حكم مبلغ "هامش الجدية" في المرابحة في البنوك الإسلامية
تتقاضى البنوك الإسلامية في عقود المرابحة مبلغًا تسميه (هامش الجدية)، فما الحكم الشرعي في ذلك؟
عقد المرابحة المركبة من أكثر العقود التي تتعامل بها البنوك الإسلامية، والمرابحة معروفة في الفقه الإسلامي وهي بيع السلعة مع زيادة ربح يُتفق عليه بين البائع والمشتري، وقد طورت البنوك الإسلامية عقدًا جديدًا منبثقًا من المرابحة المعروفة عند الفقهاء قديمًا، وهو عقد المرابحة المركبة، وقد عرفه العلماء المعاصرون بتعريفات عديدة، تلتقي على أنه طلب شراء لسلعة معينة بأوصاف محددة يقدمه العميل للبنك الإسلامي، وذلك في مقابل وعد الطالب بشراء ما طلبه حسب السعر والربح المتفق عليهما، ويكون أداء الثمن مقسطًا.
وعقد المرابحة للآمر بالشراء عقد صحيح شرعًا على الراجح من أقوال علماء العصر، وله شروطه وضوابطه الشرعية التي أقرتها المجامع الفقهية، وهيئات الرقابة الشرعية في البنوك الإسلامية، وتتمثل شروطه فيما يلي:
1- أن يكون الثمن الأول (الثمن الأصلي) معلومًا للمشتري.
2- أن يكون الربح معلومًا للمشتري والبائع.
3- ألا يكون الثمن من جنس السلعة المباعة حتى لا يكون هناك ربًا.
4- أن يكون عقد البيع صحيحًا مستوفيًا الأركان والشروط، ومن ضمن ذلك أن تكون السلعة متقومةً شرعًا.
5- أن تكون السلعة مملوكةً ملكيةً تامةً للبائع (البنك).
6- أن تكون السلعة في حوزة البائع (البنك) فعلًا أو حكمًا.
7- أن تكون السلعة معلومةً ومحددة المواصفات، والمرابحة المركبة تتضمن وعدًا بالشراء من الآمر بالشراء للبنك، وهنالك خلاف فقهي حول إلزامية الوعد بالشراء من عدمها، والراجح أنه ملزم في المعاملات المالية وهذا هو المطبق في أغلب البنوك الإسلامية الآن.
إذا تقرر هذا فإن البنوك الإسلامية التي تأخذ بلزوم الوفاء بالوعد في المرابحة، تتقاضى من الزبون في مرحلة المواعدة مبلغًا من المال يسمى (ضمان الجدية أو هامش الجدية أو أمانة)، وهو الدفعة التي يدفعها المشتري إلى البنك عند إبرام الوعد بالشراء، وقد يُسمى العربون أحيانًا.
وهذا المبلغ الذي يدفعه الواعد بالشراء بناءً على طلبٍ من البنك للاستيثاق من أن الواعد جادٌ في طلبه السلعة، على أنه إن عدل الواعدُ عن شراء السلعة جُبرَ الضررُ الفعلي الذي يلحق البنك من هذا المبلغ، فإذا لم يف هامش الجدية بجبر الضرر الذي أصاب البنك، فله أن يعود على الواعد بما تبقى من خسارة، ويتحدد هذا الضرر بالفرق بين تكلفة السلعة وثمن بيعها لغير الواعد بالشراء، فلا يشمل التعويض الفرصة البديلة أو الضائعة، كما لا يحق للبنك حجزُ كامل مبلغ الجدية دون مقابلة للضرر الفعلي، وهذا المبلغ المقدم لضمان الجدية إما أن يكون أمانة للحفظ لدى البنك، فلا يجوز له التصرف فيه، أو أن يأذن الزبون للبنك باستثماره على أساس المضاربة الشرعية. www.ibisonline.net.
وقد جاء في معيار المرابحة من معايير هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية ما يلي: 2/5/3 يجوز للمؤسسة في حالة الإلزام بالوعد أن تأخذ مبلغًا نقديًا يسمى (هامش الجدية)، يدفعه العميلُ بطلب من المؤسسة من أجل أن تتأكد من القدرة المالية للعميل، وكذلك لتطمئن على إمكان تعويضها عن الضرر اللاحق بها في حال نكول العميل عن وعده الملزم، وبذلك لا تحتاج المؤسسة إلى المطالبة بدفع تعويض الضرر، وإنما تقتطع ذلك من مبلغ (هامش الجدية)، ولا يعتبر هامش الجدية عربونًا، وهذا المبلغ المقدم لضمان الجدية إما أن يكون أمانة للحفظ لدى المؤسسة، فلا يجوز لها التصرف فيه، أو أن يكون أمانة للاستثمار بأن يأذن العميل للمؤسسة باستثماره على أساس المضاربة الشرعية بين العميل والمؤسسة.
2/5/4 لا يجوز للمؤسسة حجز مبلغ (هامش الجدية) في حالة نكول العميل عن تنفيذ وعده الملزم، وينحصر حقها في اقتطاع مقدار الضرر الفعلي المتحقق نتيجة النكول، وهو الفرق بين تكلفة السلعة وثمن بيعها لغير الآمر بالشراء. ولا يشمل التعويض ما يسمى بالفرصة الضائعة.
2/4/5 إذا تم تنفيذ العميل لوعده وإبرامه لعقد المرابحة للآمر بالشراء فيجب على المؤسسة إعادة (هامش الجدية) للعميل، ولا يحق لها استخدامه إلا في حالة النكول حسب التفصيل في البند 2/5/3.
ويجوز الاتفاق مع العميل عند إبرام عقد المرابحة للآمر بالشراء على حسم هذا المبلغ من ثمن السلعة، ومستند طلب المؤسسة مبلغًا من الواعد بالشراء هو الحاجة إلى تأكيد جدية الواعد، لأن الوعد الملزم منه يرتب عليه تبعة مالية إذا نكل عن وعده، وقد تضطر المؤسسة إلى مطالبته وقد يماطل في الأداء.
وقد صدرت عدة فتاوى عن الهيئات الشرعية في المصارف الإسلامية، وكذلك بعض المجامع والمؤتمرات العلمية وغيرها بجواز أخذ مبلغ (هامش الجدية)، منها:
أولا: ندوة البركة الحادية والثلاثون للاقتصاد الإسلامي فقد جاء في قرارها: (ومع ذلك فإن الرجوع على العميل ربما احتاج إلى التقاضي في المحاكم مع ما يكتنف ذلك من تكاليف وطول مدة، لذلك أضيف إلى الهيكل المذكور ما يسمى بـ(هامش الجدية)، وهو مبلغ يدفعه العميل مقدمًاً عند الآمر بالشراء يمكن للبنك أن يستخدمه لتغطية أي ضررٍ يلحق به من جراء عدول العميل عن الشراء، وعدم وفاءه بالوعد الملزم عليه في ذلك، والغرض من (هامش الجدية)ص هو تقليل مخاطر التقاضي لدى المحاكم، (بحوث ندوة البركة ص 222).
ثانيًا: ورد في فتوى على موقع الشبكة الإسلامية جوابًا على السؤال التالي:
ما حكم القسط الفوري أو هامش الجدية في المرابحات الممنوحة بواسطة البنوك الإسلامية؟
جاء في الجواب: القسط الفوري أو هامش الجدية عبارة عن مبلغٍ من المال يطلبه البنك الإسلامي من العميل لضمان جدية الشراء من قبل العميل، ولأن البنك قد يتضرر بنكول العميل عن الشراء فيحق له عندئذ أن يخصم مبلغًا من هذا القسط بشرط أن يكون مساويًا للضرر الذي لحق به، وهذا العمل من البنك جائزٌ شرعًا، لما فيه استقرار المعاملات، وحفظ أموال المودعين في البنك، ومنع العميل من التلاعب الذي يؤدي إلى الضرر.
ثالثًا: وجاء في فتوى أخرى على الموقع السابق: "صورة البيع المذكورة في السؤال هو ما يسمى بيع المرابحة للآمر بالشراء، وهو ما تقوم البنوك الإسلامية بإجرائه، وقد سبق بيان جوازه في الجواب رقم (1608)، أما المبلغ الذي يأخذه البنك مقدمًا فهو ما يسمى في المعاملات الحديثة بـ(القسط الفوري) أو (هامش الجدية في المرابحة)، وهذا المبلغ يأخذه البنك الذي يبيع للعميل لضمان جديته في الشراء، فإذا أراد العميل النكول عن الشراء أخذ البنك من المبلغ الذي دفعه بقدر الكلفة التي تحملها في سبيل إتمام إجراءات البيع، ولا يجوز للبنك أن يتعدى فيأخذ أكثر من الكلفة الفعلية، لأنه لا حق له في ذلك".
ومن خلال ما سبق يظهر لنا أن مستند جواز أخذ (هامش الجدية) هو أنه من قبيل التوثيق لما قد يلحق البنك الإسلامي من ضرر.
وينبغي أن يعلم أن (هامش الجدية) لا يعتبر عربونًا لأن العربون يكون بعد العقد وليس قبله، فالعربون هو أن يبيع الإنسان الشيء ويأخذ من المشتري مبلغًا من المال يسمى عربونًا لتوثيق الارتباط بينهما، على أساس أن المشتري إذا قام بتنفيذ عقده احتسب العربون من الثمن، وإن نكل كان العربون للبائع، (انظر المدخل الفقهي للزرقا 1/495). وأخذ العربون من المشتري فيه خلافٌ بين الفقهاء والراجح جوازه، ولا يصح الحديث الوارد في النهي عنه، وقد أجاز الحنابلة وآخرون بيع العربون، وروي القول بصحته عن عمر وابنه عبد الله رضي الله عنهما، وقال به محمد بن سيرين وسعيد بن المسيب، وقد ضعف الإمام أحمد الحديث الوارد في النهي عن بيع العربون، واحتج لصحته بما ورد عن نافع بن عبد الحارث (أنه اشترى لعمر بن الخطاب دار السجن من صفوان بن أمية بأربعة آلاف درهم، فإن رضي عمر كان البيع نافذًا، وإن لم يرض، فلصفوان أربعمئة درهم) قال الأثرم: قلت لأحمد: تذهب إليه؟ قال:أي شيء أقول؟ هذا عمر رضي الله عنه، (انظر المغني 4/176).
وقد أيد ذلك ابن القيم رحمه الله بما رواه البخاري في صحيحه في باب ما يجوز من الاشتراط، عن ابن عون عن ابن سيرين أنه قال: "قال رجل لكرّيه: أرحل ركابك فان لم أرحل معك في يوم كذا، فلك مئة درهم، فلم يخرج، فقال شريح: "من شَرَطَ على نفسه طائعاً غير مكره فهو عليه" (المدخل الفقهي 1/495 -49)، والكرّي هو المكاري الذي يؤجر الدواب للسفر، وأرحل ركابك، أي شدّ على دوابك رحالها استعداداً للسفر.
والتفريق بين (هامش الجدية، والعربون) أوضحه معيار المرابحة الصادر عن هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية:
ويفصل المعيار بين مصطلح (العربون) ومصطلح (هامش الجدية)، خاصة وأن بعض المصارف درجت على استخدام الأول بمعنى الثاني.
إذ إن العربون بلغة الفقه هو: (مبلغ من المال يدفعه العميل إلى البائع على أن يكون جزءًا من الثمن إن اختار العميل شراء السلعة، وإلا فإنه يذهب للبائع، أما (هامش الجدية) فهو المبلغ الذي يدفع للمأمور تأكيدًا على جدية الآمر في طلب السلعة، فإن عدل الآمر في حالة الإلزام جبر الضرر الفعلي من هذا المبلغ ويعاد الباقي إلى الآمر، فإذا لم يف هامش الجدية بالضرر فللمأمور أن يعود على الآمر بما تبقى من الخسارة. ويجوز للدائن أن يطلب ضمانًا من المدين ويجوز أن تكون السلعة المبيعة من الضمانات). http://mosgcc.com
وخلاصة الأمر أن تقاضي البنوك الإسلامية لمبلغ (هامش الجدية) في المرابحات، جائزٌ شرعًا وهو من قبيل التوثيق لما قد يلحق البنك الإسلامي من ضرر، فإن تمَّ العقد أعيد للواعد أو احتسب مبلغ (هامش الجدية) من الثمن، وإن نكل الواعد عن وعده، فحينئذ يُجبر الضررُ الفعلي الذي لحق بالبنك الإسلامي من هذا المبلغ، ويعاد الباقي للواعد، وإن لم يلحق ضرر فعلي بالبنك الإسلامي فلا يجوز أخذ شيء من مبلغ (هامش الجدية).
تاريخ الفتوى: الجمعة 11 -فبراير-2011.
حسام الدين عفانه
دكتوراه فقه وأصول بتقدير جيد جداً، من كلية الشريعة جامعة أم القرى بالسعودية سنة 1985م.
- التصنيف:
- المصدر: