتعا، وإن فعل لزمه دم جبران. وهو مذهب الحنفية، واستدلوا عليه بأدلة:
1- قوله تعالى: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة:196]. قالوا: "فجعل التمتع لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام على الخصوص".

2- دخول العمرة في أشهر الحج ثبت رخصة للآفاقي [غير سكان الحرم، أو من كان مسكنه وراء المواقيت]، دفعا لمشقة تعدد السفر، فرُفِّه عنه بإسقاط إحدى السفرتين، ومن كان من حاضري المسجد الحرام فإنه لا يحتاج إلى السفر أصلا، فلم تكن العمرة مشروعة في أشهر الحج في حقهم.
ينظر: "المبسوط" للسرخسي (4/169)، "بدائع الصنائع" (2/169) للكاساني.

وقد أجاب الإمام النووي رحمه الله عن هذه الأدلة، فقال: "والجواب عن الآية أن معناها: فمن تمتع فعليه الهدي إذا لم يكن من حاضري المسجد، فإن كان فلا دم، فهذا ظاهر الآية فلا يعدل عنه.
فإن قيل: فقوله تعالى {ذلك لمن لم يكن أهله} ولم يقل: "على من لم يكن أهله"؟
قلنا: اللام بمعنى على، كما في قوله تعالى: {وإن أسأتم فلها} أي: فعليها، وقوله تعالى: {أولئك لهم اللعنة} أي: عليهم.
وأما قولهم: المتمتع شرع له أن لا يلم بأهله، فقال أصحابنا: لا نسلم ذلك، ولا تأثير للإلمام بأهله في التمتع، ولهذا لو تمتع غريب عن أهله فألم بأهله يصح تمتعه، وكذا لو تمتع من غير إلمام بأهله فتمتعه عندهم مكروه" انتهى من "المجموع" (7/169).

والقول الأول، الذي هو قول الجمهور، هو اختيار الشيخ الشنقيطي في تفسيره، قال رحمه الله: "أَقْرَبُ أَقْوَالِ أَهْلِ الْعِلْمِ عِنْدِي لِلصَّوَابِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: أَنَّ أَهْلَ مَكَّةَ لَهُمْ أَنْ يَتَمَتَّعُوا، وَيَقْرِنُوا وَلَيْسَ عَلَيْهِمْ هَدْيٌ; لِأَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ} الْآيَةَ، عَامٌّ بِلَفْظِهِ فِي جَمِيعِ النَّاسِ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ وَغَيْرِهِمْ، وَلَا يَجُوزُ تَخْصِيصُ هَذَا الْعُمُومِ، إِلَّا بِمُخَصَّصٍ يَجِبُ الرُّجُوعُ إِلَيْهِ، وَتَخْصِيصُهُ بِقَوْلِهِ: ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ لَا يَجِبُ الرُّجُوعُ إِلَيْهِ ; لِاحْتِمَالِ رُجُوعِ الْإِشَارَةِ إِلَى الْهَدْيِ وَالصَّوْمِ، لَا إِلَى التَّمَتُّعِ كَمَا أَوْضَحْنَاهُ، وَأَنَّ الْمَكِّيَّ إِذَا أَرَادَ الْعُمْرَةَ خَرَجَ إِلَى الْحِلِّ فَأَحْرَمَ مِنْهُ.. " انتهى من "أضواء البيان" (4/491).

وقال الشيخ ابن باز رحمه الله: "يصح التمتع والقِران من أهل مكة وغيرهم، لكن ليس على أهل مكة هدي، وإنما الهدي على غيرهم من أهل الآفاق القادمين إلى مكة محرمين بالتمتع أو القِران" انتهى من "مجموع فتاوى ابن باز " (17/83).
والله أعلم.