حكم الطلاق غصبًا
خالد عبد المنعم الرفاعي
- التصنيفات: أحكام الطلاق -
ما حكم من طلق امرأته غصبًا؟
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:
فإن كان المقْصود بكلمة "غصبًا"؛ أي: "مكرهًا"، كما هو الظَّاهر، فلا يقع الطَّلاق في قوْلِ جُمهور أهْلِ العِلْم؛ لقولِه صلَّى الله عليْه وسلَّم: "إنَّ الله تَجاوزَ لي عن أُمَّتِي: الخطأَ، والنِّسيان، وما استُكْرِهوا عليْه" (أخرجه ابن ماجه).
قال ابن قدامة في "المغني": "ومَن أُكْرِه على الطَّلاق، لم يلْزمه، لا تختلِف الرِّواية عن أحْمد، أنَّ طلاق المُكْره لا يقع، ورُوي ذلك عن عمر، وعلي، وابْنِ عُمر، وابن عباس، وابن الزُّبير، وجابر بن سمرة.
وبه قال عبدالله بن عبيد بن عمير، وعكرمة، والحسن، وجابر بن زيد، وشريح، وعطاء، وطاوس، وعمر بن عبدالعزيز، وابن عون، وأيُّوب السخْتِياني، ومالك، والأوزاعي، والشَّافعي، وإسحاق، وأبو ثور، وأبو عُبَيْد.
وأجازه أبو قلابة، والشعبي، والنَّخعي، والزُّهري، والثوري، وأبو حنيفة، وصاحباه؛ لأنَّه طلاقٌ من مكلَّف، في محلٍّ يملكه، فينفذ، كطلاق غير المكره.
ولنا قولُ النَّبيِّ صلَّى الله عليْه وسلَّم: "إنَّ الله وضع عن أمَّتي: الخطأ، والنسيان، وما استكرهوا عليه" (رواه ابن ماجه).
وعن عائشة رضِي الله عنْها قالت: سمِعْتُ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول: "لا طلاقَ في إغْلاق" (رواه أبو داود، والأثرم)، قال أبو عبيد، والقُتَيْبي: معناه: في إكراه، وقال أبو بكر: سألتُ ابنَ دُرَيْد وأبا طاهرٍ النَّحويَّين، فقالا: يُريد الإكراه؛ لأنَّه إذا أُكْرِه، انغلق عليه رأْيُه، ولأنَّه قول مَن سمَّينا من الصَّحابة، ولا مخالفَ لهم في عصْرِهم، فيكون إجماعًا؛ ولأنَّه قولٌ حُمِل عليه بغير حق، فلم يثبت له حكم، ككلِمة الكفر إذا أُكْرِه عليها". اهـ.
وقال أبو محمَّد بن حزْمٍ في "المحلَّى": "وطلاق المُكْره غيرُ لازمٍ له ... عن عُمر بن الخطَّاب قال: "ليس الرَّجُل بأمينٍ على نفسه، إذا أخفْتَه، أو ضربتَه، أو أوثقْتَه"، وعن عبدالملك بن قدامة الجمحي، حدَّثني أبي: أنَّ رجُلاً تدلَّى بحبلٍ ليشْتار عسلاً، فأتتِ امرأتُه، فقالت له: "لأقطعنَّ الحبْلَ، أو لتطلِّقني"، فناشدها الله تعالى فأبت، فطلَّقها، فلما ظهر، أتى عُمر بن الخطَّاب، فذكر ذلك له، فقال له عمر: "ارجع إلى امرأتِك؛ فإنَّ هذا ليس بطلاق".
وعن الحسن: أنَّ عليَّ بنَ أبي طالب كان لا يُجِيز طلاق المُكْره، وعن ثابتٍ الأعرج، قال: سألتُ ابن عمر، وابنَ الزبير، عن طلاق المُكْرَه، فقالا جميعًا: "ليس بشيء"، وعن ابن عبَّاس قال: "ليس لمُكْرَه ولا لمضطرٍّ طلاق"، وصحَّ عن الحسن البصْريِّ: "طلاقُ المُكْرَه لا يجوز"، وهو أحدُ قوْلَي عمر بن عبدالعزيز، وصحَّ أيضًا عن عطاء، وطاوس، وأبي الشَّعْثاء جابر بن زيد، وعن الحجَّاج بن المنهال، نا أبو عوانة، عن المغيرة، عنِ إبراهيم قال: "الطَّلاق ما عُنِي به الطَّلاق".
وقال: "إنَّما الطَّلاق ما نطق به المطلِّق، مختارًا بلسانه، قاصدًا بقلبِه؛ كما أمر الله تعالى، والبُرهان على بطلان طلاقِ المكره: فمن ذلك قولُ رسول الله صلَّى الله عليْه وآلِه وسلَّم: "إنَّما الأعمال بالنِّيَّات، وإنَّما لكلِّ امرئٍ ما نوى"، فصحَّ أنَّ كلَّ عمل بلا نيَّة فهو باطل، لا يعتدُّ به، وطلاق المُكْرَه عمل بلا نيَّة، فهو باطل، وإنَّما هو حاكٍ لما أُمِرَ أن يقوله فقط، ولا طلاقَ على حاكٍ كلامًا لم يعتَقِدْه". اهـ. مختصرًا.
وليُعلم أنَّ الإكْراه المعْتَبَر عند جمهور العُلَماء هو: التَّهديد بإتْلاف النَّفْس أو العضو، أو ما شابهَ مما يشقُّ على النَّفس تحمُّله، أمَّا مجرد التَّهديد من غير قادرٍ، أو الشَّتم والتَّشهير - فليس بِمعتبر.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "الفتاوى الكبرى": "ولا يقع طلاق المُكْره، والإكْراه يحصُل إمَّا بالتَّهديد، أو بأن يغلِب على ظنِّه أنه يضرُّه في نفسه أو مالِه بلا تهديد". اهـ.
وقال ابن القيم في "الزاد": "ومن أُكْرِه عليه بإيلامٍ له أو لولده، أو أخْذ مال يضرُّه، أو هدَّده بأحدها قادرٌ عليه، يظنُّ إيقاعه به، فطلَّق تبعًا لقوله - لم يقع". اهـ.
أمَّا إن كان المقصود بكلِمة "غصبًا"؛ أي: "حال غضبِه"، فقد سبق تفصيلُ ذلك في الفتويَيْن: "حكم طلاق الغضبان"، "حكم وقوع الطلاق لمن كان فزعًا من نومه"،، والله أعلم.