حكم لبس ما سوى خاتم الفضَّة، والتختم في السبَّابة
ما حكْمُ لبْس خاتم الفضَّة في سبَّابة اليدِ اليُسرى للرَّجُل؟ ما حكمُ لبْس ما سوى الخاتم من الفضَّة للرَّجُل؟
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:
فلبْس الخاتم من الفضَّة جائزٌ للرجال؛ لما ورد عن أنس رضي الله عنه قال: "لمَّا أراد النَّبيُّ صلى الله عليه وسلَّم أن يكتُب إلى الروم قيل له: إنَّهم لا يقرؤون كتابًا إلا أن يكون مختومًا، فاتَّخذ خاتمًا من فضَّة، فكأنِّي أنظر إلى بياضِه في يده، ونقش فيه: محمَّد رسولُ الله" (رواه البخاري ومسلم).
وعَن ابْنِ عُمَرَ رَضي اللهُ عَنهُمَا: "أنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلَّمَ اتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ فِضَّةٍ، فَاتَّخَذَ النَّاسُ خَواتِيمَ الفِضَّةِ" (رواه البخاري).
قال النَّوويُّ في "المجموع شرح المهذَّب": "قال أصحابُنا: يَجوزُ للرجُل خاتمُ الفضَّة بالإجْماع، وأمَّا ما سواه من حلي الفضَّة: كالسوار، والدمْلُج، والطَّوق، ونحوها، فقَطَع الجمهورُ بتحريمِها، وقال المتولِّي والغزالي في "الفتاوى": يَجوز؛ لأنَّه لم يثبت في الفضَّة إلا تَحريم الأواني وتَحريم التشبُّه بالنِّساء، والصحيح الأوَّل؛ لأنَّ في هذا التشبه بالنِّساء، وهو حرام". اهـ.
أمَّا التَّختُّم في سبَّابة اليد اليُسرى للرِّجال، فمكروه، في مذهب الجمهور؛ وكذلك الوُسْطى؛ لما رواهُ مسلمٌ، عن عليٍّ رضي الله عنه قال: "نَهى رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - أن أجعل خاتمي في هذِه أو في التي تَلِيها"، وأشار إلى الوُسْطى والتي تَليها، وفي رواية: "السبابة والوسطى".
ويستحبُّ أن يتختَّم الرجُل في خنصر يدِه اليُسرى، وهو مذهبُ بعض الحنفيَّة، والمختارُ عند مالك، وجوَّز الشَّافعيَّة للرجُل لبْس خاتم الفضَّة في خنصر يَمينه، وإن شاء في خنصر يسارِه.
قال الإمام النَّووي رحمه الله في "شرحه لصحيح مسلم": "وأجْمع المسلِمون على: أنَّ السُّنَّة جعْل خاتم الرَّجُل في الخنصر، ويُكْرَه للرَّجُل جعْله في الوسْطى والتي تليها؛ لهذا الحديث، وهي كراهة تنزيه". اهـ.
أمَّا لبْس ما عدا خاتمَ الفضَّة للرجُل، فقد حرم خاتم الذَّهب، وأما ما عداه من قصديرٍ ونُحاس، وحديد وغيرها، فَبَاقٍ على الأصْل -وهو الإباحة- حتَّى يأتي دليل ينقله عن أصله؛ وقد ثبت ما يدلُّ على الجوازِ في الصحيحَين، من حديث سهْلِ بن سعد رضي الله عنهما في قصَّة المرأة التي وهبتْ نفسَها، حيث قال النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم للرَّجل: "التمِسْ، ولو خاتمًا من حديد".
وقدِ اختلف أهل العلم فيه، فذهب المالكيَّة إلى: أنَّ التختُّم بالجلد والعقيق، والقصْدير والخشب جائزٌ للرِّجال والنساء.
وأباح الحنابلة للرَّجُل والمرأة التحلِّيَ بالجوهر والزمرّد، والزبرجَد والياقوت، والفيروز واللؤلؤ، أمَّا العقيق، فقيل: يُستحبُّ تَختُّمهما به، وقيل: يباح التختُّم بالعقيق.
وكره الحنابلة والمالكيَّة التختُّم بالحديد، والنحاس، والرَّصاص للرجال والنِّساء؛ لما رُوي أنَّ رجُلاً جاء إلى رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم عليه خاتم شَبَه -نحاس أصفر- فقال له: "إني أجد منك ريح الأصنام"، فطرحه، ثم جاء وعليه خاتم حديد، فقال: "ما لي أرى عليْك حليةَ أهل النَّار!"، فطرحه؛ (رواه أبو داود والنسائي، وضعفه الألباني).
وذهب الحنفيَّة -كما قال ابنُ عابدين- إلى: جواز التختُّم: بالفضَّة للرِّجال للحديث، والذهب والحديد والصفر حرامٌ عليْهم بالحديث، وبالحجر حلالٌ على اختِيار شمس الأئمَّة وقاضي خان؛ أخذًا من قوْل الرَّسول وفعلِه صلَّى الله عليه وسلَّم لأنَّ حِلَّ العقيقِ لمّا ثبت بهما، ثَبَت حلُّ سائر الأحجار؛ لعدَم الفرق بين حجر وحجر، وحرامٌ على اختِيار صاحب الهداية والكافي.
واختلف الشَّافعية في التختُّم بغيْر الذَّهب والفضَّة، فقيل: يُكْره الخاتم من حديدٍ أو شَبَهٍ -نوع من النحاس- كما قال صاحبُ "الإبانة والبيان"، وقال صاحب "التتمة": لا يُكرَه الخاتم من حديدٍ أو رصاصٍ؛ لحديث الواهبة نفسَها، كما في "المجموع".
وفي "حاشية القليوبي": "ولا بأْس بلبس غير الفضَّة من نُحاسٍ أو غيرِه".
والراجح: إباحة التختم بغير الفضة ما عدا الذهب فقط؛ على الأصْل، ولحديث سهل بن سعدٍ السابق، ولضعف دليل المنع،، والله أعلم.
- التصنيف:
- المصدر: