هل يجوز حل العهد بعد تبيُّن أنَّ ما عاهدت الله على تركه حلال؟
خالد عبد المنعم الرفاعي
- التصنيفات: أحكام النساء -
أنا فتاة في الثلاثين من عمري، لدي بين حاجبيَّ شعر كثير، مما نَقَصَ من جمالي وكذلك يُتعِبُني في تهذيبه، لهذا كنت أنتفه لمدة 6 سنوات أي حتى سمعت حديثًا للنبي عليه الصلاة والسلام أنَّه نَهَى عن نتف شعر الحواجب فتوقَّفْتُ عن نَتْفِه، وعاهدتُ اللَّه ألا أعود مرَّة أخرى إلى إزالة ذلك الشعر، وفعلاً وفيتُ بِعَهدي لسنواتٍ، لَكِنْ قرأْتُ في هذه الأيام فتوى لعالِمين كبيرين تَقُولُ بأنَّ الشَّعْرَ النَّابتَ بَيْنَ الحاجبَيْنِ يَجوز نتفُه؛ لأنَّه ليس من شَعْرِ الحواجب الذي نَهى النبيُّ صلى عليه وسلم عن نتْفِه.
وسؤالي الآن هو: هل يَجوزُ لي الآن أن أعود إلى إزالة ذلك الشَّعر النَّابت بين حاجبيَّ بعد أن عاهدتُ الله على تَرْكِه؟ خاصَّةً أنَّ ذلك الشَّعر نَقَصَ من جَمالي وكذلك يتعبني في تهذيبه، إن كان يَجوز لي ذلك فهل علي حل ذلك العهد؟ وكيف ذلك؟ وهل عليَّ كفَّارة؟
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:
فقد اختلفت أقوال أهل العلم في الشعر النابت بين الحاجبين: هل هو من الحاجبين، وبالتالي لايجوز نتفه؟ أو حكمه حكم الشعر النابت في باقي الوجه، وهو مسكوت عنه، ولا دليل يدل على عدم جواز التعرض له؟
فذهب بعض أهل العلم إلى أنه لا حرج في إزالة الشعر بين الحاجبَيْنِ؛ لأنَّه ليس من النَّمص في شيءٍ، ولعدم وُرود نَهْيٍ عنْ إزالَتِه في الشَّرع فهُو مَسكوتٌ عنه ولم يأْتِ ما ينهَى عنْ إزالتِه أو إبقائِه، ولأنَّ النَّمص هو نتْفُ شعرِ الحاجِبَيْنِ، ويتأكَّد الجواز إذا كان في إبقائِه تشويهٌ للخِلْقة أو تنفير للزوج أو غيرها مما هو معتبر في الشرع، ولكن مع الحِرْصُ على عدَمِ أخْذِ شيْءٍ من الحاجب.
وقد سُئِلَتِ اللَّجنةُ الدَّائمةُ للإفتاء في المملكة العربية السعودية عن حُكْمِ نَتْفِ الشعر بين الحاجبين؟ فأجابت بما نصه: "يجوز نتفُه؛ لأنَّه ليس من الحاجبين،، وبالله التوفيق، وصلَّى اللَّه على نبيِّنا مُحمَّد وآلِه وصَحْبِه وسلَّم".
وذهب بعضهم إلى عدم الجواز، وأنه من النمص الذي لُعنت فاعلته؛ قال الشيخ محمد المختار الشنقيطي في "شرح زاد المستقنع": "لا يجوز نتف الشعر الذي بين الحاجبين، والنص في هذا واضح، حيث إن النمص هو نتف شعر الوجه، وما بين الحاجبين هو من شعر الوجه فلا يجوز نتفه، ولا يجوز العبث به، ويترك على الخلقة التي خلقها الله عز وجل".
فالذي ننصح به الأخت السائلة أن تحرص على البعد عن المشتبهات، ومن ذلك أخذ ما بين الحاجبين، فإن تأذت منه أذى يلحق الضرر بها؛ كتأثيره على خلقتها أمام زوجها ونحوه فلتخفف منه بالقدر الذي يرتفع به الضرر، علمًا بأن المسألة محل اجتهاد كما سبق.
أما ما عاهدتِ السَّائلة الكريمة عليه الله سبحانه فالظاهر من كلامها أنه فعلته لمَّا أُخْبِرَتْ بِحُرمة إزالته من باب إلزام النفس بترك الحرام، ولم تفعلْه ابتداءً، وعليه فإن أخذت منه بناء على كلام أهل العلم الذين إلى أنَّ أخْذَ ما بَيْنَ الحاجبَيْنِ من شعرٍ لا شَيْءَ فيه؛ فلها أن تَرْجِعَ فيما أَلْزمتْ به نفسَها، وليس هذا -إن شاء الله تعالى- من نَقْض العهد.
أمَّا الكفَّارة عن هذا الإلزام فعلى تفصيلٍ؛ فإنْ كان العَهْدُ المَذْكُور قدِ اقتَرَنَ بيَمين، فيَجب فيه كفَّارة الحنث عن اليَمين، وكذلك تَجِبُ الكفَّارة إنْ خَرَجَ مَخرج النَّذْرِ مثل أن تقول: لِلَّه عليَّ ألا أنْتِفَ ما بيْن حواجبي أو ما شابه.
وكفَّارة اليمين: عِتْقُ رقبةٍ أو إطعامُ عشَرة مساكينَ أو كسوتُهم، فمن لم يَجد أو لم يستَطِعْ: فَلْيَصُمْ ثلاثةَ أيَّام.
قال ابن قُدامة في "المغني": "إن قال: عليَّ عهدُ الله وميثاقُه لأفعلنَّ، أو قال: وعهدِ الله وميثاقِه لأفعلن؛ فهو يمين, وإن قال: والعهدِ والميثاقِ لأفعلنَّ -ونوى عهد الله- كان يمينًا; لأنَّه نوى الحلِفَ بصفةٍ من صفات الله تعالى".
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في" الفتاوى": "والعهودُ والعُقود مُتقاربةُ المعنَى أو متَّفقة، فإذا قال: أُعاهِدُ الله أنِّي أحجُّ العامَ فهو نذرٌ وعهْدٌ ويَمين، وإن قال: لا أُكَلِّمُ زيدًا فيَمينٌ وعهدٌ لا نذر، فالأيْمان تضمَّنتْ معنَى النذر، وهو أن يلتزمَ لِلَّه قربةً لزمه الوفاء، وهي عَقْدٌ وعهد ومعاهدة لِلَّه لأنَّه التزم لله ما يطلبُه الله منه"،، والله أعلم.