الزواج من متزوج
أنا آنسة عمري 31 سنة، يشهد لي كل مَن حوْلي بِحسن الأخْلاق والالتزام - ولله الحمد - وتقدَّم لي الكثير من أجْل الزَّواج، لكن لم يقدَّر لي الزَّواج حتَّى الآن، ومعظم مَن تقدَّم لي عن طريق المعارف، ودائمًا -ولله الحمد- أستخير اللهَ قبل الحُكم على مَن يأتي، وأُحاول جاهدةً ألاَّ أظلم أحدًا، فكان عدم اكتِمال أي من الزِّيجات، بعضها من خلال رفضي لعدم ارتياحي، وبعضها من الطَّرف الآخر.
وفي الفترة السابقة أُعْجِب بي زميل لي في العمل، متزوِّج ولديه طفلان، وصرَّح لي بحبِّه لي، وأنَّه يريد الزواج على سنَّة الله ورسوله، وأنَّه بالرَّغم من شُكْرِه لزوجتِه، وأنَّها لا ينقُصُها شيء؛ إلاَّ أنَّه يشعُر بعدم راحة، وأنَّه مستمرٌّ معها من أجْل ألاَّ يظلِمَها، وأنَّها لم تكن من اختِياره بل اختِيار أهلِه لها؛ لأنَّه كان إلى حدٍّ ما منحرفًا ويُريد التَّوبة، فزوَّجوه مبكِّرًا وتاب بعد الزَّواج، وأنا حائرة؛ هل أُوافق، فأكونَ سببًا في ظلْم إنسانة ليس لها ذنبٌ أنَّ زوجَها أحبَّ أُخرى، وربَّما لا توافق على استِمرارها معه، فأكون سببًا في تدْمير حياة أسرة؟
بالنسبة له كشخْص لو لَم يكُن متزوِّجًا لَما تردَّدتُ في الزَّواج منه، بالرَّغم من وجود بعض العيوب، لكن من الممكن تفاديها؛ فلا يوجد إنسان بدون عيوب، والكمال لله وحْده، مع العلم أنَّه يصغُرني بثلاثةِ أعوام ونصف، لكنَّ مشكلتي الوحيدة الآنَ أنِّي أشعر بذنْبِ الألَم الذي سيحدُث لزوجتِه إذا وافقتُ، وأنا أستخيرُ الله يوميًّا أن يُلْهِمني ما فيه الخير.
فما رأْي الشَّرع في الزَّواج من متزوِّج؟
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:
فإنَّ المعيار الصَّحيح في القبول والرَّدِّ بالنِّسبة للزَّواج هو الدين والخلُق؛ لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: "إذا أتاكُم مَن ترضَون دينَه وخُلُقَه فأنكِحوه، إلاَّ تفعلوه تكُنْ فتنةٌ في الأرْض وفسادٌ كبير"، قالوا: يا رسولَ الله، وإن كان فيه؟ قال: "إذا أتاكُم مَن ترضون دينه وخُلُقه فزوِّجوه" ثلاثَ مرَّات (رواه الترمذي عن أبي حاتم المزني).
وقد سبق أن بيَّنَّا ذلك في فتوى: "الكفاءة النَّسَبيَّة في النكاح".
وكوْن هذا الرَّجُل متزوِّجًا من أُخرى لا أثَرَ له، وليس سببًا للتَّردُّد؛ لأنَّه لا يشترط رضا الزَّوجة الأولى أصلاً في إباحة الزَّواج من أخرى، فالشَّرع قد أباح الزَّواج بأربَع، لكن بشرْطِ العدْل والقدْرة على الإنفاق ونحوه.
ثمَّ إنَّك لستِ آثِمةً بقبول الزَّواج من هذا الرجُل، ما دمتِ لم تتزوَّجي بقصْد طلاق زوجتِه الأولى؛ فعن أبي هُريرة قال: "نَهى الرَّسولُ صلَّى الله عليه وسلَّم أن تشترِط المرأةُ طلاقَ أُخْتِها" (متَّفق عليه) وأخرجه البخاري عن أبي سلمة بلفظ: "لا يحلُّ لامرأةٍ تَسأل طلاقَ أُخْتِها لتستفرِغ صفحتَها؛ فإنَّما لها ما قدِّر"، وفي لفظ عند أحمد: "لا تشترِط المرأة طلاقَ أُخْتِها" الحديثَ.
وإن كان الحامل لكِ على قبولِ الزَّواج منه هو إرادةَ العفاف، فذلك مقصِدٌ حسن؛ فقد روى أحمد وأصحابُ السُّنن من حديث أبي هُريْرة: أنَّ رسولَ الله صلَّى الله عليْه وسلَّم قال: "ثلاثة حقٌّ على الله عوْنُهم: المجاهد في سبيل الله، والمكاتَب الذي يريد الأداء، والنَّاكح الذي يريد العفاف".
ومن الحسن كذلك أنَّك لا تُريدين الضَّرر لزوجتِه وأطفالِه، أمَّا ما قد يَحصُل بينه وبين زوجتِه الأولى بسبب زواجه منْكِ، فلستِ مسؤولةً عنه، لأنه مما يترتب على ما أباحه الشرع الحكيم، والواجب على زوجته الصبرُ.
ثم إنه لو لم يتزوجك فسيتزوج أخرى مادام راغبًا في الزواج.
وعليه؛ فإذا كان هذا الرجُل ظاهره الالتزام بشعائر الدين، محافظًا على الصَّلوات، مؤدِّيًا للفرائضِ، مجتنبًا للكبائِر، مرضيَّ الدين والخلُق، وتقدَّم للزَّواج منك، وأمْكَنه توفير مسكن خاصٍّ يلائِمُك، وكان قادرًا على النَّفقة والعدْل بينكِ وبين زوجتِه الأخرى - فلا بأس من الزَّواج منه.
لكن اتضح من سؤالك أنك تعملين في عمل يختلط فيه الرجال والنساء إلى حد رفع الكلفة في المحادثة بينكما في أمور الزواج وبعض الخصوصيات، وقد يكون هناك سفور بحيث رأى منك ما أعجبه، وجميع هذا أيتها الأخت لا يجوز، فاتقي الله، واتركي هذه المخالفات، وفقك الله لما يحب ويرضى،، والله أعلم.
- التصنيف:
- المصدر: