القبرُ خارجَ حِيطانِ المسْجِدِ

منذ 2013-02-03
السؤال:

يوجدُ في بَلدَتِنا مساجدُ بها قُبورٌ ولكن بصفةٍ خاصَّةٍ مما يجعلُنا مُتحِيِّرينَ؛ القبرُ المشارُ إِليه لا يكونُ داخلَ حِيطانِ المسْجدِ ولكنْ خارجها ولهُ مَدخَلٌ خاصٌّ به، في بعضِ هذهِ المساجدِ يكونُ القبرُ المفصولُ -هذا- في مُؤخرةِ المسجدِ خارجًا عنهُ، وفي بعضِها يكونُ أمامَ المسجدِ أو عنْ يمينِه وخارِجًا عنْه أيضًا، وَقَدْ قرأتُ فَتْوى على موْقعِ طريقِ الإِسلامِ منْسوبةً للشَّيخِ الحُويْنِيِّ مُفادُها أَنَّ المسجدَ لو كانَ مُحاطًا بالقُبُورِ والقِبابِ من كُلِّ الجوانبِ فلا بأسَ، ما دامَ القبرُ غيرَ موجودٍ داخلَ حِيطانِ المسجدِ، وحيثُ إنَّنا لا نستطيعُ الاستيثاقَ من ذلكَ وَلِثقَتِنا بكُم -حَفِظَكُمُ اللهُ- نودُّ إجابتَنا عنْ هذا السؤالِ، مع العلمِ بأنَّ عقيدَتَنا -والحمدُ للهِ- هي عقيدةُ السَّلفِ ولا نعظِّمُ أحدًا من أهلِ القبورِ؛ حيث إنَّ هذا الأمرَ فيه حرجٌ بالنسبةِ لنا، فهذهِ المساجدُ أحيانًا كثيرةً لا نجدُ بُدًّا من الصَّلاةِ فيها، فهلْ نُصلِّي فيها أمْ نمتنعُ؟

الإجابة:

الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:

فَقَدْ صَحَّ عن النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم في أحاديثَ كثيرة جدًّا النَّهْيُ عن بناء المساجِدِ على القبور أو الصلاةِ عِنْدَها من غَيْرِ بِناء، حتَّى لا تُتَّخذَ ذريعةً إِلَى الشِّرك وأسبابه؛ ففي الصحيحَيْنِ عنْ عائشةَ رضي الله عنها أَنها قالتْ: قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لعنَ اللهُ اليهودَ والنَّصارى اتَّخذُوا قُبورَ أنبيائِهم مساجدَ" قالتْ: ولولا ذلكَ أُبرِزَ قبرُه، غيرَ أنَّه خَشِيَ أنْ يُتَّخَذَ مَسْجِدًا.

وروى مُسلم منْ حديثِ جُندب أنَّ الرسول صلى الله عليه وسلَّم قالَ: "أَلا فلا تَتَّخِذُوا القبورَ مساجدَ؛ إِنِّي أنهاكُم عن ذلكَ".

وقد سَبَقَ بيانُ ذلك مفصلًا في الفتويين: "حكم الصلاة في المساجد التي فيها مقامات"، "الصلاة في مسجد نُبشَ قَبرُه" فليرجع إليهما. 


أما إن كان القبر خارجَ سُورِ المسجدِ وفي أي جهةٍ كان، فلا يؤثِّرُ على مشروعيَّةِ الصلاةِ فيه؛ قالَ البُهُوتي في "شرحِ مُنْتَهى الإِرَاداتِ": "(وتكره) الصلاة (إليها) –المقبرة- لحديث أبي مرثد الغنوي مرفوعًا ((لا تُصَلُّوا إلى القبور ولا تَجلسوا إليها))؛ رواه الشيخان (بلا حائل) فإن كان حائل لم تكره الصلاة (ولو) كان (كمؤخرة رحل) كسترة المتخلي, فلا يكفي الخط, ويكفي حائطُ المسجد". اهـ.

وقالَ في "الشرح الكبير": "إنْ صلَّى إلى المقبرةِ والحُشِّ فهو كالمصلِّي فيها، إذا لم يَكُنْ بينَه وبينَها حائِلٌ، كما روى أبو مَرثدٍ الغنويُّ أنَّه سمعَ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: "لا تُصلُّوا إِلى القُبورِ ولا تجْلسِوا عليها" (متَّفق عليه) اهـ.

وقد سُئل الشَّيخُ ابْنُ باز عن مَسجدٍ جامع يقَعُ وسَطَ المَقابر الَّتي تُحيطُ به من الشَّمال والجَنوب، والمسافة بينَهُ وبيْنَ الجِهة الشمالية مِتران، وكذلك الجنوبيَّة متران، فأجاب: "لا حَرَجَ في بَقاءَ المسْجِد المَذْكور؛ لأنَّ العادة جاريةٌ أنَّ النَّاس يَدْفِنُون حولَ المَسْجِد، فلا يضرُّ ذلك شيئًا، والمقصود أنَّ الدَّفن حول المساجد لا بأسَ به، لأنَّه أسْهَلُ على النَّاس، فإذا خرجوا من المسْجِد دفَنُوه حول المَسْجِد، فلا يضرُّ ذلك شيئًا ولا يؤثِّرُ في صلاة المصلين، لكن إذا كان في قِبْلة المسجد شيءٌ من القُبُور، فالأحْوَطُ أن يكونَ بَيْنَ المَسْجِد وبَيْنَ المقْبَرَة جِدَارٌ آخَر غَيْر جِدار المَسْجِد، أو طريقٌ يفْصِلُ بينهُما، هذا هو الأحْوَطُ والأَوْلى؛ ليكونَ ذلك أبعدَ عنِ استِقْبالِهم لِلقبور، أمَّا إن كانتْ عن يَمين المسْجِد أو عن شِمالِه، أي عن يَمين المصلِّين، أو عن شِمالهم فلا يضرُّهم شيئًا؛ لأنَّهم لا يستقبلونَها، لأنَّ هذا أبعدُ عنِ اسْتِقْبالِها وعن شُبْهة الاستقبال.

وعليه؛ فإنَّ الصلاةَ في المسْاجِد المذكور لا حَرَجَ فيها ما دامتْ هذه القبورُ خارجَ سور المسجدِ؛ لعموم قولِه صلى الله عليه وسلم: "جُعِلْت لي الأَرْضُ مسجدًا وطهورًا، وأيّما رجُلٍ من أمتي أَدْرَكَتْهُ الصَّلاةَ فلْيُصَلّ" (متَّفَقٌ عليْهِ عن جابر بن عبدالله)،، والله أعلم.

خالد عبد المنعم الرفاعي

يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام

  • 3
  • 0
  • 10,134

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً