رسالة في التوسل والوسيلةالجزء الثلاثون.
ابن تيمية
- التصنيفات: العقيدة الإسلامية -
السؤال: رسالة في التوسل والوسيلةالجزء الثلاثون.
الإجابة: وأما السفر إلى زيارة قبور الأنبياء والصالحين فلا يجب بالنذر عند أحد
منهم لأنه ليس بطاعة، فكيف يكون من فعل هذا كواحد من أصحابه ؟ وهذا
مالك كره أن يقول الرجل: زرت قبر رسول اللّه صلى الله عليه وسلم،
واستعظمه. وقد قيل: إن ذلك ككراهية زيارة القبور، وقيل: لأن
الزائر أفضل من المزور، وكلاهما ضعيف عند أصحاب مالك.
والصحيح أن ذلك لأن لفظ زيارة القبر مجمل يدخل فيها الزيارة البدعية التى هى من جنس الشرك، فإن زيارة قبور الأنبياء وسائر المؤمنين على وجهين ـ كما تقدم ذكره ـ: زيارة شرعية، وزيارة بدعية.
فالزيارة الشرعية يقصد بها السلام عليهم والدعاء لهم، كما يقصد الصلاة على أحدهم إذا مات فيصلى عليه صلاة الجنازة، فهذه الزيارة الشرعية.
والثانى: أن يزورها كزيارة المشركين وأهل البدع لدعاء الموتى وطلب الحاجات منهم، أو لاعتقاده أن الدعاء عند قبر أحدهم أفضل من الدعاء فى المساجد والبيوت، أو أن الإقسام بهم على اللّه وسؤاله سبحانه بهم أمر مشروع يقتضى إجابة الدعاء، فمثل هذه الزيارة بدعة منهى عنها.
فإذا كان لفظ [الزيارة] مجملاً يحتمل حقاً وباطلاً، عدل عنه إلى لفظ لا لبس فيه كلفظ "السلام" عليه، ولم يكن لأحد أن يحتج على مالك بما روى فى زيارة قبره أو زيارته بعد موته، فإن هذه كلها أحاديث ضعيفة بل موضوعة، لا يحتج بشىء منها فى أحكام الشريعة.
والثابت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: " " هذا هو الثابت فى الصحيح، ولكن بعضهم رواه بالمعنى فقال: قبرى. وهو صلى الله عليه وسلم حين قال هذا القول لم يكن قد قبر بعد ـ صلوات اللّه وسلامه عليه ـ ولهذا لم يحتج بهذا أحد من الصحابة، لما تنازعوا فى موضع دفنه، ولو كان هذا عندهم لكان نصاً فى محل النزاع. ولكن دفن فى حجرة عائشة فى الموضع الذى مات فيه، بأبى هو وأمى ـ صلوات الله عليه وسلامه.
ثم لما وسع المسجد فى خلافة الوليد بن عبد الملك، وكان نائبه على المدينة عمر بن عبد العزيز أمره أن يشترى الحجر ويزيدها فى المسجد، وكانت الحجر من جهة المشرق والقبلة فزيدت فى المسجد ودخلت حجرة عائشة فى المسجد من حينئذ، وبنوا الحائط البرانى مُسَنَّما محرفاً، فإنه ثبت فى صحيح مسلم من حديث أبى مرثد الغنوى أنه قال صلى الله عليه وسلم " " لأن ذلك يشبه السجود لها، وإن كان المصلى إنما يقصد الصلاة لله تعالى. وكما نهى عن اتخاذها مساجد ونهى عن قصد الصلاة عندها، وإن كان المصلى إنما يقصد الصلاة لله سبحانه والدعاء له.
فمن قصد قبور الأنبياء والصالحين لأجل الصلاة والدعاء عندها، فقد قصد نفس المحرم الذى سد الله ورسوله ذريعته، وهذا بخلاف السلام المشروع، حسبما تقدم.
وقد روى سفيان الثورى عن عبد الله بن السائب، عن زاذان، عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " " رواه النسائى وأبو حاتم فى صحيحه، وروى نحوه عن أبى هريرة. فهذا فيه أن سلام البعيد تبلغه الملائكة.
وفى الحديث المشهور الذى رواه أبو الأشعث الصنعانى عن أوس بن أوس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ".
وفى مسند الإمام أحمد: حدثنا شُرَيح، حدثنا عبد الله بن نافع عن ابن أبى ذئب، عن المقبرى، عن أبى هريرة قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: " " ورواه أبو داود. قال القاضى عياض: وروى أبو بكر بن أبى شيبة عن أبى هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ".
وهذا قد رواه محمد بن مروان السدى عن الأعمش عن أبى صالح عن أبى هريرة، وهذا هو السدى الصغير وليس بثقة، وليس هذا من حديث الأعمش.
وروى أبو يعلى الموصلى فى مسنده، عن موسى بن محمد بن حبان، عن أبى بكر الحنفى: حدثنا عبد الله بن نافع، حدثنا العلاء بن عبد الرحمن سمعت الحسن بن على قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ".
وروى سعيد بن منصور فى سننه أن عبد الله بن حسن بن حسن بن على بن أبى طالب رأى رجلا يكثر الاختلاف إلى قبر النبى صلى الله عليه وسلم قال له: يا هذا، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " " فما أنت ورجل بالأندلس منه إلا سواء.
وروى هذا المعنى عن على بن الحسين زين العابدين عن أبيه عن على بن أبى طالب، ذكره أبو عبد الله محمد بن عبد الواحد المقدسى الحافظ فى مختاره الذى هو أصح من صحيح الحاكم. وذكر القاضى عياض عن الحسن بن على قال: إذا دخلت فسلم على النبى صلى الله عليه وسلم، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ".
ومما يوهن هذه الحكاية أنه قال فيها: (ولم تصرف وجهك عنه وهو وسيلتك ووسيلة أبيك آدم إلى الله يوم القيامة) إنما يدل على أنه يوم القيامة تتوسل الناس بشفاعته، وهذا حق كما تواترت به الأحاديث، لكن إذا كان الناس يتوسلون بدعائه وشفاعته يوم القيامة كما كان أصحابه يتوسلون بدعائه وشفاعته فى حياته، فإنما ذاك طلب لدعائه وشفاعته، فنظير هذا ـ لو كانت الحكاية صحيحة ـ أن يطلب منه الدعاء والشفاعة فى الدنيا عند قبره.
ومعلوم أن هذا لم يأمر به النبى صلى الله عليه وسلم ولا سنه لأمته، ولا فعله أحد من الصحابة والتابعين لهم بإحسان، ولا استحبه أحد من أئمة المسلمين لا مالك ولا غيره من الأئمة، فكيف يجوز أن ينسب إلى مالك مثل هذا الكلام الذى لا يقوله إلا جاهل لا يعرف الأدلة الشرعية ولا الأحكام المعلومة أدلتها الشرعية، مع علو قدر مالك وعظم فضيلته وإمامته، وتمام رغبته فى اتباع السنة وذم البدع وأهلها ؟ وهل يأمر بهذا أو يشرعه إلا مبتدع ؟ فلو لم يكن عن مالك قول يناقض هذا، لعلم أنه لا يقول مثل هذا.
والصحيح أن ذلك لأن لفظ زيارة القبر مجمل يدخل فيها الزيارة البدعية التى هى من جنس الشرك، فإن زيارة قبور الأنبياء وسائر المؤمنين على وجهين ـ كما تقدم ذكره ـ: زيارة شرعية، وزيارة بدعية.
فالزيارة الشرعية يقصد بها السلام عليهم والدعاء لهم، كما يقصد الصلاة على أحدهم إذا مات فيصلى عليه صلاة الجنازة، فهذه الزيارة الشرعية.
والثانى: أن يزورها كزيارة المشركين وأهل البدع لدعاء الموتى وطلب الحاجات منهم، أو لاعتقاده أن الدعاء عند قبر أحدهم أفضل من الدعاء فى المساجد والبيوت، أو أن الإقسام بهم على اللّه وسؤاله سبحانه بهم أمر مشروع يقتضى إجابة الدعاء، فمثل هذه الزيارة بدعة منهى عنها.
فإذا كان لفظ [الزيارة] مجملاً يحتمل حقاً وباطلاً، عدل عنه إلى لفظ لا لبس فيه كلفظ "السلام" عليه، ولم يكن لأحد أن يحتج على مالك بما روى فى زيارة قبره أو زيارته بعد موته، فإن هذه كلها أحاديث ضعيفة بل موضوعة، لا يحتج بشىء منها فى أحكام الشريعة.
والثابت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: " " هذا هو الثابت فى الصحيح، ولكن بعضهم رواه بالمعنى فقال: قبرى. وهو صلى الله عليه وسلم حين قال هذا القول لم يكن قد قبر بعد ـ صلوات اللّه وسلامه عليه ـ ولهذا لم يحتج بهذا أحد من الصحابة، لما تنازعوا فى موضع دفنه، ولو كان هذا عندهم لكان نصاً فى محل النزاع. ولكن دفن فى حجرة عائشة فى الموضع الذى مات فيه، بأبى هو وأمى ـ صلوات الله عليه وسلامه.
