زيادة القيمة على الزبون الفردي
أنا أعمل في محل بيع جملة ويحضر إلينا زبائن ويشترون بعض الأغراض بالمفرق ويحسب عليهم بسعر المفرق ويكون الزبون لا يعلم أنه يقدر أن يحصل على خصم من القيمة لأننا نخصم على الجملة فقط. والمهم أن المدير يقوم بتغيير (الفاتورة) ويأخذ الخصم لنفسه من غير علم صاحب العمل. هل هذا حلال أو حرام؟
الحمد لله والصلاة، والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أمّا بعد:
فيجب على العامل المستأجَر أن يؤدي العمل الذي كُلِّفَ به (وائتمن عليه) على أكمل وجه وأحسنه، فهذا مقتضى الأمانة، ولا بد أن يستنفد كل جهده في إكمال عمله وتحسينه، أمَّا مَنْ فرَّط في أداء عمله المكلف به، أو خان: كمن يأخذ من المال المؤتمن عليه، أو يبيع سلعة رخيصة بثمن أعلا، أو يبع على المشتري بسعر التفرقة ويحاسب المالك بسعر الجملة ويأخذ الفارق، أو يقوم باستخدام آلات وأجهزة ومعدات العمل من أجل مصالحه الشخصية دون علم صاحب العمل، فهذه الأعمال محرمة؛ لأنها من الخيانة[1].
والدليل على تحريم الخيانة من الكتاب، والسنة، وأقوال الأئمة:
أما الكتاب: فقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}[2].
قال الإمام ابن كثير: الصحيح أن الآية عامة وإن صح أنها وردت على سبب خاص فالأخذ بعموم اللفظ لا بخصوص السبب عند الجماهير من العلماء، (وبناء على أن المقصود بالخيانة العموم)، فالخيانة تعم الذنوب الصغار والكبار اللازمة (الخاصة بالشخص) والمتعدية (لغيره) [3].
وقال تعالى: {إِنَّا عَرَضْنَا الأمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولا} [4].
قال الإمام الطبري: وأولى الأقوال في معني الأمانة في هذا الموضع جميع معاني الأمانات في الدين، وأمانات الناس؛ وذلك أن الله لم يخص بقوله:{عرضنا الأمانة} بعض معاني الأمانات (دون بعض) [5].
قال الشيخ الجزائري: الأمانة: شاملة للتكاليف الشرعية كلها ولكل ما ائتمن عليه الإِنسان من شيء يحفظه لمن ائتمنه عليه حتى يرده إليه[6].
وأما الدليل من السنة على تحريم الخيانة.
فقد روى الإمام أحمد بسنده عَنْ أَنَسٍ قَالَ: مَا خَطَبَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا قَالَ: "لاَ إِيمَانَ لِمَنْ لَا أَمَانَةَ لَهُ، وَلَا دِينَ لِمَنْ لَا عَهْدَ لَهُ" [7].
وروى الخرائطي بسنده عن عبد الرحمن بن أبي قراد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من سره أن يحبه الله ورسوله، فليصدق حديثه إذا حدث، وليؤد أمانته إذا ائتمن، وليحسن جواره إذا جاور" [8].
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: الخيانة ضد الأمانة وهما (الخيانة والأمانة) من جنس الصدق والكذب، ولهذا يقال: الصادق الأمين، ويقال: الكاذب الخائن.
والخيانة محرمة؛ لأنها من جنس الكذب.
ولفظ الخيانة حيث استعمل لا يستعمل إلا فيما خفي عن المخون كالذي يخون أمانته فيخون من ائتمنه إذا كان لا يشاهده ولو شاهده لما خانه[9].
وأما أقوال الأئمة في حكم الخيانة:
فقد ذهب الحنفية والمالكية والشافعية والحنبلية إلى أن الخيانة محرمة وفسق وترد بها الشهادة[10].
وبناء على ما تقدم من ذكر تحريم الخيانة وذكر الأدلة على ذلك فالواجب عليك التوبة الصادقة إلى الله تعالى، وعدم العودة إلى مثل هذا العمل، ويجب عليك رد ما أخذته بأي وسيلة، واعلم أن أكل الحرام من أسباب منع استجابة الدعاء.
كما يجب عليك الرضا بما رزقك الله، والصبر، والقناعة بقسمة الباري، وأنت في هذه الدنيا عابر لا مخلد، وما أخذته ستتركه لغيرك، وستحاسب عليه.
وعليك بتقوى الله في السر والعلانية.
قال تعالى: {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا، وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ} [11].
أسأل الله أن يرزقك التقوى، والعفة، وأن يرزقك الحلال، ويغنيك عن الحرام.
روى البخاري بسنده عن أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ الله، وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ الله، وَمَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ الله، وما أُعْطِيَ أَحَدٌ عَطَاءً خَيْرًا وَأَوْسَعَ من الصَّبْرِ"[12].
قال النووي: في هذا الحديث: الحث على التعفف، والقناعة، والصبر على ضيق العيش وغيره من مكاره الدنيا[13].
وروى مسلم بسنده عن عبد اللَّهِ بن عَمْرِو بن الْعَاصِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال: "قد أَفْلَحَ من أَسْلَمَ، وَرُزِقَ كَفَافًا[14]، وَقَنَّعَهُ الله بِمَا آتَاهُ"[15].
وروى مسلم بسنده عن أبي هُرَيْرَةَ قال: قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَيُّهَا الناس إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إلا طَيِّبًا، وَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ، فقال: {يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا من الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إني بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ}، وقال: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا من طَيِّبَاتِ ما رَزَقْنَاكُمْ}، ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إلى السَّمَاءِ يا رَبِّ يا رَبِّ وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ"[16].
وقال الشاعر:
أفادتني القناعة كل عز *** وأي غنى أعز من القناعة
فصيرها لنفسك رأس مال *** وصيرها مع التقوى بضاعة
والله أعلم.
ـــــــــــــــــــــ
[1] أصل الخيانة النقص أي: ينقص ما ائتمن عليه ولا يؤديه كما كان عليه. مشارق الأنوار ج1/ص248.
[2] الأنفال:28.
[3] تفسير ابن كثير ج2/ص302.
[4] الأحزاب: 72.
[5] تفسير الطبري ج22/ص57.
[6] أيسر التفاسير 3/308.
[7] مسند الإمام أحمد 19/376، برقم 12383. وحسنه محققه شعيب الأرنؤوط.
[8] مكارم الأخلاق ج1:ص88، برقم 266.
[9] مجموع الفتاوى ج14/ص440، ج15/ص142، ج30/ص374.
[10] البحر الرائق ج7/ص86، الذخيرة ج10/ص266، المهذب ج2/ص324، المغني ج10/ص170، المبدع ج10/ص249.
[11] سورة الطلاق: آية2، 3.
[12] صحيح البخاري، برقم 1400.
[13] شرح النووي على صحيح مسلم ج7/ص145.
[14] قال النووي: الكفاف: الكفاية بلا زيادة ولا نقص، وفيه فضيلة هذه الأوصاف.
شرح النووي على صحيح مسلم ج7/ص145.
[15] صحيح مسلم، برقم 1054.
[16] صحيح مسلم، برقم 1015.
- التصنيف:
- المصدر: