إعجاب الذَّكَر بذَكَر آخر
خالد عبد المنعم الرفاعي
- التصنيفات: الآداب والأخلاق -
ما حكم أن ينظر الذَّكَر بإعْجاب أو باستِمْتاع إلى ذكرٍ آخَر وسيم؟
وما حكم أن تفكِّر وأن تستمتع خياليًّا في ممارسة الجنْس مع ذكر آخر، من دون أن تفعلَها، وإنَّما تستمتع بها خياليًّا؟
وهل يدخُل لمْس أو الإمساك بذَكرِ شخصٍ آخر فقط من خلْف الملابس في حدود اللواط؟
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:
فإنَّا لله وإنَّا إليه راجعون؛ على ما آل إليْه حالُ بعْض النَّاس، من عدَم الحياء منَ الله تعالى، فما ذُكِر في السؤال ممَّا يَضيق به الصَّدر، وتقشعرُّ منه الأبدان، وتشمئزُّ منه الفِطَر السليمة.
فممَّا لا شكَّ فيه أنَّ نظر الرَّجل إلى رجُلٍ آخَر بشهوةٍ مصيبةٌ من المصائب، التي يُصاب بها المرْءُ في دينِه ودُنْياه، بل وأخراه -إن لم يتداركه الله برحمة منه فيتوب- وهو بداية الشَّرِّ والفتنة، وقبحُ ذلك معلومٌ بالضَّرورة العقلية والبدهية والشرعيَّة؛ ولهذا نصَّ كثير من أهل العلم على تَحريم ذلك، وعلى حرمة النَّظر إلى الفتى الأمرد عند خشية الافتِتان به، ومنهم مَن أطلق تَحريم النَّظر.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى": "والنَّظَرُ إلى وَجهِ الأمْرَدِ بشَهوةٍ كالنَّظَرِ إلى وجهِ ذواتِ المحَارِمِ والمَرْأةِ الأجْنَبيَّةِ بالشَّهْوَةِ، سَواءٌ كانت الشَّهْوةُ شهْوةَ الوطْءِ أوْ كانتْ شَهوةَ التَّلذُّذِ بالنَّظَر، كما يتَلَذَّذُ بالنَّظَرِ إلى وَجْهِ المَرْأةِ الأجْنَبِيَّةِ، كانَ مَعْلومًا لِكُلِّ أحدٍ أنَّ هذا حرامٌ، فكَذلكَ النَّظَرُ إلى وَجْهِ الأمْرَدِ باتِّفاقِ الأئِمَّةِ... واللهُ - سُبْحانه - قدْ أمرَ في كِتابه بِغَضِّ البَصَر، وهُو نَوْعانِ: غَضُّ البَصَر عَن العَوْرة، وغَضُّهُ عَن مَحَلِّ الشَّهْوة". اهـ.
وقال رحِمه الله: "ومَنْ كرَّر النَّظَر إلى الأمْرَدِ ونَحْوه وأدامَه، وقالَ: إنِّي لا أنْظُرُ لشَهْوةٍ - كُذِّبَ في ذَلِكَ؛ فإنَّه إذا لم يَكُنْ له داعٍ يحْتاجُ مَعَه إلى النَّظَرِ، لمْ يكُن النَّظَرُ إلاَّ لما يَحْصُلُ في القَلْبِ مِن اللَّذَّة بذلك". اهـ.
وقال النووي في "المجموع": "وينبغي أن يحذر من مصافحة الأمْرد والحسن؛ فإنَّ النَّظر إليْه من غير حاجةٍ حرامٌ، على الصَّحيح المنصوص".
وقال في "مغني المحتاج": "قالَ السُّبْكيُّ: المُرادُ بالشَّهْوةِ: أن يَكونَ النَّظَرُ لِقصد قَضاءِ وَطَرٍ، بِمَعنى أنَّ الشَّخْصَ يُحبُّ النَّظَر إلى الوَجْهِ الجَميلِ ويَلْتَذُّ بِه.
قال: فإذا نَظَرَ ليَلْتَذَّ بِذَلك الجَمالِ، فهُو النَّظَرُ بشَهْوَةٍ، وهُو حَرامٌ، قال: وليْسَ المُرَادُ أنْ يَشْتَهي زِيَادَةً على ذَلكَ مِن الوِقاعِ ومُقَدِّماتِه، فإنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِشَرْطٍ؛ بَل زِيادةٌ في الفِسْقِ.
قالَ: وكَثيرٌ مِن النَّاسِ لا يُقْدِمونَ على فاحِشةٍ، ويَقْتَصِرونَ على مُجرَّدِ النَّظَر والمحَبَّةِ، ويَعتقِدونَ أنَّهم سالِمون مِن الإثْم، ولَيْسوا بِسالِمين، ولَو انْتَفَت الشَّهْوةُ وخِيفَ الفِتْنَةُ، حَرُمَ النَّظرُ أيضًا؛ كما حَكَياه عَن الأكْثَرينَ". اهـ.