ثم لما وسع المسجد فى خلافة الوليد بن عبد الملك، وكان نائبه على المدينة عمر بن عبد العزيز أمره أن يشترى الحجر ويزيدها فى المسجد، وكانت الحجر من جهة المشرق والقبلة فزيدت فى المسجد ودخلت حجرة عائشة فى المسجد من حينئذ، وبنوا الحائط البرانى مُسَنَّما محرفاً، فإنه ثبت فى صحيح مسلم من حديث أبى مرثد الغنوى أنه قال صلى الله عليه وسلم " " لأن ذلك يشبه السجود لها، وإن كان المصلى إنما يقصد الصلاة لله تعالى. وكما نهى عن اتخاذها مساجد ونهى عن قصد الصلاة عندها، وإن كان المصلى إنما يقصد الصلاة لله سبحانه والدعاء له.
فمن قصد قبور الأنبياء والصالحين لأجل الصلاة والدعاء عندها، فقد قصد نفس المحرم الذى سد الله ورسوله ذريعته، وهذا بخلاف السلام المشروع، حسبما تقدم.
وقد روى سفيان الثورى عن عبد الله بن السائب، عن زاذان، عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " " رواه النسائى وأبو حاتم فى صحيحه، وروى نحوه عن أبى هريرة. فهذا فيه أن سلام البعيد تبلغه الملائكة.
وفى الحديث المشهور الذى رواه أبو الأشعث الصنعانى عن أوس بن أوس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ".
وفى مسند الإمام أحمد: حدثنا شُرَيح، حدثنا عبد الله بن نافع عن ابن أبى ذئب، عن المقبرى، عن أبى هريرة قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: " " ورواه أبو داود. قال القاضى عياض: وروى أبو بكر بن أبى شيبة عن أبى هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ".
وهذا قد رواه محمد بن مروان السدى عن الأعمش عن أبى صالح عن أبى هريرة، وهذا هو السدى الصغير وليس بثقة، وليس هذا من حديث الأعمش.
وروى أبو يعلى الموصلى فى مسنده، عن موسى بن محمد بن حبان، عن أبى بكر الحنفى: حدثنا عبد الله بن نافع، حدثنا العلاء بن عبد الرحمن سمعت الحسن بن على قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ".
وروى سعيد بن منصور فى سننه أن عبد الله بن حسن بن حسن بن على بن أبى طالب رأى رجلا يكثر الاختلاف إلى قبر النبى صلى الله عليه وسلم قال له: يا هذا، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " " فما أنت ورجل بالأندلس منه إلا سواء.
وروى هذا المعنى عن على بن الحسين زين العابدين عن أبيه عن على بن أبى طالب، ذكره أبو عبد الله محمد بن عبد الواحد المقدسى الحافظ فى مختاره الذى هو أصح من صحيح الحاكم. وذكر القاضى عياض عن الحسن بن على قال: إذا دخلت فسلم على النبى صلى الله عليه وسلم، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ".
ومما يوهن هذه الحكاية أنه قال فيها: (ولم تصرف وجهك عنه وهو وسيلتك ووسيلة أبيك آدم إلى الله يوم القيامة) إنما يدل على أنه يوم القيامة تتوسل الناس بشفاعته، وهذا حق كما تواترت به الأحاديث، لكن إذا كان الناس يتوسلون بدعائه وشفاعته يوم القيامة كما كان أصحابه يتوسلون بدعائه وشفاعته فى حياته، فإنما ذاك طلب لدعائه وشفاعته، فنظير هذا ـ لو كانت الحكاية صحيحة ـ أن يطلب منه الدعاء والشفاعة فى الدنيا عند قبره.
ومعلوم أن هذا لم يأمر به النبى صلى الله عليه وسلم ولا سنه لأمته، ولا فعله أحد من الصحابة والتابعين لهم بإحسان، ولا استحبه أحد من أئمة المسلمين لا مالك ولا غيره من الأئمة، فكيف يجوز أن ينسب إلى مالك مثل هذا الكلام الذى لا يقوله إلا جاهل لا يعرف الأدلة الشرعية ولا الأحكام المعلومة أدلتها الشرعية، مع علو قدر مالك وعظم فضيلته وإمامته، وتمام رغبته فى اتباع السنة وذم البدع وأهلها ؟ وهل يأمر بهذا أو يشرعه إلا مبتدع ؟ فلو لم يكن عن مالك قول يناقض هذا، لعلم أنه لا يقول مثل هذا.