ما حكم إقامة المولد النبوي؟
ما رأيكم بإقامة الموالد مع العلم أن إقامتها لا تمس العبادات بشيء، وأنت تعلمون ما صاحب إقامة هذه الموالد من تكفير الناس؟
أولاً: المولد لم يحدث في القرون المفضلة، وكونه أمر عادي هذا ليس بصحيح؛ لأن من يقيمه يرجو به ثواب الله تعالى ويتعبد به، ولم يسبق له شرعية من كتاب ولا سنة، ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم ولا فعله خيار الأمة من صحابته الكرام الذين هم أحرص الناس على اتباعه، وما وجد إلا بعد القرون المفضلة، وجد في عهد الفاطميين، وأما قبل ذلك فلم يوجد، فعلى كل حال هو بدعة.
وأما ما قيل من تكفير الناس، هذا لم يقل به أحد، المولد بدعة لكن ليست بدعة مكفرة، اللهم إلا إذا صاحبها غلو بالنبي صلى الله عليه وسلم يرفعه عن مرتبة العبودية والرسالة إلى مرتبة الربوبية والألوهية كما حصل من بعض من تصدى لمدحه صلى الله عليه وسلم.
النبي صلى الله عليه وسلم أعلم الخلق، وأكمل الخلق، وأشرف الخلق، وأخشى الخلق، وأكرمهم على الله، وأتقاهم وأشجعهم، هذا لا ينازع فيه أحد، لكن لا يجوز أن يصرف له شيء من حقوق الرب تعالى، فهو يقول في ما صح عنه: "إياكم والغلو، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو"، وقال: "لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم"، والقائل ممن ينتسب إليه ويزعم أنه يتقرب بمدحه إلى الله تعالى يقول:
إذا كان لا يوجد من يلوذ به، أين الله؟ هذا غلو يرفع النبي صلى الله عليه وسلم من مرتبته التي وضعه الله فيها بين العبودية والرسالة إلى مقام الربوبية يقول:
ماذا أبقى لله تعالى؟! إذا كانت الدنيا والآخرة من جود النبي صلى الله عليه وسلم فماذا أبقى لله تعالى؟!
ومرتبة النبي صلى الله عليه وسلم معروفة ومحفوظة في النفوس، ويجب أن يكون أحب إلى المسلم من نفسه، وجاء في الحديث: "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين"، وهذا في الصحيحين، وفي البخاري من حديث عمر: لأنت أحب الناس إلي إلا من نفسي، فقال: "بل ومن نفسك يا عمر"، قال: بل أنت أحب الناس إلي من نفسي، قال: "الآن يا عمر".
هذا شيء، المحبة والمودة والتعظيم والاحترام والإجلال وإنزاله منزلته التي أنزله الله بها، وجاء في أوصافه أنه الأعلم، الأخشع، الأتقى لله تعالى هذا لا يعني أننا نصرف له شيئاً من حقوق الرب تعالى، فالرب عز وجل له حقوقه، والرسول صلى الله عليه وسلم له حقوقه، ولا شك أن من المسلمين بل كثير من المسلمين بل ممن يقيم هذه الموالد ويدعي حب النبي صلى الله عليه وسلم في محبته للنبي صلى الله عليه وسلم خلل وتقصير شديد؛ لأن مجرد الدعوى -والكلام دعوى- تحتاج إلى برهان، ما البرهان على صدق هذه الدعوى؟ الاتباع، فإذا ابتدعنا في الدين ما صدقنا في دعوانا، فلابد أن نتبع ولا نبتدع.
عبد الكريم بن عبد الله الخضير
عضو هيئة التدريس في قسم السنة وعلومها في كلية أصول الدين بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض وحاليا عضو هيئة كبار العلماء واللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
- التصنيف:
- المصدر: