حكم الرشوة لإيجاد فرصة عمل

خالد عبد المنعم الرفاعي

  • التصنيفات: فقه المعاملات -
السؤال:

هل يجوز دفع مبلغ من المال مقابل الحصول على وظيفة معينة حيث أنني حاصل على شروط التعيين بهذه الوظيفة بالإضافة أن معظم الوظائف يتم التعيين بها عن طريق الواسطة ودفع مبلغ من المال حيث أنني استحق هذه الوظيفة وذلك لحصولى على المؤهل المطلوب من مدة طويلة بالإضافة إلى ظروفي الخاصة وإحتياجي للتعيين في أي وظيفة؟

الإجابة:

الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:

فَإِنْ كانت هذه الوظيفةُ مُباحَةً وكُنْتَ عَلى يَقِينٍ أَنَّكَ مُؤَهَّلٌ لها، ولَنْ يَتَرَتَّبَ عَلى دَفْعِكَ المالَ التَّعدِي عَلى حُقُوقِ أَحَدٍ، أَوْ حِرمان مَن هُو أَوْلَى بِها مِنْكَ، فَلا بَأْسَ أَنْ تُعْطِيَ مالاً إِذا لمَ تُمَكَّنْ مِنْها إِلاَّ بِذَلِكَ، ولا يُعَدُّ ذَلِكَ رِشْوةً في حَقِّكَ؛ فَإِنَّ الرِّشْوةَ هِي ما أُعْطِيَ لإحْقاقِ باطِلٍ، أَوْ إِبْطالِ حَقٍّ، أَمّا ما أُعْطِيَ لإحْقاقِ حَقٍّ أَو إِبْطالِ باطِلٍ فَليسَ بِرِشْوةٍ بِالنْسَبةِ للدّافِعِ، وإِنْ كانَ رِشْوةً بِالنَّسبَةِ لِلآخِذِ.

قال في "عَوْنِ المعْبُودِ": ".... وقالَ فِي "مَجْمَع البِحار": ومَنْ يُعْطِي تَوصُّلاً إِلى أَخْذ حَقٍّ أَوْ دَفْعِ ظُلْمٍ فَغيرُ داخِلٍ فِيهِ، رُوِيَ أَنَّ ابْن مَسْعُود، أُخِذَ بِأَرْضِ الحَبَشَة فِي شَيء فَأَعْطَى دِينارَينِ حَتَّى خُلِّيَ سَبِيلُهُ، ورُوِيَ عَنْ جَماعَة مِن أَئِمَّة التّابِعِينَ قالُوا: لا بَأْس أَنْ يُصانِع عَنْ نَفْسه وماله إِذا خافَ الظُّلْم" انْتَهَى.

وقالَ شيخُ الإِسلامِ ابنُ تيميةَ رحِمه الله: "فَأَمّا إذا أَهْدَى لَهُ هَدِيَّةً لِيَكُفَّ ظُلْمَهُ عَنْهُ أَوْ لِيُعْطِيَهُ حَقَّهُ الواجِبَ، كانَتْ هَذِهِ الهَدِيَّةُ حَرامًا عَلَى الآخِذِ، وجازَ لِلدّافِعِ أَنْ يَدْفَعَها إلَيهِ، كَما كانَ النَّبِيُّ يَقُولُ: "إنِّي لأُعْطِي أَحَدَهُم العَطِيَّةَ فَيَخْرُجُ بِها يَتَأَبَّطُها نارًا" قِيلَ: يا رَسُولَ اللَّهِ، فَلِمَ تُعْطِيهِمْ؟ قالَ: "يَأْبَوْن إلاَّ أَنْ يَسْأَلُونِي ويَأْبَى اللَّهُ لِي البُخْلَ".

ومِثْلُ ذَلِكَ: إعْطاءُ مَنْ أعْتقَ وكَتَمَ عِتْقَهُ، أَوْ أَسَرَّ خَبَرًا، أَوْ كانَ ظالِمًا لِلنّاسِ فَإِعْطاءُ هَؤُلاءِ جائِزٌ لِلْمُعْطِي، حَرامٌ عَلَيهِمْ أَخْذُهُ.

وأَمّا الهَدِيَّةُ فِي الشَّفاعَةِ؛ مِثْلُ: أَنْ يشْفعَ لِرَجُلٍ عِنْدَ ولِيِّ أَمْرٍ لِيَرْفَعَ عَنْهُ مَظْلِمَةً، أَوْ يُوصِّلَ إلَيهِ حَقَّهُ، أَو يُولِّيَهُ وِلايةً يَسْتَحِقُّها، أَوْ يسْتخْدِمَهُ في الجُندِ المُقاتِلَةِ وهُو مُستَحِقٌّ لِذَلِكَ، أَوْ يُعْطِيَهُ مِنْ المالِ المَوْقُوفِ على الفُقَراءِ أَوْ الفُقَهاءِ أَوْ القُرّاءِ أَوْ النُّسّاكِ أَوْ غَيرِهِمْ، وهُو مِن أَهْلِ الاسْتِحْقاقِ، ونَحْو هَذه الشَّفاعَةِ الَّتِي فِيها إعانَةٌ عَلَى فِعْلِ واجِبٍ، أَوْ تَرْكِ مُحَرَّمٍ، فهذه أَيضًا لا يَجُوزُ فِيها قَبُولُ الهَدِيَّةِ، ويَجُوز للمُهْدِي أَنْ يَبْذُلَ في ذَلِكَ ما يَتَوصَّلُ به إلَى أَخْذِ حَقِّهِ أَوْ دَفْعِ الظُّلْمِ عَنْهُ، هَذا هُو المَنْقُولُ عَن السَّلَفِ والأَئِمَّةِ الأَكابِرِ" اهـ من "الفتاوى الكبرى".

وقالَ ابْنُ حزْمٍ رحمه الله في "المحلى": "ولا تحَلُّ الرِّشْوةُ؛ وهِي ما أَعْطاهُ المرءُ لِيُحْكَمَ لهُ بِباطِلٍ, أَوٍ لِيُولَّى وِلايةً, أَوْ لِيظْلمَ لهُ إِنْسانٌ، فهذا يَأْثَمُ المْعُطِي والآخِذُ، فأمّا مَن مُنِعَ مِن حَقِّهِ فَأَعْطَى لِيَدْفَعَ عَنْ نَفْسِهِ الظُّلمَ، فَذَلِكَ مُباحٌ لِلْمُعْطِي, وأَمّا الآخِذُ فَآثِمٌ" انتهى.

وعَلى هَذا فَلا مانِعَ شَرْعًا أن تَدْفَعَ مالا لِتَنالَ بِه حَقَّكَ في هَذا العَمَلِ بشرط أن لاتأخذ مكان من هو أولى منك،، والله أعلم.