رسالة في التوسل والوسيلةالجزء الثاني الثلاثون.
منذ 2006-12-01
السؤال: رسالة في التوسل والوسيلةالجزء الثاني الثلاثون.
الإجابة: ومن لم يعرف لغة الصحابة التى كانوا يتخاطبون بها ويخاطبهم بها النبى
صلى الله عليه وسلم وعادتهم فى الكلام، وإلا حرف الكلم عن مواضعه، فإن
كثيراً من الناس ينشأ على اصطلاح قومه وعادتهم فى الألفاظ، ثم يجد تلك
الألفاظ فى كلام اللّه أو رسوله أو الصحابة، فيظن أن مراد اللّه أو
رسوله أو الصحابة بتلك الألفاظ ما يريده بذلك أهل عادته واصطلاحه،
ويكون مراد اللّه ورسوله والصحابة خلاف ذلك.
وهذا واقع لطوائف من الناس من أهل الكلام والفقه والنحو والعامة وغيرهم، وآخرون يتعمدون وضع ألفاظ الأنبياء وأتباعهم على معان أخر مخالفة لمعانيهم، ثم ينطقون بتلك الألفاظ مريدين بها ما يعنونه هم، ويقولون: إنا موافقون للأنبياء ! وهذا موجود فى كلام كثير من الملاحدة المتفلسفة والإسماعيلية ومن ضاهاهم من ملاحدة المتكلمة والمتصوفة، مثل من وضع [المحدث] و[المخلوق] و [المصنوع] على ماهو معلول وإن كان عنده قديماً أزلياً، ويسمى ذلك [الحدوث الذاتى] ثم يقول: نحن نقول: إن العالم محدث، وهو مراده.ومعلوم أن لفظ المحدث بهذا الاعتبار ليس لغة أحد من الأمم، وإنما المحدث عندهم ما كانوا بعد أن لم يكن.
وكذلك يضعون لفظ [الملائكة] على ما يثبتونه من العقول والنفوس وقوى النفس.ولفظ [الجن] و [الشياطين] على بعض قوى النفس، ثم يقولون: نحن نثبت ما أخبرت به الأنبياء وأقر به جمهور الناس من الملائكة والجن والشياطين.
ومن عرف مراد الأنبياء ومرادهم علم بالاضطرار أن هذا ليس هو ذاك، مثل أن يعلم مرادهم بالعقل الأول، وأنه مقارن عندهم لرب العالمين أزلا وأبداً، وأنه مبدع لكل ما سواه، أو بتوسطه حصل كل ما سواه.
والعقل الفعال عندهم عنه يصدر كل ما تحت فلك القمر، ويعلم بالاضطرار من دين الأنبياء أنه ليس من الملائكة عندهم من هو رب كل ما سوى الله، ولا رب كل ما تحت فلك القمر، ولا من هو قديم أزلى أبدى لم يزل ولا يزال.
ويعلم أن الحديث الذى يروى (أول ما خلق اللّه العقل) حديث باطل عن النبى صلى الله عليه وسلم مع أنه لو كان حقا لكان حجة عليهم، فإن لفظه (أول ما خلق الله العقل) بنصب الأول على الظرفية (فقال له: أقبل، فأقبل.ثم قال له: أدبر، فأدبر.فقال: وعزتى ما خلقت خلقًا أكرم علىَّ منك، فبك آخذ، وبك أعطى، وبك الثواب وبك العقاب) وروى (لما خلق الله العقل) فالحديث لو كان ثابتًا كان معناه أنه خاطب العقل فى أول أوقات خلقه، وأنه خلق قبل غيره، وأنه تحصل به هذه الأمور الأربعة لا كل المصنوعات.
و[العقل] فى لغة المسلمين مصدر عقل يعقل عقلا، يراد به القوة التى بها يعقل، وعلوم وأعمال تحصل بذلك، لا يراد بها قط فى لغة: جوهر قائم بنفسه، فلا يمكن أن يراد هذا المعنى بلفظ العقل.مع أنا قد بينا فى مواضع أخر فساد ما ذكروه من جهة العقل الصريح، وأن ما ذكروه من المجردات والمفارقات ينتهى أمرهم فيه إلى إثبات النفس التى تفارق البدن بالموت، وإلى إثبات ما تجرده النفس من المعقولات القائمة بها؛ فهذا منتهى ما يثبتونه من الحق فى هذا الباب.
والمقصود هنا: أن كثيراً من كلام الله ورسوله يتكلم به من يسلك مسلكهم، ويريد مرادهم لا مراد الله ورسوله، كما يوجد فى كلام صاحب [الكتب المضنون بها] وغيره، مثل ما ذكره فى [اللوح المحفوظ] حيث جعله النفس الفلكية، ولفظ [القلم] حيث جعله العقل الأول، ولفظ [الملكوت] و[الجبروت] و[الملك] حيث جعل ذلك عبارة عن النفس والعقل، ولفظ [الشفاعة] حيث جعل ذلك فيضا يفيض من الشفيع على المستشفع وإن كان الشفيع قد لا يدرى، وسلك فى هذه الأمور ونحوها مسالك ابن سينا، كما قد بسط فى موضع آخر.
والمقصود هنا ذكر من يقع ذلك منه من غير تدبر منه للغة الرسول صلى الله عليه وسلم كلفظ القديم، فإنه فى لغة الرسول التى جاء بها القرآن خلاف الحديث وإن كان مسبوقا بغيره، كقوله تعالى: { حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ }[يس: 39]، وقال تعالى عن إخوة يوسف: { تَاللّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلاَلِكَ الْقَدِيمِ }[يوسف: 95]، وقوله تعالى:{ قَالَ أَفَرَأَيْتُم مَّا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ أَنتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ }[الشعراء: 75، 76] وهو عند أهل الكلام عبارة عما لم يزل أو عما لم يسبقه وجود غيره إن لم يكن مسبوقا بعدم نفسه، ويجعلونه ـ إذا أريد به هذا ـ من باب المجاز، ولفظ [المحدث] فى لغة القرآن يقابل للفظ [القديم] فى القرآن.
وكذلك لفظ [الكلمة] فى القرآن والحديث وسائر لغة العرب، إنما يراد به الجملة التامة، كقوله صلى الله عليه وسلم: " "، وقوله: " "، ومنه قوله تعالى: { كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا }[الكهف: 5]، وقوله تعالى: { قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ } الآية [آل عمران: 64]، وقوله تعالى: {وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا}[التوبة: 40]، وأمثال ذلك، ولا يوجد لفظ الكلام فى لغة العرب إلا بهذا المعنى.
والنحاة اصطلحوا على أن يسموا [الاسم] وحده، و[الفعل] و [الحرف] كلمة، ثم يقول بعضهم: وقد يراد بالكلمة الكلام، فيظن من اعتاد هذا أن هذا هو لغة العرب، وكذلك لفظ [ذوى الأرحام] فى الكتاب والسنة يراد به الأقارب من جهة الأبوين فيدخل فيهم العصبة وذوو الفروض، وإن شمل ذلك من لا يرث بفرض ولا تعصيب ، ثم صار ذلك فى اصطلاح الفقهاء اسما لهؤلاء دون غيرهم، فيظن من لا يعرف إلا ذلك أن هذا هو المراد بهذا اللفظ فى كلام اللّه ورسوله وكلام الصحابة، ونظائر هذا كثيرة.
ولفظ [التوسل] و [الاستشفاع] ونحوهما دخل فيها من تغيير لغة الرسول وأصحابه، ما أوجب غلط من غلط عليهم فى دينهم ولغتهم.
والعلم يحتاج إلى نقل مصدق ونظر محقوق.
والمنقول عن السلف والعلماء يحتاج إلى معرفة بثبوت لفظه ومعرفة دلالته، كما يحتاج إلى ذلك المنقول عن الله ورسوله.فهذا ما يتعلق بهذه الحكاية.
وهذا واقع لطوائف من الناس من أهل الكلام والفقه والنحو والعامة وغيرهم، وآخرون يتعمدون وضع ألفاظ الأنبياء وأتباعهم على معان أخر مخالفة لمعانيهم، ثم ينطقون بتلك الألفاظ مريدين بها ما يعنونه هم، ويقولون: إنا موافقون للأنبياء ! وهذا موجود فى كلام كثير من الملاحدة المتفلسفة والإسماعيلية ومن ضاهاهم من ملاحدة المتكلمة والمتصوفة، مثل من وضع [المحدث] و[المخلوق] و [المصنوع] على ماهو معلول وإن كان عنده قديماً أزلياً، ويسمى ذلك [الحدوث الذاتى] ثم يقول: نحن نقول: إن العالم محدث، وهو مراده.ومعلوم أن لفظ المحدث بهذا الاعتبار ليس لغة أحد من الأمم، وإنما المحدث عندهم ما كانوا بعد أن لم يكن.
وكذلك يضعون لفظ [الملائكة] على ما يثبتونه من العقول والنفوس وقوى النفس.ولفظ [الجن] و [الشياطين] على بعض قوى النفس، ثم يقولون: نحن نثبت ما أخبرت به الأنبياء وأقر به جمهور الناس من الملائكة والجن والشياطين.
ومن عرف مراد الأنبياء ومرادهم علم بالاضطرار أن هذا ليس هو ذاك، مثل أن يعلم مرادهم بالعقل الأول، وأنه مقارن عندهم لرب العالمين أزلا وأبداً، وأنه مبدع لكل ما سواه، أو بتوسطه حصل كل ما سواه.
والعقل الفعال عندهم عنه يصدر كل ما تحت فلك القمر، ويعلم بالاضطرار من دين الأنبياء أنه ليس من الملائكة عندهم من هو رب كل ما سوى الله، ولا رب كل ما تحت فلك القمر، ولا من هو قديم أزلى أبدى لم يزل ولا يزال.
ويعلم أن الحديث الذى يروى (أول ما خلق اللّه العقل) حديث باطل عن النبى صلى الله عليه وسلم مع أنه لو كان حقا لكان حجة عليهم، فإن لفظه (أول ما خلق الله العقل) بنصب الأول على الظرفية (فقال له: أقبل، فأقبل.ثم قال له: أدبر، فأدبر.فقال: وعزتى ما خلقت خلقًا أكرم علىَّ منك، فبك آخذ، وبك أعطى، وبك الثواب وبك العقاب) وروى (لما خلق الله العقل) فالحديث لو كان ثابتًا كان معناه أنه خاطب العقل فى أول أوقات خلقه، وأنه خلق قبل غيره، وأنه تحصل به هذه الأمور الأربعة لا كل المصنوعات.
و[العقل] فى لغة المسلمين مصدر عقل يعقل عقلا، يراد به القوة التى بها يعقل، وعلوم وأعمال تحصل بذلك، لا يراد بها قط فى لغة: جوهر قائم بنفسه، فلا يمكن أن يراد هذا المعنى بلفظ العقل.مع أنا قد بينا فى مواضع أخر فساد ما ذكروه من جهة العقل الصريح، وأن ما ذكروه من المجردات والمفارقات ينتهى أمرهم فيه إلى إثبات النفس التى تفارق البدن بالموت، وإلى إثبات ما تجرده النفس من المعقولات القائمة بها؛ فهذا منتهى ما يثبتونه من الحق فى هذا الباب.
والمقصود هنا: أن كثيراً من كلام الله ورسوله يتكلم به من يسلك مسلكهم، ويريد مرادهم لا مراد الله ورسوله، كما يوجد فى كلام صاحب [الكتب المضنون بها] وغيره، مثل ما ذكره فى [اللوح المحفوظ] حيث جعله النفس الفلكية، ولفظ [القلم] حيث جعله العقل الأول، ولفظ [الملكوت] و[الجبروت] و[الملك] حيث جعل ذلك عبارة عن النفس والعقل، ولفظ [الشفاعة] حيث جعل ذلك فيضا يفيض من الشفيع على المستشفع وإن كان الشفيع قد لا يدرى، وسلك فى هذه الأمور ونحوها مسالك ابن سينا، كما قد بسط فى موضع آخر.
والمقصود هنا ذكر من يقع ذلك منه من غير تدبر منه للغة الرسول صلى الله عليه وسلم كلفظ القديم، فإنه فى لغة الرسول التى جاء بها القرآن خلاف الحديث وإن كان مسبوقا بغيره، كقوله تعالى: { حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ }[يس: 39]، وقال تعالى عن إخوة يوسف: { تَاللّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلاَلِكَ الْقَدِيمِ }[يوسف: 95]، وقوله تعالى:{ قَالَ أَفَرَأَيْتُم مَّا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ أَنتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ }[الشعراء: 75، 76] وهو عند أهل الكلام عبارة عما لم يزل أو عما لم يسبقه وجود غيره إن لم يكن مسبوقا بعدم نفسه، ويجعلونه ـ إذا أريد به هذا ـ من باب المجاز، ولفظ [المحدث] فى لغة القرآن يقابل للفظ [القديم] فى القرآن.
وكذلك لفظ [الكلمة] فى القرآن والحديث وسائر لغة العرب، إنما يراد به الجملة التامة، كقوله صلى الله عليه وسلم: " "، وقوله: " "، ومنه قوله تعالى: { كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا }[الكهف: 5]، وقوله تعالى: { قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ } الآية [آل عمران: 64]، وقوله تعالى: {وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا}[التوبة: 40]، وأمثال ذلك، ولا يوجد لفظ الكلام فى لغة العرب إلا بهذا المعنى.
والنحاة اصطلحوا على أن يسموا [الاسم] وحده، و[الفعل] و [الحرف] كلمة، ثم يقول بعضهم: وقد يراد بالكلمة الكلام، فيظن من اعتاد هذا أن هذا هو لغة العرب، وكذلك لفظ [ذوى الأرحام] فى الكتاب والسنة يراد به الأقارب من جهة الأبوين فيدخل فيهم العصبة وذوو الفروض، وإن شمل ذلك من لا يرث بفرض ولا تعصيب ، ثم صار ذلك فى اصطلاح الفقهاء اسما لهؤلاء دون غيرهم، فيظن من لا يعرف إلا ذلك أن هذا هو المراد بهذا اللفظ فى كلام اللّه ورسوله وكلام الصحابة، ونظائر هذا كثيرة.
ولفظ [التوسل] و [الاستشفاع] ونحوهما دخل فيها من تغيير لغة الرسول وأصحابه، ما أوجب غلط من غلط عليهم فى دينهم ولغتهم.
والعلم يحتاج إلى نقل مصدق ونظر محقوق.
والمنقول عن السلف والعلماء يحتاج إلى معرفة بثبوت لفظه ومعرفة دلالته، كما يحتاج إلى ذلك المنقول عن الله ورسوله.فهذا ما يتعلق بهذه الحكاية.
- التصنيف: