معنى قوله تعالى: {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ}

منذ 2012-11-01
السؤال:

سمعت أن مجرد حديث النفس بسوء في مكة أو المدينة يُعدُّ ذنباً يُكتب في صحيفة العبد، ولذلك فقد كان يحرص السلف على أن لا يطيلوا المكوث فيهما، فهل هذا صحيح وأنا أريد العيش في المدينة ولكني خائفة من أن تُكتب عليَّ بعض الأفكار والخواطر السيئة التي تمر في ذهني؟

الإجابة:

الحمد لله
مسألة الهم بالمعصية الواردة في سؤالكِ دليلها قَوْله تَعَالَى: {إنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [الحج: 25]، والجواب عنها:

1. أن الوعيد المتعلق بالهم بالمعصية هو في حرم مكة المكرمة وليس في المدينة.
قال ابن القيم رحمه الله: والمسجد الحرام هنا: المراد به الحرم كُلُّهُ. "زاد المعاد في هدي خير العباد" (3 / 434).
وقال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: من همَّ بالإلحاد في الحرم المكي: فهو متوعَّد بالعذاب الأليم. "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (16 / 135).

2. أن الوعيد المتعلق بالهم بالمعصية في مكة المكرمة له ثلاث صور:
أ. أن يكون الهامُّ بالمعصية في أي مكان في الأرض ليفعلها في الحرم المكي، قال الضَّحَّاك رحمه الله: "إنَّ الرجل ليهِمُّ بالخطيئة بمكّة وهو بأرض أخرى فتكُتب عليه ولم يعملها"، وسيأتي مثله عن ابن مسعود رضي الله عنه قريباً.
ب. من همَّ بالمعصية في الحرم ولو فعلها خارج الحرم.
ج. وأعظم الصور إثماً أن يكون الهم وفعل المعصية كلاهما في الحرم المكي.

3. بعض العلماء يرى أن المقصود بقوله تعالى: (يُرِد) أي: يعمل، وقيل: هو العزم المصمم، وقيل: حديث النفس، وهو القول الأقرب للصواب.
قال ابن القيم رحمه الله: ومن هذا قوله تعالى: {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ} [الحج: 25]، وفعل الإرادة لا يتعدى بالباء ولكن ضُمِّن معنى "يهم" فيه بكذا، وهو أبلغ من الإرادة، فكان في ذكر الباء إشارة إلى استحقاق العذاب عند الإرادة وإن لم تكن جازمة. "بدائع الفوائد" (2 / 259).

4. ومعنى "الإلحاد": الميل عن الحق، ومعنى "الظلم" في الآية: كل مخالفة للشرع، ويشمل ذلك الشرك والبدعة والذنوب كالقتل، وهو ما يرجحه الطبري والشنقيطي رحمهما الله.
قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله: "الذي يظهر في هذه المسألة: أن كل مخالفة بترك واجب أو فعل محرم: تدخل في الظلم المذكور، وأما الجائز كعتاب الرجل امرأته أو عبده: فليس من الإلحاد، ولا من الظلم.

قال بعض أهل العلم: من همَّ أن يعمل سيئة في مكة: أذاقه الله العذاب الأليم بسبب همِّه بذلك، وإن لم يفعلها، بخلاف غير الحرم المكي من البقاع فلا يعاقب فيه بالهم، وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: "لو أن رجلاً أراد بإلحاد فيه بظلم وهو بِعَدَنٍ أَبْيَن لأذاقه الله من العذاب الأليم"، وهذا ثابت عن ابن مسعود، ووقفه عليه أصح من رفعه، والذين قالوا هذا القول استدلوا له بظاهر قوله تعالى: {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} لأنه تعالى رتَّب إذاقة العذاب الأليم على إرادة الإلحاد بالظلم فيه ترتيب الجزاء على شرطه، ويؤيد هذا قول بعض أهل العلم إن الباء في قوله (بإلحاد) لأجل أن الإرادة مضمنة معنى الهمِّ، أي: ومن يهم فيه بإلحاد، وعلى هذا الذي قاله ابن مسعود وغيره.
فهذه الآية الكريمة مخصِّصة لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "ومن همَّ بسيئة فلم يعملها كُتبت له حسنة" الحديث، وعليه: فهذا التخصيص لشدة التغليظ في المخالفة في الحرم المكي، ووجه هذا ظاهر. ويحتمل أن يكون معنى الإرادة في قوله: {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ} العزم المصمم على ارتكاب الذنب فيه، والعزم المصمم على الذنب ذنب يعاقب عليه في جميع بقاع الله مكة وغيرها.
والدليل على أن إرادة الذنب إذا كانت عزماً مصمماً عليه أنها كارتكابه: حديث أبي بكرة رضي الله عنه الثابت في الصحيح: "إذا الْتقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار" قالوا: يا رسول الله، قد عرفنا القاتل فما بال المقتول؟ قال "إنه كان حريصاً على قتل صاحبه" فقولهم: ما بال المقتول؟: سؤال عن تشخيص عين الذنب الذي دخل بسببه النار مع أنه لم يفعل القتل، فبيَّن النَّبي صلى الله عليه وسلم بقوله "إنه كان حريصاً على قتل صاحبه" أن ذنبه الذي أدخله النار: هو عزمه المصمم وحرصه على قتل صاحبه المسلم، وقد قدمنا مراراً أنَّ "إنَّ" المكسورة المشددة: تدل على التعليل، كما تقرر في مسلك الإيماء والتنبيه.
ومثال المعاقبة على العزم المصمم على ارتكاب المحظور فيه: ما وقع بأصحاب الفيل من الإهلاك المستأصل بسبب طير أبابيل {تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ} لعزمهم على ارتكاب المنكر في الحرم، فأهلكهم الله بذلك العزم قبل أن يفعلوا ما عزموا عليه.
والعلم عند الله تعالى.

والظاهر أن الضمير في قوله (فِيهِ) راجع إلى المسجد الحرام، ولكن حكم الحرم كله في تغليظ الذنب المذكور كذلك، والله تعالى أعلم" انتهى. "أضواء البيان" (4 / 294، 295).
والله أعلم.

الإسلام سؤال وجواب

موقع الإسلام سؤال وجواب

  • 5
  • 1
  • 12,262

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً