إعطاء البقْشيش للعامِل بنيَّة الصَّدقة
في كثيرٍ من المطاعِم أوِ المقاهي في أمْريكا يقدِّم الزَّبائن بَقشيشًا تكرُّمًا منهُم للعامل، فأنا أقدِّم أحيانًا ما بيْن الدّولار إلى الثَّلاثة في كلِّ مرَّة أذْهب فيها للمطاعم أو المقاهي، وأحتسِب الأجْرَ فيها عند الله، وأنوي أنَّها تكون صدقة لوجْه الله تعالى لِهذا الموظَّف الَّذي لا يأخُذ إلاَّ مبلغًا رمزيًّا كلَّ ساعة، ولأنَّ أغْلبهم طلبة وبِحاجة للمال.
إلاَّ أنَّ أحدَ الإخْوة أخبرني بأنَّه لا يَحقُّ لي بأن أنوي أنَّها صدقة؛ لأنَّه ليس من المساكين أو الفقراء الَّذين لا يَجِدون ما يأْكلون أو ما شابَه.
سؤالي: بناءً على النُّصوص الشَّرعيَّة؛ هل هذه تُعْتَبر صدقةً لوجْه الله أم لا؟
فأنا دائمًا أنوي مساعدتَهم لوجه الله، لا أكثر، ولأنِّي أومن بأنَّ الصَّدقة تطْفِئ غضَب الرَّبِّ.
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:
فإن كان الأمر كما ذكرتَ: أنَّ إعطاءَك هذا البقْشيش للعامِل بنيَّة الصَّدقة والمواساةِ، وجبْر قلوبِهم، وتحسين أوضاعهم - فهذا من الصدقة والإحْسان والمروءة التي يُرْجى الثَّواب فيها والأجْر من الله؛ بل مَن أعْطى مَن يظنُّ حاجتَه فتبيَّن له خِلاف ذلك، فهو مأجورٌ إن شاء الله؛ لما رواه البخاريُّ عن أبِي هُرَيْرة رضِي الله عنْه: أنَّ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: "قال رجلٌ: لأتصدقنَّ بصدقةٍ، فخرج بصدقتِه فوضَعَها في يد سارق، فأصْبَحوا يتحدَّثون: تُصُدِّق على سارق! فقال: اللَّهُمَّ لك الحمد، لأتصدقنَّ بصدقةٍ، فخرج بصدقتِه فوضعها في يدَي زانية، فأصبحوا يتحدثون: تُصُدِّق الليلة على زانية! فقال: اللَّهُمَّ لك الحمد على زانية، لأتصدقنَّ بصدقةٍ، فخرج بصدقتِه فوضَعَها في يدَي غني، فأصبحوا يتحدثون: تصدِّق على غني! فقال: اللَّهُمَّ لك الحمد على سارقٍ، وعلى زانيةٍ، وعلى غنيٍّ، فأُتِي فقيل له: أمَّا صدقتُك على سارِق فلعلَّه أن يستعفَّ عن سرقته، وأمَّا الزَّانية فلعلَّها أن تستعفَّ عن زِناها، وأمَّا الغنيُّ فلعلَّه يعتَبِر، فيُنفِق ممَّا أعطاه الله".
قال الحافظ ابن حجر: "وفي الحديثِ دلالة على أنَّ الصَّدقة كانت عندهم مختصَّة بأهل الحاجة من أهل الخير، ولهذا تعجَّبوا من الصَّدقة على الأصناف الثَّلاثة، وفيه أنَّ نيَّة المتصدِّق إذا كانت صالحةً قُبِلَتْ صدقتُه، ولو لَم تقع الموقع".
أمَّا إن كان دفعُه لأجل الحصول على خدمةٍ أو طعامٍ أكثرَ من غيرِك ممَّن لا يدْفع له هذه الزيادة، أو أنَّها تدْعو العامل إلى محاباتِك، لدرجةِ أنَّه قد يُعطيك ما ليس من حقِّك، ممَّا يعود بالضَّرر على صاحب العمَل -فإنَّه لا يجوز؛ لأنَّها في هذه الحالة تُعْتبر رِشوة منك للعامِل حتَّى تحصل على الميزات المذكورة.
أمَّا قول بعض الإخوة: "إنَّه لا يحقُّ أن تنوي بها الصَّدقة؛ لأنَّه ليس من المساكين أو الفقراء" - فغيْر صحيح؛ إذِ الصَّدقة غير الزَّكاة الواجبة الَّتي لا يَجوزُ صرْفُها إلاَّ في مصارفَ مَخصوصة، أمَّا الصَّدقة، فإن أعطاها بقصْد التقرُّب صدقة، سواء كان لغنيٍّ أم فقير، وصرَّح النَّوويُّ في "شرح المهذَّب" بِحصول الثَّواب في إعْطاء الغني،، والله أعلم.
- التصنيف:
- المصدر: