مباشرة الحائض بين السرة والركبة
خالد عبد المنعم الرفاعي
- التصنيفات: فقه الزواج والطلاق -
عند فترة الحيض هل يَجوز لزَوْجي أن يضَعَ عضْوه على فرْجي بدونِ إيلاج، ويكون القذْف في الخارج؟
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:
فيحْرم على الزَّوج الإيلاج داخلَ الفرْج زمنَ الحيض بالنَّصِّ والإجْماع، وأمَّا ما دون ذلك من المُداعبة بين الأَلْيَتَيْنِ، أو الاستِمْتاع بالفرْج دون إيلاجٍ، فهو جائزٌ؛ على الرَّاجِح من أقْوال أهْل العِلم، ولكنَّ هذا مقيَّد بما إذا حصل الأمنُ من أن يجرَّ ذلك إلى الحرام، وهو الإيلاج في الدُّبر، أو الإيلاج في القُبُل.
فقد رواه مسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: إنَّ اليهودَ كانت إذا حاضتِ المرأةُ فيهم، لَم يُؤَاكِلُوها، ولم يُجَامِعُوهنَّ في البيوت، فسأل أصحابُ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم النبيَّ، فأنزل اللهُ عزَّ وجلَّ: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَائْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} [البقرة: 222]، فقال رسول الله صلَّى الله عليْه وسلَّم: "اصنَعُوا كلَّ شيءٍ إلاَّ النِّكاحَ"، وَفي رِوايةٍ: "إلاَّ الجِمَاعَ".
قال الأزهري: "أصل النِّكاح في كلام العرَب: الوطْء، وقيل للتزوُّج: نكاح؛ لأنَّه سبب للوطء المباح". اهـ من "لسان العرب".
وذهب إلى حلِّ الاستمْتاع من الحائض بِما دون الفرج: الإمام أحمد، وهو وجْه عند الشَّافعيَّة؛ قال ابنُ قدامة في "المغني": "الاستمْتاع من الحائضِ - فيما فوق السُّرَّة ودون الرُّكبة - جائزٌ بالنَّصِّ والإجْماع، والوطء في الفرْج محرَّم بهما، واختُلِف في الاستِمْتاع بما بيْنَهما؛ فذهب أحمد رحمه الله إلى إباحته، ورُوي ذلك عن عكرمة، وعطاء، والشَّعبي، والثَّوري، وإسحاق، ونحوَه قال الحكم؛ فإنَّه قال: لا بأس أن تضعَ على فرْجِها ثوبًا ما لم يدخله.
وقال أبو حنيفة، ومالك، والشَّافعي: لا يُباح؛ لِما روِيَ عن عائشة، قالت: "كان رسولُ الله صلَّى الله عليْه وسلَّم يأمُرني فأتَّزر، فيُباشرني وأنا حائض" (رواه البخاري).
وعن عُمَر قال: سألتُ رسولَ الله صلَّى الله عليْه وسلَّم عمَّا يحلُّ للرَّجُل من امرأتِه وهي حائض، فقال: "فوق الإزار".
ولنا قول الله تعالى: {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي المَحِيضِ} [البقرة: 222]، والمحيض: اسم لمكان الحيض، كالمَقيل والمَبيت، فتخصيصُه موضعَ الدَّم بالاعتزال دليلٌ على إباحتِه فيما عداه، فإن قيل: بل المحيض الحيض، مصدر حاضت المرأة حيضًا ومحيضًا؛ بدليلِ قولِه تعالى في أوَّل الآية: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى}، والأذَى: هو الحيْض المسؤول عنه، وقال تعالى: {وَاللاَّئِي يَئِسْنَ مِنَ المَحِيضِ} [الطلاق: 4].
قلنا: اللَّفظ يَحتمِل المعنَيَين، وإرادة مكانِ الدَّم أرْجح؛ بدليل أمرَيْن:
أحدُهُما: أنَّه لو أراد الحَيض، لكان أمرًا باعتِزال النِّساء في مدَّة الحيض بالكلِّيَّة، والإجماع بخلافه.
والثاني: سبب نزول الآية". اهـ، باختصار.
وقال النَّووي في "المجموع": "في مُباشرة الحائِض بين السُّرَّة والرُّكبة ثلاثةُ أوجُه، أصحُّها عند جُمهور الأصحاب: أنَّها حرام، وهو المنْصوص للشَّافعي - رحِمه الله - في "الأم"، و"البويطي"، و"أحكام القرآن".
والوجْه الثاني: أنَّه ليس بِحرام، وهو قول أبي إسحاق المروزي، وحكاه صاحب "الحاوي" عن أبي علي بن خيران، ورأيته أنا مقطوعًا به في كتاب "اللَّطيف" لأبي الحسن بن خيران من أصحابِنا، وهو غير أبي علي بن خيران، واختاره صاحب "الحاوي" في كتابِه "الإقناع"، والروياني في "الحلية"، وهو الأقوى من حيثُ الدَّليلُ؛ لحديث أنس رضي الله عنْه فإنَّه صريح في الإباحة، وأما مباشرة النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم فوق الإزار، فمحمولةٌ على الاستِحْباب؛ جمعًا بين قولِه صلَّى الله عليْه وسلَّم وفعلِه، وتأوَّل هؤلاء الإزارَ في حديث عُمر رضي الله عنه على أنَّ المراد به الفرْج بعيْنِه، ونقلوه عن اللُّغة، وأنشدوا فيه شعرًا.
والوجْه الثالث: إن وثِق المباشِر تَحت الإزار بِضَبْط نفسِه عن الفرْج لضعفِ شهْوةٍ أو شدَّة ورعٍ– جاز، وإلاَّ فلا، ونقل أبو علي السنْجي، والقاضي حسين، والمتولي في المسألة قولَين بدَلَ الوجْهين الأوَّليْن، قال القاضي: الجديد التَّحريم، والقديم الجواز". اهـ.
فالصورة المسؤول عنها في السؤال جائزة، وإن كان الأوْلى والأحسن: ترْكُه؛ لما فيه من الحوم حول الحمى؛ وقد صحَّ عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في حديث النعْمان بن بشير المتَّفق عليه: "كالرَّاعي يرْعَى حوْل الحِمى يوشك أن يقع فيه"،، مختصرًا،، والله أعلم.