مَن مات على عشْق امرأةٍ وَلَم يَزْنِ بها
حكم مَن مات على عشْق امرأةٍ وَلَم يَزْنِ بها؟
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:
فقد سبق أن بيَّنَّا في الفتوى: "بين الحب والعشق"، "أنَّ العشقَ هو المحبَّة المفْرِطة الزَّائدة على الحدِّ الذي ينبغي، وهو مرَضٌ من أمراض القلب، مُخالف لسائر الأمْراض في ذاته وأسبابِه وعلاجه، وإذا تمكَّن واستحْكم، عزَّ على الأطبَّاء دواؤه، وأعْيا العليلَ داؤه، بخلاف الحبِّ الذي هو ميْل القلب إلى الشَّيء، ومنه ما هو مشروع، ومنه ما هو مذْموم.
أمَّا مَن مات وهو عاشق ولَم يزْنِ، فقد رُوِي فيه حديثٌ ولم يصحَّ؛ بل حكَم عليْه العُلماء بالوضْع، ومنهم ابن القيِّم في "الزاد" و"الجواب الكافي"، والألباني في "ضعيف الجامع"، ونصُّ الحديث: "مَن عشِق فعفَّ ثم ماتَ، مات شهيدًا"؛ رواه الخطيب عن ابْنِ عبَّاس، ويُراجع للأهمِّيَّة كلام ابن القيِّم في "الزَّاد" و"الجواب الكافي"؛ فإنه نفيس.
وبناء على هذا فإن العِشْق معصية كبقية المعاصي التي هي تحت المشيئة، إن شاء الله غَفَر له، وإن شاءَ عذَّبه، ما دام قد مات على الإسلام، والأدلَّة على ذلك كثيرةٌ، من القُرآن والسنَّة والإجْماع:
فمن القُرآن: قوله سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48].
ومن السنَّة: ما ورد في الصحيحَين -واللَّفظ للبُخاري- عن أبي ذرٍّ: أنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: "أتانِي جبريل فبشَّرني: أنَّه مَن مات لا يُشْرِك بالله شيئًا دخل الجنَّة، قلت: وإن سرق وإن زنى؟ قال: وإنْ سرَقَ وإن زنَى".
ومنها: حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنْه بشأْنِ البَيْعة، وفيه قولُه عليه الصَّلاة والسَّلام: ".. فمَن وفى منكم، فأجره على الله، ومَن أصاب من ذلك شيئًا فعُوقِب به في الدنيا، فهو كفَّارة له، ومَن أصاب من ذلك شيئًا فستره الله، فهو إلى الله؛ إن شاء عفا عنْه، وإن شاء عاقبَه" (رواه البخاري ومسلم).
ومنه: ما رواه البخاري عن أبي سعيدٍ الخدري رضِي الله عنْه عنِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: "يدخل أهل الجنَّة الجنةَ، وأهل النَّار النارَ، ثم يقول الله تعالى: أخرِجوا مَن كان في قلبِه مثقالُ حبَّة من خرْدل من إيمان، فيخرجون منها".
إلى غير ذلك من أدلَّة.
وأيضًا فقد يكون مع هذا الَّذي مات على تلك المعْصية من الأعمال الصالحة، من صلاة وصيام، وأعظمُ من ذلك الشهادتان - ما يُرْجَى أن يرفَعَه الله بها، ويعفو عنه.
قال ابن تيمية رحمه الله: "فالذُّنوب لا توجب دخول النار مطلقًا؛ إلاَّ إذا انتفت الأسباب المانعة من ذلك، وهي عشَرة: منها التوبة، ومنها الاستغفار، ومنها الحسنات الماحية، ومنها المصائب المكفِّرة، ومنها شفاعة النبي صلَّى الله عليه وسلَّم ومنها شفاعة غيره، ومنها دعاء المؤمِنين، ومنها ما يُهْدَى للميِّت من الثَّواب والصَّدقة والعِتْق، ومنها فتنة القبر، ومنْها أهوال يوم القيامة، ثم قال: فمَن جزَم في واحدٍ من هؤلاء بأنَّ له ذنبًا يدْخل به النار قطعًا، فهو كاذبٌ مفترٍ"،، والله أعلم.
- التصنيف:
- المصدر: