لا يجوز أن يكون الربح في شركة المضاربة نسبة من رأس المال
حسام الدين عفانه
- التصنيفات: فقه المعاملات -
أعطيت شخصًا مبلغًا من المال ليتجر فيه، واتفقنا على أن تكون نسبة الربح 10% من رأس المال فهل تصح هذه المعاملة؟
الاتفاق المذكور يسمى عند الفقهاء عقد المضاربة، ولكن هذه المضاربة تعتبر مضاربة فاسدة لما سأذكره لاحقًا.
وعقد المضاربة عند الفقهاء هو أن يدفع شخصٌ مبلغًا من المال لآخر ليتجر فيه، والربح مشترك بينهما على حسب ما يتفقان -أي يكون المال من شخص والعمل من شخص آخر- والمضاربة جائزة عند عامة الفقهاء اتباعًا لما ورد عن عدد من الصحابة رضي الله عنهم الذين أجازوها وعملوا بها، وإن لم يرد نصٌ صحيحٌ صريحٌ من الكتاب والسنة بخصوصها، قال الشيخ ابن حزم الظاهري: "كل أبواب الفقه ليس منها بابٌ إلا وله أصل في القرآن والسنة، حاشا القراض -أي المضاربة- فما وجدنا له أصلاً فيهما البتة، ولكنه إجماعٌ صحيحٌ مجرد" (نيل الأوطار5/301). وقال ابن المنذر: "وأجمعوا على أن القراض بالدنانير والدراهم جائز" (الإجماع ص58). وقد استدل العلماء على جواز المضاربة بأدلة عامة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم واحتجوا ببعض الأحاديث والآثار في ذلك كما سأبين. قال الماوردي: "والأصل في إحلال القراض وإباحته عموم قول الله عز وجل: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ} [البقرة: 198]، وفي القراض ابتغاء فضلٍ وطلبُ نماء" (الحاوي الكبير 7/305). وجاء عن حكيم بن حزام صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنه كان يشترط على الرجل إذا أعطاه مالاً مقارضةً يضرب له به، أن لا تجعل مالي في كبد رطبة ولا تحمله في بحرٍ، ولا تنزل به بطن مسيل، فإن فعلت شيئًا من ذلك فقد ضمنت مالي" (رواه البيهقي والدارقطني وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني سنده قوي، وصححه العلامة الألباني في إرواء الغليل 5/293). وروى مالك في الموطأ عن زيد بن أسلم عن أبيه أنه قال: "خرج عبد الله وعبيد الله ابنا عمر بن الخطاب في جيشٍ إلى العراق، فلما قفلا مرَّا على أبي موسى الأشعري وهو أمير البصرة فرحب بهما وسهّل ثم قال: لو أقدر لكما على أمرٍ أنفعكما به لفعلت، ثم قال: بلى هاهنا مال من مال الله أريد أن أبعث به إلى أمير المؤمنين فأسلفكماه فتبتاعان به متاعًا من متاع العراق ثم تبيعانه بالمدينة، فتؤديان رأس المال إلى أمير المؤمنين ويكون الربح لكما فقالا: وددنا ذلك ففعل، وكتب إلى عمر بن الخطاب أن يأخذ منهم المال، فلما قدما باعا فأربحا، فلما دفعا ذلك إلى عمر قال: أكل الجيش أسلفه مثل ما أسلفكما؟ قالا: لا، فقال عمر بن الخطاب: ابنا أمير المؤمنين فأسلفكما، أديا المال وربحه، فأما عبد الله فسكت وأما عبيد الله فقال: ما ينبغي لك يا أمير المؤمنين هذا لو نقص هذا المال أو هلك لضمناه فقال عمر: أدياه فسكت عبد الله وراجعه عبيد الله، فقال رجل من جلساء عمر: يا أمير المؤمنين لو جعلته قراضًا فقال عمر: قد جعلته قراضًا، فأخذ عمر رأس المال ونصف ربحه، وأخذ عبد الله وعبيد الله ابنا عمر بن الخطاب نصف ربح المال" (ورواه الدارقطني والبيهقي أيضًا، قال الحافظ ابن حجر وإسناده صحيح، نيل الأوطار 5/300. وقال العلامة الألباني إسناده حسن كما في إرواء الغليل 5/293، وانظر الاستذكار 21/120). وقد وردت آثار أخرى في المضاربة عن عدد من الصحابة كعلي وابن مسعود وابن عباس وجابر وغيرهم رضي الله عنهم أجمعين، قال الشوكاني: "فهذه الآثار تدل على أن المضاربة كان الصحابة يتعاملون بها من غير نكيرٍ إجماعًا منهم على الجواز" (نيل الأوطار 5/300-301). وقد تكلم عليها العلامة الألباني وبين أنها صحيحة عن بعضهم (كما في إرواء الغليل 5/290- 294).
إذا تقرر هذا فإن من شروط عقد المضاربة أن يكون الربح معلومًا بنسبة شائعة من مجمل الربح المتحقق، كالربع أو الثلث أو النصف مثلاً، أو نسبة مئوية مثل 10% أو 20% أو 35% ونحو ذلك، قال الشيخ ابن قدامة المقدسي شارحًا قول الخرقي: "ولا يجوز أن يجعل لأحدٍ من الشركاء فضل دراهم" قال ابن قدامة: "وجملته أنه متى جعل نصيب أحد الشركاء دراهم معلومة, أو جعل مع نصيبه دراهم مثل أن يشترط لنفسه جزءًا وعشرة دراهم بطلت الشركة". قال ابن المنذر: "أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على إبطال القراض إذا شرط أحدهما أو كلاهما لنفسه دراهم معلومة، وممن حفظنا ذلك عنه مالك والأوزاعي والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي...وإنما لم يصح ذلك لمعنيين: أحدهما: أنه إذا شرط دراهم معلومة احتمل أن لا يربح غيرها, فيحصل على جميع الربح، واحتمل أن لا يربحها فيأخذ من رأس المال جزءًا وقد يربح كثيرًاً فيستضر من شرطت له الدراهم. والثاني: أن حصة العامل ينبغي أن تكون معلومة بالأجزاء لما تعذر كونها معلومة بالقدر, فإذا جهلت الأجزاء فسدت، كما لو جهل القدر فيما يشترط أن يكون معلومًا به، ولأن العامل متى شرط لنفسه دراهم معلومة, ربما توانى في طلب الربح لعدم فائدته فيه وحصول نفعه لغيره بخلاف ما إذا كان له جزء من الربح " (المغني 5/28).
وقال الكاساني الحنفي: "وأما الذي يرجع إلى الربح فأنواع منها: إعلام مقدار الربح، لأن المعقود عليه هو الربح، وجهالة المعقود عليه توجب فساد العقد" (بدائع الصنائع 5/118). وجاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: "ما يتعلق بالربح من الشروط: أولاً: كون الربح معلومًا: اتفق الفقهاء على أنه يشترط لصحة المضاربة أن يكون نصيب كل من العاقدين من الربح معلومًا، لأن المعقود عليه هو الربح, وجهالة المعقود عليه توجب فساد العقد..ثانيًا: كون الربح جزءًا شائعًا: ذهب الفقهاء إلى أنه يشترط أن يكون المشروط لكل من المضارب ورب المال من الربح جزءً شائعًا نصفًا أو ثلثـًا أو ربعًا, فإن شرطا عددًا مقدرًا بأن شرطا أن يكون لأحدهما مائة من الربح أو أقل أو أكثر والباقي للآخر لا يجوز والمضاربة فاسدة, لأن المضاربة نوعٌ من الشركة, وهي الشركة في الربح, وهذا شرط يوجب قطع الشركة في الربح, لجواز أن لا يربح المضارب إلا هذا القدر المذكور, فيكون ذلك لأحدهما دون الآخر فلا تتحقق الشركة, فلا يكون التصرف مضاربة.قال الكاساني: وكذا إن شرطا أن يكون لأحدهما النصف أو الثلث ومائة درهم, أو قالا: إلا مائة درهم, فإنه لا يجوز لأنه شرط يقطع الشركة في الربح, لأنه إذا شرط لأحدهما النصف ومائة، فمن الجائز أن يكون الربح مائتين، فيكون كل الربح للمشروط له, وإذا شرط له النصف إلا مائة فمن الجائز أن يكون نصف الربح مائة فلا يكون له شيء من الربح" (الموسوعة الفقهية الكويتية 38/53-54). والربح المقصود في شركة المضاربة هو ما زاد عن رأس المال بعد التنضيض -تحويل العروض إلى نقود- وبعد حسم المصروفات، لأن الربح هو المقصود من شركة المضاربة، وبناءً على ما سبق فلا يجوز أن يكون الربح مجهولاً، كما لا يجوز أن يكون مبلغًا محددًا، وإن حصل ذلك كانت المضاربة فاسدة، وكذلك فلا يجوز شرعًا أن يكون الربح نسبة من رأس المال المقدم من رب المال، لأنه حينئذ يكون مبلغاً مشروطًا ومعينًا، لأن رأس المال لا بد أن يكون معلومًا، فإذا كان رأس المال عشرة آلاف دينار، واتفقا على نسبة ربح 10% من رأس المال، فحينئذ يكون الربح مبلغًا معلومًا وهو مئة دينار، وهذا يعتبر من باب الربا، فكأنه أقرضه المال مع زيادة فهو ربًا وليس ربحًا، والفرق واضحٌ بين الربح وبين الربا، فالربح هو الزيادة على رأس المال نتيجة تقليبه في النشاط التجاري، أو هو الزائد على رأس المال نتيجة تقليبه في الأنشطة الاستثمارية المشروعة كالتجارة والصناعة وغيرها". (انظر الربح في الفقه الإسلامي ص 44).
والربح عند الفقهاء ينتج من تفاعل عنصري الإنتاج الرئيسيين وهما العمل ورأس المال، فالعمل له دور كبير في تحصيل الربح. (المصدر السابق ص44-45). وقد حدد المعيار الشرعي رقم (13) المتعلق بالمضاربة الصادر عن هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية أحكام الربح وشروطه في شركة المضاربة كما يلي: "يشترط في الربح أن تكون كيفية توزيعه معلومة علمًا نافيًا للجهالة ومانعًا من المنازعة، وأن يكون ذلك على أساس نسبة مشاعة من الربح لا على أساس مبلغ مقطوع أو نسبة من رأس المال... إذا شرط أحد الطرفين لنفسه مبلغًا مقطوعًا، فسدت المضاربة... لا ربح في المضاربة إلا بعد سلامة رأس المال..." (كتاب المعايير الشرعية ص 224).
وخلاصة الأمر أن شركة المضاربة هي شركة على الربح، فلا بد أن يكون الربح معلومًا، ولا بد أن يكون نسبة شائعةً من الربح المتحقق بعد سلامة رأس المال وبعد حسم المصاريف، ولا يجوز أن يكون الربح مبلغاً محددًا، كما لا يجوز أن يكون الربح نسبة من رأس المال، لأنه حينئذ يكون ربًا وهو محرم شرعًا.
تاريخ الفتوى: 23-4-2010.