معنى قولهم: المال الحرام لا يمتد لذمتين
خالد عبد المنعم الرفاعي
- التصنيفات: أصول الفقه وعلومه -
أودّ الاستِفْسارَ عن معْنى: (مال الحرام لا يَمتدُّ لذمَّتَيْنِ) ما المقصود بِها؟ وأين أبْحثُ عنها في كتب أو موضوعات فقه المعاملات؟
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:
فالقاعدةُ المَذكورةُ مَشهورةٌ مذكورة في كتُب الحنفيَّة: "الحَرَامَ لَا يَتَعَدَّى إلى ذمَّتَيْنِ".
ومعناها: أنَّ المال الحرام لا يتعدَّى ولا ينتَقِلُ بيْن ذِمَّتَيْنِ؛ فمن أَتَى بِمالٍ بِوَسيلةٍ مُحرَّمة؛ كالسرقَة أو الغَصَب فالأوَّلُ عليْهِ إثْمُ تعدّيه وكسبِه المُحرَّم، والثَّاني عليه إثْم أخْذِ الحرام والإعانة عليه، ولا يراد بالقاعدة: أنَّ الإثْم يتعلَّق بالأوَّل فقَطْ وأنه يَجوزُ لغَيْرِه تموله مع عِلْمِه بِكَوْنِه مسروقَا، فهذا غيْرُ صحيحٍ.
وأن من أخَذَ المال المَسروق أو المغصوبَ شراءً أو هِبةً أو نَحو ذلك من غاصِبِه أو سارِقِه من غَيْرِ أن يَعرِفَ المشتري أو الموهوب إليه أنَّه مسروقٌ أو مغصوبٌ لا إثم فيه، فهذا صحيح، لكنْ إذا علِم بحقيقةِ الأمْر فلابدَّ من ردّ المال إلى صاحبِه الحقيقيّ أو استِسْماحه فيه وإلا وقع في الإثم.
قال في "رد المحتار" -من كتب الحنفية-: "وما نُقِلَ عَن بَعْضِ الحَنَفِيَّةِ من أَنَّ الحَرَامَ لا يَتَعَدَّى إلى ذِمَّتَيْنِ سَأَلْتُ عَنْهُ الشِّهَابَ ابْنَ الشَّلَبِيِّ فَقَالَ: هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ، أَمَّا مَنْ رَأَى المَكَّاسَ يَأْخُذُ مِنْ أَحَدٍ شَيْئًا مِن المَكْسِ، ثُمَّ يُعْطِيهِ آخَرَ ثُمَّ يَأْخُذُهُ مِنْ ذَلِكَ الآخَرِ فَهُوَ حَرَامٌ" اهـ.
وقال: "وكذا لا يَحلُّ إذا علِمَ عيْنَ الغَصْبِ مثلاً، وإن لَم يعلَمْ مالِكَه لما في "البزازيَّة": أخذ مورِّثه رشوةً أو ظُلْمًا، إذا علِم ذلك بعَيْنِه لا يَحِلُّ له أخذه، وإلا فلَهُ أخْذُه حُكْمًا، أمَّا في الدّيانة فيتصدَّق به بنيَّة إرضاء الخُصماء" اهـ.
قال: "والحاصِلُ: أنَّه إنْ عَلِمَ أرباب الأموال وَجَبَ ردُّه عليْهِم، وإلا فإنْ علِمَ عَيْنَ الحرام فلا يَحلُّ له ويتصدَّق به بنيَّة صاحبه، وإن كان مالاً مُختلطًا مُجتمعًا من الحرام ولا يعلَمُ أربابَه ولا شيئًا منه بعيْنِه حلَّ له حُكمًا، والأحْسَنُ ديانةً التَّنزُّه عنه.
ففي "الذخيرة": "سُئِلَ الفقيه أبو جعفر عمَّنِ اكْتَسَب مالَه من أُمراء السلْطان ومن الغَرامات المحرَّمات وغيرِ ذلك: هل يحلّ لِمن عَرَف ذلك أن يأكل من طعامه؟ قال: أَحَبُّ إليَّ في دِينِه أن لا يأْكُلَ ويَسَعُه حُكمًا إن لَم يَكُنْ ذلك الطَّعام غصْبًا أو رشوة".
وفي "الخانية": امرأةٌ زوْجُها في أرض الجَوْرِ إن أكلتْ من طعامِه ولم يَكُنْ عين ذلك الطعام غصْبًا فهي في سَعَة من أكْلِه، وكذا لوِ اشْترى طعامًا أو كسوةً من مالٍ أصْلُه ليس بطيّب فهي في سَعَةٍ من تناوُلِه الإثْمَ على الزَّوج" اهـ.
ولبحث المسألة يراجع كتاب: "غمْز عيون البصائر في شرح الأشباه والنَّظائر"، وكتب المذهب الحنفي في الأصول والفروع،، والله أعلم.