أمَّا تخيُّل مُمارسة الجنْس مع ذكرٍ آخَر، فإنْ كان ذلك مجرَّد خاطرة عابرة تَهجم على النَّفس، وهو يُحاول صرفَها عن نفسِه، فلا يُؤاخَذ الإنسان بِمقتضاهُ؛ وقد قال تعالى: {لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا} [البقرة: 286]، ولقول النَّبي صلَّى الله عليه وسلَّم: "إنَّ الله تَجاوز عن أمَّتي ما حدَّثت به نفسَها ما لم تعمَلْ أو تتكلَّم" (رواه البخاري ومسلم).
أمَّا عدمُ دفعِها عن النَّفس، أو الاسترْسال معها أو تَمتيع الخاطر بِها -فضلاً عن استدعائِها- بِحيث تتحوَّل من خواطرَ عابرة إلى إدْمان ولذة - فهذا نوعٌ من زنا القَلْب المحرَّم، كما سبق بيانُه في فتوى: "التخيلات الجنسية"، وأيضًا فإنَّ كثرة التَّفكير فيه ستقود إلى العمل إذا استطاع.
قال ابن القيِّم رحِمه الله في "الفوائد": "دافعِ الخطرةَ، فإن لَم تفعل صارت فكْرة، فدافع الفِكْرة، فإن لم تفعل صارت شهوة، فحارِبْها، فإن لَم تفعل صارت عزيمةً وهمَّة، فإن لم تُدافِعْها صارت فعلاً، فإن لم تتدارَكْه بضدِّه صار عادةً، فيصعب عليْك الانتِقال عنها".
فالواجب على مَن ابتُلِي بما سبق أن يُجاهد نفسه، ويأخذها بحزْم وقوَّة، ويحجزَها عن غيِّها، ويتأمَّل العواقب، من سُرعة فناء لذَّات الدنيا، وأنها يعقبها الحزْن والحرمان وقسوة القلب وغير ذلك من آثار وشؤم المعاصي، ثمَّ الفضيحة على رؤوس الأشهاد في الآخرة، هذا إن سلِم في الدنيا.
قال ابن الجوزي في "صيد الخاطر": متى تكامَل العقلُ، فُقدت لذَّة الدنيا، فتضاءل الجسم، وقوِي السقم، واشتدَّ الحزن؛ لأنَّ العقل كلَّما تلمَّح العواقب، أعرض عن الدنيا، والتفتَ إلى ما تلمَّح، ولا لذَّة عنده بشيء من العاجل، وإنَّما يلتذُّ أهل الغفْلة عن الآخرة، ولا غفلة لكامل العقل.
ولهذا لا يقدر على مُخالطة الخلق؛ لأنَّهم كأنَّهم من غير جنسه، كما قال الشاعر:
فالزَمْ خلوتَك، وراعِ ما بقيت النَّفس، وإذا قلِقت النفس مشتاقةً إلى لقاء الخلق، فاعْلم أنَّها بعدُ كَدِرَة، فرُضْها ليصيرَ لقاؤهم عندها مكروهًا.
ولو كان عندها شغلٌ بالخالِق، لما أحبَّت الزحمة، كما أنَّ الذي يخلو بحبيبِه لا يؤثر حضورَ غيره، ولو أنَّها عشِقت طريق اليَمَن، لَم تلتفتْ إلى الشام". أمَّا لَمس ذكَر شخصٍ آخر من فوْق الملابس، فلا ريْب في حُرمته وقبحِه، وهو ليس لواطًا؛ لكنَّه بريدٌ إليه، وطلبٌ له، ومَن حام حوْل الحِمى يوشك أن يرتعَ فيه، ومَن فعل ذلك، لم يَكَد يسْلَم من الفاحِشة، عياذًا بالله من كل ذلك.
قال الله تعالى: {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} [النور: 30]، وقال صلَّى الله عليْه وسلَّم: "لا ينظُر الرَّجُل إلى عورة الرجُل، ولا تنظُر المرأة إلى عورة المرأة، ولا يُفْضِ الرَّجل إلى الرجُل في الثوب، ولا تفْضِ المرأة إلى المرأة في الثوب" (رواه مسلم وأحمد والترمذي).
قال النووي رحِمه الله في شرح مسلم: "وفيه دليلٌ على تَحريم لمس عورةِ غيرِه بأي موضعٍ من بدنه كان، وهذا متفق عليْه".
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "... فعُلِمَ أنَّهُ ليْسَ مِنْ جِنْسِ عَوْرَةِ الرَّجُلِ مع الرَّجُلِ، والمَرْأةِ مع المَرْأة، الَّتِي نهِي عَنْها لأجْلِ الفُحْشِ وقُبْحِ كَشْفِ العَوْرَة؛ بَلْ هَذا مِنْ مُقَدِّماتِ الفاحِشة، فكانَ النَّهْيُ عَن إبْدائِها نَهْيًا عَن مُقَدِّماتِ الفَاحِشةِ؛ كما قال في الآيةِ: {ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ}، وقالَ في آيةِ الحِجابِ: {ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} [الأحزاب: 53]، فنَهى عنْ هَذا سدًّا للذَّريعة". اهـ.
نسألُ الله تعالى أن يهْدي شبابَ المسلمين إلى الالتِزام بشرع الله تعالى، وأن يعصِمَهم من مُخالفة أمْرِه وارتِكاب نَهيِه،، والله أعلم.