حكم تقبيل الرجل للمرأة بعد الخطبة وقبل العقد

منذ 2013-02-01
السؤال:

أنا مغترب -أعمل في بلد عربي- وعند وصولي لبلدي خَطَبْتُ ومكثت مع خطيبتي شهرًا ثم عُدْتُ لأعْمَل مرةً أخرى بِالخارج، وكنت في هذا الشَّهر تبادَلْتُ مع خطيبتي بعضَ القُبُلات والأحضان، وعندما عُدْتُ لِلعمل كنت أحدِّثها على الإنترنت، وتطوَّر الحديثُ بيننا لِمثل ما حدث في ذلك الشهر وتبادلنا أيضًا القُبُلات الصَّوتيَّة وما شابه ذلك، إلى أن أصبح ذلك عادة لنا، ولكِنْ ليس في كُلّ مكالماتي لها، وينتهي ذلك عندي وعندها بالاستِمْناء،، عفا الله عنَّا وعن كل قارئ لِهذا السُّؤال.
فما حكم ذلك في الدّين؟ هل سيُعَدّ استمناءً أم زِنا؟ ولو كان زنًا فما عقوبته وإثْمه عند الله عزَّ وجلَّ؟ وكيف التَّكفير عنه والتوبة منه؟
أرجو إعطاء بعض النَّصائِح في كيفيَّة الإقلاع عن عمَل هذا الشيء وما شابَهه.

الإجابة:

الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:

فإنْ كان المُراد بِالخطوبة في السّؤال: الخِطبة التي ما بَعْدَ العَقْدِ وقبْل البِناء، فلا حَرَجَ عليْكُما مِمَّا حدث بينكما -سوى العادة السرية- لأنَّه بِمُجرَّد العقد تَصير المرأةُ زوجةً للرَّجل، فلا حَرَجَ على كل منهما أن يَستمْتِعَ بِصاحبه.

وأمَّا إن كان يقصد بالخطوبة مُجرَّد الوعد بالزَّواج والاتّفاق عليه من غير حُصول عقد زواج، فاعلم أنَّ الحدود المسموح بِها بين الخطيب وخطيبتِه هي نفس الحدود المَسموح بِها بَيْنَ الرَّجُل وأيّ امرأةٍ أجنبيَّة عنه، وما حصل بينكما من أَحضانٍ وقُبُلاتٍ مباشرة أو غير مُباشرة محرَّم، وليس في هذه المسألة خلافٌ بيْن عُلماء الأُمَّة.

فكيف إذا وصل بكَ الأمر إلى ما ذكرتَ!! فاتَّقِ الله تعالى، وعُدْ إليه تائبًا واقفًا عند حدوده، واعلمْ أنَّ الذي خلقَكَ من العَدَم ورزقك وأنت نُطْفَةٌ في رَحِم أُمِّك سَيَبْعثُك في يوم يَشيبُ فيه الوِلْدان وتكثر فيه الحسرات.

أمَّا وصول الأمر بينكما إلى الاستِمْناء، فهو منكرٌ أشدّ يَجِبُ عليْكُما التَّوبةُ منه ومِمَّا يَحدُث بينكما من تَجاوزات لا يرضاها الله، قال شيخ الإسلام: "أَمَّا الاسْتِمْنَاءُ فالأَصْلُ فيهِ التَّحرِيمُ عِندَ جُمهُورِ العُلماءِ وعلى فاعِلِه التَّعْزِير؛ ولَيسَ مِثْلَ الزِّنَا" اهـ. ولِمَعرفة حُكْمِ الاستِمْناء وعقوبتِه وكيفية الإقلاع عنه راجع الفتوى: "حكم العادة السرية".

وما ذَكَره السَّائلُ من أفعالٍ شائنة ومُحرَّمة لا يبلغُ درجة الزِّنا -الذي هو من أكبر الكبائر وحدَّ الله فيه مائةَ جلدةٍ للبِكر والرَّجْم للمحصن- وإن كان معصيةً لله عزَّ وجلَّ، ومَن عصى الله فقدِ استوْجَب سخطَه وغضبه، وكفى باستِشعار ذلك زاجرًا للقُلوب الحيَّة، ورادعًا لِمن نصح نفسَه، وقاطعًا لداعي الشهوة؛ قال الحسن البصري: "ويْحكَ يا ابْنَ آدَم! هل لك بِمُحاربة الله طاقة؟ إنَّه مَن عصى الله فقد حاربه".

وليس في الشرع كفَّارة معيَّنة لِمَا حدث بينَكما؛ غير التوبة النَّصوح والاستِغْفار والنَّدم على هذِهِ الأفْعال، والعزمِ الصادق على عدم العَود، مع الإكثار من الأعمال الصالِحة، قال الله تعالى: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى} [طه: 82].

فالعاقل مَن أطاع الله في سرّه وعلانيته، والجاهلُ مَن عصى الله تعالى، فالمعاصي وإن كانتْ صغائرَ إذا دامت عظُم تأثيرها في إظلام القلب، وإضلالِ العبد والتَّمهيد للكبيرة، فلا يتصوّر الوقوع في الكبيرة بغتة من غير سوابق من الصَّغائر، فالزَّاني لا يَزنِي بغتة من غير مُراودة ومقدّمات، والقاتل لا يقتل من غير مُشاحنة ومعاداة، فكلُّ كبيرةٍ تكتَنِفُها صغيرة.

قال البخاري: باب ما يُتَّقى من مُحقّرات الذنوب، وروى فيه عن أنسٍ قال: "إنَّكم لتَعْملون أعمالاً هي أدقّ في أعيُنِكم من الشَّعر، إن كنَّا نعدُّها على عهد النبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم من الموبِقات" يعنِي بذلِك المُهْلكات.

وروى أحمد عن سهْلِ بن سعدٍ قال: قال رسول الله صلى الله عليْه وسلَّم: "إيَّاكم ومُحقّرات الذّنوب، كقومٍ نَزلوا في بطن وادٍ فجاءَ ذا بعودٍ وجاء ذا بعودٍ حتَّى أنضجوا خُبْزتَهم، وإنَّ محقّرات الذّنوب متى يؤخذْ بِها صاحبُها تُهلكه".

هذا؛ وإنَّ مِمَّا يُعين على ترك المعصية تذكُّر شؤمِها، فالمعاصي تُزيل النِّعم وتحلّ النِّقم، كما قيل لوُهَيْب بن الورد: يَجِدُ حلاوةَ الطَّاعة مَن عصى؟ قال: لا ولا مَن همّ.
وللوقوف على شؤم المعصية يراجع كتاب "الداء والدواء" لابن القيم،، والله أعلم.

خالد عبد المنعم الرفاعي

يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام

  • 79
  • 7
  • 627,069

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً